هل تدين حماس؟ بقلم توفيق الناصري

موقع مصرنا الإخباري:

لماذا تكون الحرب قبيحة ولا يعتبر المدنيون أضرارا جانبية إلا عندما تُزهق أرواح الفلسطينيين، ومع ذلك يكون “إرهابا” عندما يقاتل الشعب المضطهد محتليه؟

هذا هو السؤال الأول الذي تواجهه عند تناول الفظائع التي تحدث في غزة. أول نقطة تفتيش لتقييم إنسانيتك. أنت تتجنب الإجابة على هذا السؤال؛ إن قول “نعم” يعني أنك تقبل وتبرر الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، وقول “لا” يزج بك في منطقة معاداة السامية، ويتم تصنيفك على أنك “إرهابي”.

أريد الإجابة على هذا السؤال بصوت عال وواضح، ولكن بعد جولة تاريخية قد تساعد في فهم وجهة النظر العربية. ما يحدث حاليا في فلسطين ليس صراعا دينيا؛ إنه أحد أطول المشاريع الاستيطانية الاستعمارية التي تهدف إلى التطهير العرقي للسكان الأصليين.

ففي العام 1948، أيد العالم “الحر” إنشاء “دولة” يهودية في فلسطين انتقاماً للفظائع التي ارتكبت في المحرقة. ونتيجة لذلك، تم طرد 750 ألف فلسطيني مسلم ومسيحي من منازلهم وأراضيهم. لم يكلف أحد نفسه عناء إخبار هؤلاء الأشخاص الذين عاشوا في مخيمات اللاجئين لمدة 75 عامًا عن سبب اضطرارهم إلى دفع ثمن الجرائم الأوروبية المرتكبة ضد اليهود. لقد انتظر هؤلاء اللاجئون 75 عاماً حتى يتابع العالم «الحر» انتهاكات 140 قراراً دولياً. ومن ناحية أخرى، كان الانتهاك المزعوم لقرار دولي واحد كافياً لغزو العراق وليبيا، مما أسفر عن مقتل مليون عراقي، لكن انتهاك 140 قراراً لم يكن كافياً حتى للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في العودة إلى دياره أو ناهيك عن مجرد الاعتراف بحقه في العودة إلى دياره. حقوقهم الإنسانية الأساسية.

وبعد الانسحاب من غزة عام 2006، فرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي حصارًا على غزة. يُسمح بدخول كميات محدودة من الغذاء والأدوية والمياه ومواد البناء إلى غزة، ويتم رفض 99% من طلبات السفر، ويبلغ معدل البطالة 67%. هناك فرص محدودة للتعليم والعلاج الطبي المتقدم وأقل من 1% فرصة للعيش في العالم خارج أسوار هذا السجن المفتوح. هكذا كانت الحياة في غزة لمدة 16 عاما لـ 2.3 مليون فرد.

وخلصوا إلى أن المستقبل كلمة لا معنى لها بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين منذ 75 عاما، وكانوا على حق، فقد تخلى عنهم العالم وتركهم دون خيارات. لا تجرؤ حتى على محاولة الشعور بالفزع عندما يأخذ الأشخاص اليائسون واليائسون مصيرهم بين أيديهم ويغيرونه. ومن المثير للسخرية أن نطلب من هؤلاء التصرف وفق القوانين الدولية والإنسانية، في حين تجاهل العالم “الحر” هذه القوانين في التعامل معهم.

وفي عام 2018، خلال مسيرات العودة الكبرى (احتجاج سلمي ضد الظروف المعيشية القاسية في غزة)، قتلت “إسرائيل” 214 فلسطينيًا في غزة، منهم 36 طفلاً، وأصابت أكثر من 8000 مدني. وكان واحد من كل خمسة من المصابين قد استهدف بالذخيرة الحية.

وفي عام 2022، استشهد 230 فلسطينيا، 171 في الضفة الغربية و53 في غزة. لقد تصرف العالم “الحر” بالصم والبكم. ومنذ عام 1948، اعترفت الأمم المتحدة بعشرات المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي: في دير ياسين (107)، الطنطورة (200)، اللد (400)، الدوايمة (145)، قبية (69)، كفر قاسم (49)، خان يونس (40)، صبرا وشاتيلا (3500)، مدرسة بحر البقر الابتدائية (30 طفلاً). وعلى عكس “إسرائيل”، لا يحق للفلسطينيين الدفاع عن أنفسهم عندما يُقتل شعبهم. إضافة إلى ذلك، لم يقتصر الأمر على أن العالم «الحر» لم يدين «إسرائيل»، بل استخدم حق النقض (الفيتو) للتأكد من عدم تمكن أي قرار دولي من إدانة هذه المجازر. ولم يتم إرسال حاملات طائرات أو غواصات نووية أو خبراء عسكريين ولم يقم أي زعيم عالمي “حر” بزيارة المنطقة للتعبير عن الدعم أو حتى التعازي.

أنا لا أدين حماس.

أرى مقاتلين من أجل الحرية يحاولون تحرير بلادهم والدفاع عن أنفسهم ضد الفظائع المرتكبة ضدهم منذ 75 عامًا. ومثل المقاومة الفرنسية المجيدة ضد الاحتلال النازي، صفع هؤلاء المناضلون من أجل الحرية العالم كله ليوقظوه من سباته الجاهل الإجرامي ليشهدوا محنة الشعب الفلسطيني.

أنا لا أدين حماس في سعيها إلى التحرير. لماذا تكون الحرب قبيحة ولا يعتبر المدنيون أضرارا جانبية إلا عندما تُزهق أرواح الفلسطينيين، ومع ذلك يكون “إرهابا” عندما يقاتل الشعب المضطهد محتليه؟

وفي الوقت الذي نتحدث فيه، فقد 13300 فلسطيني في غزة حياتهم. ومن بين هؤلاء الـ 11 ألفاً، نصفهم تقريباً من الأطفال. وهي، في نظر العالم «الحر»، نوع من الأضرار الجانبية في ظل ممارسة «إسرائيل» لحقها في «الدفاع عن النفس». ومن الواضح أن الشعب الفلسطيني يعتبر أبناء إله أقل، وهذه ليست المرة الأولى، وللأسف ليست المرة الأخيرة، التي يقف فيها التاريخ إلى جانب المحتل وليس المحتل.

ليس من المقبول دعم الممارسة الغربية المتمثلة في تعليق القوانين الإنسانية عندما يتعلق الأمر بالناس في أجزاء أخرى من العالم. لا يمكنك إدانة العمل في أوكرانيا وقبولها عند ممارستها على أشخاص غير أوروبيين وغير بيض. لم تعد سيادة الرجل الأبيض والقوانين والديمقراطية قابلة للتطبيق في الجزء الذي نعيش فيه من العالم. نحن ضحايا نفاق الرجل الأبيض ومعاييره المزدوجة، ولسنا معنيين بالسير على خطاه.

ومن حقنا أن نقاوم، وأن نناضل من أجل عالم أفضل لأبنائنا وأحفادنا، وأن نهتم بمصالحنا الوطنية، وليس بمصالح الشركات المتعددة الجنسيات. لكل هذه الأسباب وأكثر من ذلك بكثير، لا، أنا لا أدين حماس.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى