إجتياز الأزمة بقلم توفيق الناصري

موقع مصرنا الإخباري:

لفتت عملية طوفان الأقصى الأخيرة الانتباه مرة أخرى إلى الأزمة المستمرة في فلسطين. إن استمرار النظام الإسرائيلي في الاحتلال والفصل العنصري في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الأراضي المحتلة عام 1948 وكذلك حدود ما قبل عام 1967 في الضفة الغربية وغزة، قد أدى إلى أزمة إنسانية حادة لا يمكن إنكارها.

لقد تمت الموافقة على عبور حكومة تل أبيب عبر الحدود بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947. وإلى جانب النهج القانوني، من وجهة نظر أخلاقية، يمكن اعتبار ذلك احتلالًا.

وبموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، يجب على إسرائيل العودة إلى حدود ما قبل حرب 1967.

اعتمد الكنيست قانون الدولة اليهودية في 19 يوليو 2018، معلنا أن إسرائيل دولة يهودية، مما أدى إلى ظهور نظام الفصل العنصري.

لقد أثبت ظهور فصائل المقاومة ضد الاحتلال أن تجاهل أوضاع الشعب الفلسطيني وإنكار انتهاك حقوق الفلسطينيين الواضحة لن يضمن أمن إسرائيل.

كما أثبت الجهل بحقوق الفلسطينيين أن مصالح الغرب لن تتحقق في المنطقة أيضاً.

وبما أن القضية الفلسطينية لن يتم التعامل معها عسكرياً، فإن عدم التوصل إلى حل سياسي من جانب حلفاء إسرائيل لم يترك أي خيار سوى المقاومة المسلحة من جانب الفلسطينيين.

أي حل؟

إن تشكيل دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل عام 1967 يشكل الحل الأقدم، وهو الحل الذي يحظى بدعم شفهي من جانب الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبعض الدول العربية.

ولم يتخذ الحل المقترح إجراءات جدية لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة، إلا أن الجهات الداعمة للحل ظلت صامتة ضد استمرار احتلال الضفة الغربية والقتل المستمر لأبناء غزة.

ونتيجة لذلك، فإن تقييم إمكانيات حل الدولتين والحلول الأخرى يمكن أن يمهد الطريق لإيجاد سبل لحل الأزمة الفلسطينية.

حل الدولتين

ويعود هذا الحل إلى الخطة التي أقرتها الأمم المتحدة عام 1947 والتي خصصت 55% من فلسطين لليهود و45% للفلسطينيين.

وقبلت الوكالة اليهودية الخطة، لكن الجامعة العربية عارضتها لأن الفلسطينيين يشكلون أكثر من ثلثي السكان الفلسطينيين مقارنة بالمهاجرين اليهود. وعليه، تم إعلان تقسيم فلسطين بما يتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

ومع استمرار احتلال إسرائيل لفلسطين، وعدم وجود فهم واضح للحدود بين فلسطين وإسرائيل، تحولت القضية الفلسطينية إلى التحدي الأكبر أمام تنفيذ حل الدولتين.

وتحاول حكومة السلطة الفلسطينية إيجاد حل على أساس اتفاق أوسلو. كما أعربت حماس عن استعدادها لقبول إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود ما قبل عام 1967، وعاصمتها بيت المقدس.

ويؤكد الفصيل المتطرف في إسرائيل أن الضفة الغربية، المعروفة باسم يهودا والسامرة، تنتمي بحق إلى إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت حكومة نتنياهو نوايا لدمج هذه المنطقة في الأراضي المحتلة.

وكان عدم مرونة تل أبيب السبب وراء انهيار المفاوضات المتعددة بين الطرفين، بدءاً من محادثات كامب ديفيد في عام 2000 وحتى مؤتمر أنابوليس في عام 2007. وفي نهاية المطاف، أعلن نتنياهو أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة لن يكون ممكناً. تتم متابعتها.

استفتاء

وقد عرضت جمهورية إيران الإسلامية إجراء استفتاء كحل للأزمة الفلسطينية. ووفقاً لهذا الاقتراح، فإن الفلسطينيين، بما في ذلك المسلمين والمسيحيين واليهود واللاجئين الفلسطينيين، سوف يحددون مصير فلسطين في استفتاء، وهو ما يتماشى مع حق تقرير المصير بموجب ميثاق الأمم المتحدة.

وأكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتقرير المصير من خلال القرار 3089 في 7 ديسمبر 1973.

ورغم أن الاستفتاء خيار ديمقراطي وسلمي، فإنه يواجه تحديات في الطريق إلى تحقيقه. الأول هو وضع إسرائيل والسكان اليهود في الأراضي المحتلة بعد الاستفتاء.

إن أكبر التحديات التي تواجه تحقيق الاستفتاء هي وجود إسرائيل، وحق النقض الذي تتمتع به الولايات المتحدة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتناقض مع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تعترف بوجود إسرائيل.

أحد الأمور الغامضة في هذا الحل هو وضع اليهود المولودين في فلسطين. ولا يعتبرون مهاجرين ويمكنهم بطبيعة الحال الحصول على الجنسية الفلسطينية. ونتيجة لذلك، ليس من الواضح ما إذا كان لهم الحق في المشاركة في الاستفتاء.

وهناك غموض حول الخيارات التي سيتم التصويت عليها في هذا الاستفتاء. على سبيل المثال، هل تضمن بعض الخيارات وجود دولتين، أم لا؟حل الدولة الواحدة

وبينما تعتبر إسرائيل تشكيل دولة فلسطينية بمثابة تهديد، فإن إجراء الاستفتاء سيواجه بعض التحديات.

والحل الآخر هو إلغاء قانون الدولة اليهودية وإقامة دولة ذات حقوق متساوية على كامل الأراضي الفلسطينية.

ويتضمن الحل المقترح العودة الآمنة للاجئين النازحين، وتطوير البنية التحتية في كل من غزة والضفة الغربية، وتوطين الفلسطينيين في جميع أنحاء فلسطين، بما في ذلك داخل المستوطنات اليهودية والأراضي المحتلة، وإزالة أي حواجز تعيق المشاركة الفلسطينية في الحياة السياسية والاقتصادية. الهياكل العسكرية، مثل البرلمان، ومجلس الوزراء، والجيش، وقوات الشرطة.

ورغم أن هذا الحل بعيد كل البعد عن هدف الأرض الفلسطينية من النهر إلى البحر، إلا أنه سيضع حدا للعنصرية الإسرائيلية ويوفر المزيد من الفرص لإعمال الحقوق الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، ونظراً لتزايد عدد السكان الفلسطينيين مقارنة باليهود، فإن فلسطين ستعود على المدى الطويل إلى أصحابها الأصليين.

وفي هذا الحل لا داعي لتدمير إسرائيل أو حلها. لكن طبيعة الحكم في فلسطين ستتغير.

ورغم أن الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة قد يقبلون بهذا الحل، إلا أن اليمينيين في إسرائيل قد لا يوافقون على أي شيء أقل من الإبقاء على الوضع الراهن. لكن إذا استمرت المقاومة في غزة والضفة الغربية وتهدف إلى إجبار إسرائيل على قبول هذا الحل المقترح، فقد تحظى بدعم الحكومات الإقليمية والدول الأوروبية، وحتى الحزب الديمقراطي الأمريكي.

بالإضافة إلى وجود تعارض أقل مع قرارات مجلس الأمن الدولي، فإن الوقت اللازم لتطوير البنية التحتية الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة، يميز النمو السكاني للفلسطينيين واليهود، وكذلك متطلبات الفترة الانتقالية من المقاومة المسلحة إن قبول جنسية دولة واحدة سيكون من بين التحديات الخطيرة التي تواجه تحقيق مثل هذا الحل.

وفي حال دخل الفلسطينيون النظام السياسي وشاركوا في عمليات صنع القرار، فماذا سيكون اسم هذه الدولة الموحدة؟ فلسطين أم إسرائيل؟

حل الحكومة الفيدرالية

أحد الخيارات لحل التحديات المتمثلة في تشكيل دولة واحدة ذات حقوق متساوية بين اليهود والفلسطينيين هو إنشاء حكومة اتحادية تضم دولتين فلسطينية ويهودية منفصلة.

وهذا الحل يقع بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة. ولا يزال اليهود والفلسطينيون يُعتبرون مواطنين في دولة واحدة، وستكون فلسطين بأكملها ملكًا لهم جميعًا.

وفي هذه الحالة يجب استيفاء عدة شروط. وتشمل هذه العودة للاجئين، وانسحاب إسرائيل من كافة المناطق المحتلة (بما في ذلك مرتفعات الجولان، وحقول شبعا، والضفة الغربية)، وتنفيذ القواعد اللازمة لمنع الصراعات العسكرية في المستقبل، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع الانتقام الأعمى. بالإضافة إلى ذلك، يجب إجبار الحكومة الإسرائيلية على وضع الأنظمة اللازمة للسماح بمشاركة الفلسطينيين في المؤسسات العسكرية والسياسية والإدارية.

من الممكن تقييد دخول مواطني ولاية ما إلى دولة أخرى، باستثناء إصدار التصاريح من قبل حكومات الولايات المعنية. وبموجب هذا الخيار، سيكون لكل دولة قوات الشرطة والأمن الخاصة بها، وسيكون الفلسطينيون قادرين على الدخول والخروج، والمشاركة في التجارة الخارجية، وإدارة العلاقات الدولية عبر حدود الأردن ومصر وغزة.

وبمرور الوقت، سيتم تشكيل حكومة موحدة من خلال الانتخابات الوطنية في كلتا الولايتين. وسوف يستقر الفلسطينيون تدريجياً في مناطق خارج الضفة الغربية وغزة، في حين سيتم تنفيذ التنشئة الاجتماعية اللازمة لدمج الفلسطينيين واليهود تحت إشراف جهات فاعلة خارجية مثل وكالات الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي.

خاتمة

ورغم أن التدخل العسكري ليس خياراً قابلاً للتطبيق لحل الأزمة الفلسطينية، إلا أن كل حل من الحلول السياسية الأربعة المقترحة يواجه تحديات كبيرة. التداخل والتباعد في مصالح الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، ومواقف الرأي العام داخل المجتمعين الفلسطيني واليهودي تجاه بعضهما البعض، والمخاوف بشأن العواقب المحتملة لأي حل، والجمود الأيديولوجي للفصائل الصهيونية في إصرارها على إن وضع إسرائيل كدولة يهودية، كلها عوامل أعاقت التقدم نحو التوصل إلى حل سياسي.

ومن ناحية أخرى، فقد زرعت جرائم إسرائيل في فلسطين بذور الكراهية العميقة في قلب المجتمع الفلسطيني، مما أدى إلى تعزيز بذور الكفاح المسلح تدريجياً.

ويبدو أن الجمع بين المقاومة المسلحة المستمرة والحوار السلمي بين الجماعات المؤيدة للفلسطينيين يمكن أن يؤدي إلى إجماع حول حل واقعي وسلمي. ومن الممكن بعد ذلك تقديم هذا الحل إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الأمر الذي قد يضعف عزيمة إسرائيل وحلفائها في أمريكا وأوروبا. بالإضافة إلى ذلك،ومن الممكن أن يجذب هذا النهج المزيد من الدعم من المؤسسات الدولية والمنظمات الإقليمية ووسائل الإعلام والرأي العام العالمي.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى