دبلوماسية “الكوارث”.. تحولات في الطابع الإنساني للسياسة الدولية.. بقلم بيشوي رمزي

موقع مصرنا الإخباري:

ربما باتت الدبلوماسية ذات الطابع الإنساني أحد أهم الأدوات التي تتبناها الدول منذ سنوات لتعزيز مكانتها العالمية، وهو ما تجسد في أبهى صوره في العديد من المشاهد الإغاثية، التي ارتبطت باندلاع الكوارث هنا أو هناك، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لأهمية العمل على تعزيز هذا الجانب، في إطار مساعي القوى الطامحة نحو مزيد من النفوذ والتأثير، عبر مساعدات مقدمة في الأساس لخدمة الشعوب، وهو ما يحمل في طياته مسارين، أولهما ذو طبيعة رسمية، عبر صيغته الحكومية، بينما يحمل في مسار أخر، جانبا شعبويا غير رسمي، من شأنه تعزيز مكانة الدولة التي تقدم المساعدة بين الشعوب، وهو ما يدفع بقوة نحو تعزيز مصالحها، إلى الحد الذي يساهم بصورة كبيرة في توجيه البوصلة نحوها.

إلا أن الدبلوماسية الإنسانية، ربما شهدت العديد من التحولات، خاصة مع تواتر الأزمات، في السنوات الماضية، ربما أبرزها مع اندلاع وباء كورونا، مع تحولها من الجانب الإغاثي نحو حالة من التضامن، في ظل عدم قدرة العديد من الدول، وعلى رأسها الدول المتقدمة ذات الإمكانات العاتية، من مواجهة الأعداد الكبيرة من الإصابات التي لاحقتها، عبر تقديم أجهزة طبية، وهو ما ساهم بصورة كبيرة في تعزيز صورة العديد من الدول، التي طالما روج لها الغرب، باعتبارها “مارقة”، على غرار الصين، والتي نجحت في الفوز بمساحة كبيرة من الشعبية لدى أوروبا الغربية، ساهمت حالة التخلي الأمريكي، في تعزيزها، سواء فيما يتعلق بأزمة كورونا، أو قبل ذلك مع فرض القيود التجارية، والتي أثرت سلبا على الاقتصاد، إلى جانب عوامل أخرى، منها مساعي واشنطن لتفكيك “أوروبا الموحدة”.

ومع اندلاع الأزمة الأوكرانية، تحول التضامن، من مجرد تقديم مساعدات، نحو التعاون التنموي، عبر تعميم التجارب الرائدة، وهو ما يتجسد بجلاء في الدبلوماسية المصرية، والتي حققت نجاحا منقطع النظير، ليس فقط فيما يتعلق بتجربتها، وإنما عبر قدرتها الكبيرة على الحديث باسم محيطها الإقليمي، والجغرافي، وهو ما تجلى في العديد من المشاهد الدولية، ربما أخرها خلال قمة المناخ الأخيرة في شرم الشيخ، ناهيك عن دعمها للتنمية في العديد من الدول الأخرى، عبر تقديم خبراتها، أو خبرائها، وهو ما يعكس تضامنا، تتزايد أهميته، مع تواتر الظروف الدولية الصعبة التي باتت تواجه العالم في المرحلة الراهنة.

إلا أن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية سامح شكرى مؤخرا، إلى سوريا وتركيا، للتعبير عن تضامن مصر مع الدول المنكوبة إثر كارثة الزلزال المدمر التي ألمت بهما، ربما تحمل وجها جديدا، للدبلوماسية الإنسانية، فيما يمكننا تسميته بـ”دبلوماسية الكوارث” بعيدا عن الأفكار النمطية التي دارت حولها، في الماضي، على غرار الإغاثة والمساعدات، بينما تجاوزت في الوقت نفسه، مفهوم التضامن “الناعم”، لتصبح بمثابة خطوة، مهمة لتجاوز ما يمكننا تسميته بـ”الحالة الانتقالية”، والتي تشهدها العلاقات بين الدول، في المراحل التي تعقب أية تغييرات تبدو “خشنة”، أو على الأقل تسريعها، للتحول نحو “عودة” أسرع إلى شكلها الطبيعي.

فلو نظرنا إلى النموذج السوري، ربما نجد أن العلاقات مع المحيط العربي، شهدت حالة من الشد والجذب، خلال العقد الماضي، إثر حالة الفوضى التي شهدتها المنطقة، بينما بدأت تدريجيا نحو التعافي في ظل انفتاح جزئي، من قبل العديد من الدول العربية عليها، في حين جاءت الفرصة، من “رحم” المحنة الأخيرة، والتي توافد على إثرها الوفود الدبلوماسية، وعلى رأسهم مصر، للتعبير عن التضامن، بعيدا عن تعقيدات السياسة وخلافاتها، لتحمل تلك الزيارات في طياتها طابعا إنسانيا بحتا، ولكنها في الوقت نفسه ستساهم بصورة كبيرة في تعميق حالة الثقة المتبادلة، ووتيرة التعاون، لتتوارى خلفها أي إرث خلافي.

الطبيعة الإنسانية للدبلوماسية في وجهها الجديد، من شأنها تعزيز العلاقات الثنائية، بينما في الوقت نفسه يمكنها المساهمة بصورة كبيرة في تعزيز العلاقة الجمعية، بين الدول على المستوى الإقليمي، في تحقيق أكبر قدر من التقارب بين الدول، على مستوى التحالفات الخاصة بها، وهو ما يمثل “بذرة” أخرى نحو المزيد من التعاون الإقليمي، في المرحلة الراهنة، التي تبدو فيها كافة دول العالم، في أشد الحاجة إلى تحقيق المزيد من التكامل الاقتصادي، لمجابهة التحديات الناجمة عن الأزمات المتواترة.

المصدر: اليوم السابع

 

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى