انطلقت الاستشارات الملزمة التي يجريها الرئيس اللبناني ميشال عون في قصر بعبدا الجمهوري، صباح اليوم الخميس، مع الكتل النيابية لتسمية رئيس يكلف تشكيل الحكومة الرقم 78 في تاريخ البلاد وسط ترجيحاتٍ بعودة نجيب ميقاتي لكن بأصواتٍ هزيلة.
وحصل ميقاتي في الاستحقاق الماضي على 72 صوتاً (من أصل 128)؛ الجزء الأكبر منها نالها من أفرقاء باتوا خارج البرلمان، أبرزهم “تيار المستقبل” برئاسة سعد الحريري، نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي فرزلي، رئيس الوزراء السابق تمام سلام، بينما خسر أصوات “الحزب التقدمي الاشتراكي” برئاسة وليد جنبلاط مع تغيير “عادته” هذه المرّة وإعلانه مسبقاً تسمية السفير السابق نواف سلام.
وبدأت الاستشارات النيابية الملزمة مع نائب رئيس البرلمان إلياس بو صعب، الذي ينتمي إلى تكتل “لبنان القوي” برئاسة جبران باسيل، إذ فضّل عدم تسمية أحدٍ لرئاسة الحكومة لأسباب ربطها بعدم الوضوح حول شكل الحكومة ومرحلة ما بعد التكليف.
وتمنى بو صعب، في كلمة له، على الرئيس المكلف و”قد يكون ميقاتي”، وفق تعبيره، الإسراع بتأليف حكومة لأنّ الوضع لا يحتمل التأجيل، “فهناك ملفات ضرورية ومستعجلة، منها خطة التعافي المطروحة والاتفاق مع صندوق النقد الدولي”، متمنياً أيضاً حصول مرونة بالتعاطي وتساهل مع كل الأفرقاء لتتشكل حكومة تلاقي اللبنانيين عند مطالبهم.
من جهته، دعم “اللقاء النيابي الشمالي” الذي يضم ستّة نواب ضمنهم “قدامى تيار المستقبل” (برئاسة سعد الحريري) تسمية ميقاتي، وذلك بعد التشاور معهم والاطلاع بحسب تعبيرهم على العنوان المقبل، متمنين ألا يطول التأليف لأنه “كلما طال كلما كبر الانهيار”.
وسمّت “كتلة الكتائب اللبنانية” برئاسة النائب سامي الجميل (تضمّ 4 نواب) السفير السابق نواف سلام، “بحيث أن النهج المختلف يبدأ باختيار رئيس حكومة لديه نهج مختلف وشخصية مستقلة”، وفق تعبير الجميل، الذي تمنى على كل الكتل تحمّل مسؤولياتها، مؤكداً “أننا لا نناور وواضحون مع الناس وسنبقى صادقين معهم”.
وتمنى الجميل “عدم الخضوع لمنطق أن لا حكومة قبل انتخابات رئاسة الجمهورية”، متمنياً “أخذ الاستحقاق بجدية والعمل على تشكيل حكومة سريعاً لأن البلد لا يمكنه الصمود والانتظار 4 أشهر لحين انتهاء ولاية عون (تنتهي في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022)”.
من جهته، سمّى “التكتل الوطني المستقلّ” (ينضوي ضمنه تيار المردة برئاسة سليمان فرنجية ويضم 4 نواب بعد انضمام ميشال المر إليه)، ميقاتي لرئاسة الحكومة. وتمنى النائب فريد هيكل الخازن تشكيل الحكومة في وقت سريع، داعياً كل القوى السياسية أكانت في السلطة أو المعارضة إلى “مدّ اليد والانفتاح على بعضها والخروج من التموضعات السياسية للنهوض بالبلد اقتصادياً”.
وسمّت كتلة اللقاء الديمقراطي (تمثل الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط وتضم 8 نواب) السفير السابق نواف سلام، معلنةً على لسان النائب تيمور جنبلاط أنها لن تشارك في الحكومة ولكنها ستساعد في تشكيلها.
وسمّت كتلة “جمعية المشاريع” وتضم نائبين، ميقاتي لرئاسة الحكومة، وذلك في ظل المهمات التي تنتظرها مثل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والملفات الملحة كالخبز، الطحين، الكهرباء، المياه، على حدّ تعبيرها.
على صعيد “كتلة الوفاء للمقاومة” التي تمثل حزب الله برلمانياً وتضم 15 نائباً، فقد قرّرت تسمية ميقاتي متمنية له التوفيق والنجاح وللبلاد حسن التعافي ودوام الاستقرار. وقال رئيسها النائب محمد رعد إنه “في الأزمات تتطلب الواقعية والمصلحة الوطنية توفير كل الفرص وتذليل كل العقبات لتتشكل حكومة تمارس سلطة القرار في مواجهة كل الاستحقاقات والمستجدات وطبيعي أن شخصية الرئيس المكلف تعزز ذلك”.
وتعدّ “المنافسة” اليوم محصورة بشكل أساسي بين ميقاتي وسلام، علماً أن أسماءً كثيرة تم التداول فيها منها سفير لبنان السابق في مصر خالد زيادة، وزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن، وزير الاقتصاد أمين سلام وغيرهم.
بيد أنّ أي توافق قوي لم يحصل حول شخصية واحدة من جانب المعارضين والتغييريين، في سيناريو تكرّر على صعيد انتخابات رئاسة البرلمان ونيابتها بشكل أساسي ما صبّ في صالح الثلاثي عون – حزب الله – حركة أمل، وشكّل انتكاسة بعد الأجواء التفاؤلية التي أفرزتها نتائج الانتخابات النيابية على اعتبار أنها ستضرب هيمنة هؤلاء على مراكز القرار، الأمر الذي لم يترجم بالاستحقاقات المتتالية.
وبحسب الجدول الذي وزّعته الرئاسة اللبنانية، فإنّ الكتل المسجلة رسمياً وعددها 13 إلى جانب نواب مستقلّين ستتوافد للقاء عون وتسمية الرئيس، مع الإشارة إلى أنها تنتهي في ساعات بعد الظهر مع تكتل باسيل وكتلة النواب الأرمن التي تدور ضمن فلكه، لكنها ستقرر اليوم بشكل مستقلّ.
وتعدّ كتلة حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع “الجمهورية القوية” الكبرى برلمانياً بضمّها 19 نائباً، وهي لن تسمي اليوم أي شخصية لرئاسة الحكومة، في خطوة أدت إلى تراجع أسهم نواف سلام بعدما كان سيدخل منافسة جدية مع ميقاتي، فيما لو منحته أصواتها، ومن ثم تكتل “لبنان القوي” الذي يضمّ 17 نائباً، وبعده الثنائي “حزب الله” بـ15 نائباً و”حركة أمل” بقيادة نبيه بري، التي تضمّ العدد نفسه.
بينما تضم كتلة “اللقاء الديمقراطي” التي تمثل الاشتراكي 8 نواب، و”الكتائب اللبنانية” 4 نواب ويتوزع باقي النواب على الكتل الأخرى، بينما يصوت النواب المستقلّون كما التغييريون بشكل منفردٍ.
ومن شأن هذه الاستشارات أن تجعل من ميقاتي رئيساً للمرة الرابعة، لكنه قد يكون في الوقت نفسه رئيس حكومة تصريف الأعمال ورئيساً مكلفاً تشكيل حكومة متوقع أن تطولَ ولادتها أو لا تؤلَّف من الأساس حتى نهاية عهد الرئيس ميشال عون في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إلا في حال حصول تسوية يرضى عنها عون وصهره باسيل بالدرجة الأولى، لا سيما أن هذه الحكومة من شأنها أن تتسلّم زمام البلاد في حال الفراغ الرئاسي.
المصدر: العربي الجديد