الحملة الفرنسية على مصر.. شر مستطير

موقع مصرنا الإخباري:
لم أحب الحملة الفرنسية على مصر أبدا، ولم أر فيها ما يراه البعض، من تنوير وتحديث، وبالطبع أصحاب هذا الرأى يملكون أدلة وشواهد وبراهين تدعم وجهة نظرهم، وأنا أيضا أملك أدلة وشواهد وبراهين تجعلنى لا أرى فى هذه الحملة التى خرجت من مصر منذ مائتين وعشرين عاما سوى الاستعمار والاستعلاء الغربي.

أنظر إلى الحملة الفرنسية من زاويتين، الأولى أن كل ما فعله الفرنسيون من تحديث كان لأنفسهم فقط، ليعرفوا أكثر عن هذا الشعب وظروف المنطقة، ولم تكن هناك رغبة فى إفادة المجتمع المصرى، ولم يكن نابليون بونابرت مصلحا اجتماعيا أو سياسيا أو دينيا كما يحلو للبعض تصوره، بل كان رجلا ذكيا يجيد التأثير فى العقول.

الزاوية الثانية التى أنظر منها إلى الحملة الفرنسية هى واقع الناس فى ذلك الوقت، لقى لقى الناس الأمرين من الحملة وجنودها، كان العنف الدامى ضد الشعب المصرى ليس فى معركة إمبابة ولا ثورة القاهرة الأولى ولا الثانية فقط، بل ما حدث فى الأقاليم المصرية يدل على ذلك، وهو ما اتمنى ان يبرزه المورخون والمهتمون بالتاريخ والثقافة بوجه عام.

يكفى أن نقرأ معا فى كتاب “الصليبية والجهاد.. حرب الألف سنة بين العالم الإسلامى وعالم الشمال” تأليف وليام بوليك، ترجمة وتحقيق عامر شيخونى وعماد يحيى الفرجى، وصدرت ترجمته عن الدار العربية للعلوم ناشرون.

حاوَل نابليون أن يُقَسِّم مُعارضيه ويُفرِّقهم مثلما يَفعَل المستعمرون عادة، فكان يَعمَل مراراً ضدَّ المماليك، بينما يُعلِن تأييدَه للشعب المصرى، قال إن جَشَع المماليك هو سبب تَخريب مصر التى كانت ذات يوم أرضَ “المُدن العظيمة والقنوات العَريضة والتجارة النامية”، استَغَل ضَعفَ المجتمع المصرى بشكل لطيف وماهر باستِغلاله الفِرقَةَ بين المسلمين والأقباط، ومثلَما فَعَلَ مَن سَبقوه، فقد شَجَّعَ نفوذَ وفَخرَ الأقباط واستَخدَمهم فى جَمعِ الضرائب.

كان الاسلوب الثالث الذى اتَّبَعَهُ نابليون هو إرهابُ المصريين بجيشه، ومهما كان القفاز الذى لبسته الإمبريالية الفرنسية ناعماً، فقد كان يُخفى تَحتَه مَخالِبَ حادَّة، ومثلما كان البريطانيون فى الهند والهولنديون فى إندونيسيا والروس فى القوقاز والصينيون فى آسيا الوسطى، فقد كان الاحتلال الفرنسى لمصر ديكتاتورية عسكرية، لكى يَعمَل الاستعمار وتَنجَح الإمبريالية لا يمكن تَحَمُّلُ أية مقاومة حتى لو كانت هَمسَاً.

أُمِرَ القادةُ المصريون بارتداء الألوان الفرنسية، وكان على السكان أن يَضَعوا شريط القبعة الذى يَرمز للثورة الفرنسية، وعلى الفلاحين “أن يَرفَعوا العلَم الفرنسى وكذلك عَلَم صديقنا السلطان العثماني”، والقرى التى تُقاوم أو تَرفض أن تُقَدِّمَ ما يُطلَبُ مِنَ المؤن تُحرَق، وقد أُحرِقَ منها ما يكفى لترويع الباقين.

لم يَخَدِع المصريون بمظاهر حسن النيَّة الفرنسية، وسرعان ما ظَهَرَت أسباب لقتالهم، فقد هاجَمَت فِرَق من الجنود القرى التى شَكُّوا بوجود نشاط مُعاد لفرنسا فيها، وحَكَموا عليها بعقوبات كان أغلبها يَشمَل حَرْقَ التِّبن المَخزون على أَسْقُفِ منازلها فانهارَتْ وتم نَهبُ الطعام الذى جَمَعَهُ القرويون. كان هذا البرنامج مثالاً مبكراً لقَمعِ المقاومة ولم يكن موجَّهاً للمعاقبة فقط بل لمَنعِ التَّموين عمَّن تَبقَّى من المماليك والعثمانيين وقوات البدو أيضاً. وفى إحدى الهجمات دَمَّرَ الجنودُ الفرنسيون بلدةً بَلَغَ تَعدادُ سكانِها حوالى اثنى عشر ألف شخص.

بقلم
أحمد إبراهيم الشريف

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى