مصطفى كريم يكتب… عشوائيات في التفكير

موقع مصرنا الإخباري:

“الفكر مرآة السلوك”، مقولة قديمة ترسخ لأهمية الفكر ودوره في تحريك سلوكيات الأفراد والمجتمعات، فإن أردت أن تتوقع سلوك أحد، فتأمل ما يدور في عقله من أفكار، وسيمكّنك ذلك بسهولة من استنتاج سلوكياته.

تكمن خطورة الأفكار في كونها لا تُرى، ولكننا نشعر بآثارها ونتائجها، السلبية منها والإيجابية أيضًا، فالأفكار المتطرفة والمنحرفة والتي تولد الإرهاب والتطرف وإقصاء الآخر هي أفكار خطيرة، ولكن الأخطر ألا يكون هناك نسق للتفكير، فكما أن هناك عشوائيات يسكنها البشر، فهناك عشوائيات تسكن العقول، لا يمكن إرجاع أسبابها في مصر إلى حالة عدم الاستقرار التي مرت بها البلاد خلال السنوات العشرة الأخيرة، ولكن ربما كانت تلك السنوات ـ وما انطوت عليه من أحداث جسام ـ بمثابة الشرارة المفجرة والكاشفة لتلك العشوائية ولكن ليست المنشأة لها، فتلك العشوائيات أقدم من ذلك بكثير.

ولعل من أهم وأخطر مظاهر تلك العشوائيات الفكرية هو غياب التخصص، وغلبة الحديث في كل الأمور من غير المتخصصين، سواء على الفضاء الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى من بعض البرامج التلفزيونية التي تستضيف غير المتخصصين للحديث في أمور سياسية أو اقتصادية أو دينية أو ثقافية أو فنية، بل وربما يتعدى الأمر إلى فقرات من أسئلة المواطنين التي يجيب عليها غير ذوي اختصاص.

وتتفاقم خطورة غياب التخصص حينما يصل الأمر من غير المتخصصين إلى انتقاد يصل إلى حد التجريح والانتقاص من المتخصصين أنفسهم، وربما كان أكثر مظاهر ذلك غرابة أن ينتقد البعض الصفحة الرسمية لدار الإفتاء المصرية بأنها تتولى الإفتاء؟! وهو أمر يمثل “كوميديا سوداء”، فإن لم تمارس دار الإفتاء وظيفتها في الإجابة عن فتاوى الناس، فمن سيقوم بذلك؟!

ومن مظاهر ذلك أيضًا، حالة “اللامعيارية” أو غياب معايير الحكم على الأمور، حيث أصبح البعض لا يعترف مثلًا بلغة الأرقام والإحصائيات، وقد يرفضها ـ رغم كونها لا تكذب ـ وذلك فقط لأنها تناقض رأيه، وكذلك غابت كثير من الثوابت الأخلاقية أو الاجتماعية التي تعارف عليها الناس في النظر للأمور المختلفة.

وحتى يكون الكلام عمليًا، فإن أول طريق إزالة تلك العشوائيات هي في إعادة دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة، كالمدارس ودور العبادة ووسائل الإعلام المختلفة في بناء العقل السليم، بجانب تقديم نماذج النجاح المصرية في مختلف المجالات، كقدوات للشباب من أجل أن يحذو حذوهم ويكونوا بالنسبة لهم مرجعية ومصدرًا لتلقي العلوم والخبرات.

إن هذه العشوائيات الفكرية ناقوس خطر، فإن كانت المباني العشوائية تسقط على رؤوس أصحابها فقط، فإن انتشار تلك العشوائيات الفكرية تؤذن بانهيارات أشد في منظومة القيم والمعاملات الاجتماعية وكذلك في منظومة أفكار المجتمع وعقله الجمعي.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى