ترشيد الاستهلاك والتنمية الاقتصادية

موقع مصرنا الإخباري:
للشريعة الإسلامية غايات نبيلة من وراء الأمر بترشيد الاستهلاك، وهذه الغايات النبيلة تصب فى مصلحة الوطن وتحقيق التنمية فى المجتمع فى كل مجالات الحياة: اقتصادا واجتماعا وصحة، كما يحقق للمجتمع انضباطا أخلاقيا، ولا يبعد أن يحقق تقدما سياسيا وعسكريا، وهذا يتفق مع شمول حكم الشريعة الإسلامية الرشيدة، والتى تبنى الأحكام فيها على تحقيق مصالح العباد، مع مراعاة ما يؤثر فى الحكم وما يتأثر به؛ وذلك لأن الشارع هو الله، وهو أدرى بما يصلح صنعته «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير».

وفى هذا المقال نلقى الضوء على بعض الآثار التى يحققها اتباع منهج الشريعة الإسلامية فى ترشيد الاستهلاك على التنمية بمختلف مقوماتها.
والمتأمل فى توجيه الشريعة الإسلامية إلى ترشيد الاستهلاك، يجد أن النموذج الذى يقدمه الاقتصاد الإسلامى فى ترشيد الإنفاق الاستهلاكى يساعد على توفير موارد التمويل اللازمة للتنمية الاقتصادية، وإذا كانت التنمية الاقتصادية تقتضى الحصول على موارد معينة لازمة لها، وتحصيل هذه الموارد يحتاج إلى رؤوس أموال نقدية، فإن منهج الشريعة يترتب عليه توفير أموال ضخمة، ذلك لأنه يجعل من الاعتدال فى الاستهلاك، والاقتصاد فى الإنفاق خلقا عاما تتميز به الأمة الإسلامية.

وتوفير المال من جراء تطبيق المنهج الإسلامى فى الترشيد يتحقق من ناحيتين:
الأولى: قلة الطلب على السلع، مما يعنى توفير السلع فى الأسواق وكفايتها لجمهور المستهلكين، وهذا يعنى توفير أموال كبيرة، ورؤوس أموال كانت ستتجه إلى الإنتاج، ليتوازن العرض مع الطلب، وليتحقق الإشباع للمجتمع.

وقد تكون هذه السلع أو بعضها مما تستورده الدولة، والتى تكلفها نفقات باهظة، على رأسها مشقة الحصول على العملات الأجنبية اللازمة لعمليات الاستيراد، والمنهج الإسلامى يوفر جزءا كبيرا من مثل هذا الإنفاق، مما يمكن الدولة من الاتجاه بنفقاتها نحو إنتاج أنواع أخرى من السلع.
الثانية: الادخار وهو ناتج عن عدم استهلاك كل الدخل، فهو القدر الفائض من الدخل بعد الإنفاق على الاستهلاك، وهذا ما يتحقق بترشيد الاستهلاك.
ولا شك أن الادخار يعمل على تكوين رأس المال، ورأس المال يزيد من الإنتاج، وهو ما يعود بالنفع على الأفراد وعلى المجتمع، فالادخار يفيد مباشرة أولئك الذين أسهموا فيه، من خلال قيامهم باستخدام مدخراتهم فى إنشاء المشروعات التى تعود عليهم بالنفع، والمجتمع يستفيد أيضا، ذلك أن قيام مشروعات إنتاجية جديدة على حصيلة مدخرات الأفراد سوف يزيد من ثروة المجتمع، كما أنه يسهم فى تشغيل كثير من الأيدى العاطلة، فتزيد إنتاجية العمال، وترتفع قوتهم الشرائية، فيخطو المجتمع خطوات جادة نحو تحقيق التنمية والازدهار الاقتصادى.

ولقد أدرك الإسلام ذلك فحرم الاكتناز، وحث المسلم على استثمار الأموال المدخرة، وشجعهم على تكوين رؤوس الأموال، فلم يعترض على ما بأيدى الناس من مدخرات، بل دعاهم إلى زيادتها، فأمرهم بالاقتصاد فى الإنفاق، وحجر على السفهاء.

بل لقد حرص الإسلام على تذكير المسلم كل حول بضرورة استثمار أمواله وعدم اكتنازها، ففرض عليه الزكاة، مما يجعل المسلم نافعا لنفسه إن استثمر أمواله، ونافعا لمن حوله فى المجتمع إن أدى الزكاة.

وبناء على ما سبق يتضح أن الإسلام دعا إلى ترشيد الاستهلاك والتوسط فى الإنفاق، وذلك حتى يمكن تكوين المدخرات التى يعاد استثمارها واستغلالها فى إقامة المشروعات الإنتاجية الجديدة، والتى تسهم فى زيادة الثروة، وتؤدى إلى ثراء المجتمع ونمائه.

بقلم
د. محمد عبدالرحمن الضويني

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى