موقع مصرنا الإخباري:
ساعات قليلة تفصلنا عن مواجهة مرتقبة بين ليفربول الذي يضم بين صفوفه نجمنا المصري محمد صلاح وريال مدريد في ذهاب ربع نهائي دورى أبطال أوروبا، وهو ما يجعلنا نشعر بالفخر دائما لوجود ابن بلدنا في مثل هذه المناسبات الكبيرة، لما يعود بالنفع لنا جميعا، لأن نجم الريدز يعد خير سفير لمصر في أوروبا، لما حققه من إنجازات عبر حصد العديد من الجوائز الفردية ، بل ونافس على جائزة أفضل لاعب فى العالم بجانب البرتغالي كريستيانو رونالدو لاعب يوفنتوس الإيطالى والكرواتى لوكا مودريتش لاعب ريال مدريد الإسبانى، والذى فاز باللقب فى النهاية، كما حقق حلمه بالحصول على لقب دورى أبطال أوروبا مع الريدز بعد الفوز على توتنهام بهدفين دون رد فى النهائى الذى أقيم بينهما بالعاصمة الإسبانية “مدريد” قبل عامين.
بالتأكيد لا يجب أن يمر اليوم دون تسليط الضوء على محمد صلاح، بوصفه، كما قلت أحد أهم النماذج المصرية الناجحة في تاريخنا، فمشواره مع عالم الاحتراف شهد رحلة طويلة ومحطات حافلة صال وجال فيها “فخر العرب”، كما يطلق عليه، عبر خطوات متوهجة بالتألق والاحترافية من مجتمع صغير بقريته الصغيرة في نجريج بمحافظة الغربية إلى “بلاد الخواجات” المليئة بالظروف المختلفة، وصار نجمًا كبيراً فى سماء الكرة العالمية، بعد تحقيقه العديد من الأرقام القياسية داخل الملاعب الأوروبية عبر اللعب للعديد من الأندية، بدءًا من بازل السويسري ومرورًا بتشيلسي الإنجليزي وفيورنتينا وروما الإيطاليين، وصولًا إلى صفوف ليفربول.
اقرأ ايضاً: في تصعيد خطير: مصر تعلن عن فشل المفاوضات والسودان : نفكر في كافة الخيارات لحماية أمننا
كما هو معروف للجميع فإن رحلة محمد صلاح مع التألق داخل بساط الساحرة المستديرة بدأت فى المقاولون العرب خلال موسم 2010-2011، ليدخل دائرة اهتمام الأهلى والزمالك، إلا أنه لم ينتقل إلى أحد القطبين، ولعب القدر دوراً كبيراً فى تغيير وجهته بعد تجمد النشاط الكروى فى مصر خلال تلك الفترة، حتى منح بازل السويسرى فرصة العمر بالتعاقد معه ليظهر فى أول إطلالة للاحتراف الأوروبى، وجعله يغيّر مسار خطواته.
من أكثر الأشياء التي لفتت انتباهي وقت وجود محمد صلاح مع بازل أنه حين كنا نمر على المقاهى ليلاً فى شوارع القاهرة خلال تلك الفترة، كنت نجد صيحات المصريين تعلو، وكان أول ما يجول فى فكر البعض حينها أن هناك مباراة طرفها المنتخب أو الأهلى أو الزمالك، لكنك تكتشف فيما بعد أن صلاح يلعب مع ناديه فى الدورى السويسرى أو الأوروبى.
“المحطة الأهم فى مشوارى مع بازل كانت أمام تشيلسى، لأنى أحرزت هدفاً، وبعدها تلقيت العديد من العروض على رأسها ليفربول والبلوز”.. هكذا علق صلاح فى تصريحات سابقة عن فترة وجوده فى سويسرا، وقتها فضل نجم المنتخب المصرى الانتقال إلى البلوز بعد أن تلقى رسالة على هاتفه من جوزيه مورينيو المدير الفنى للفريق خلال هذه الفترة، ليبدأ الفرعون مرحلة جديدة مع عالم الاحتراف، إلا أنه جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، حيث ظل حبيساً لدكة البدلاء فى معظم المناسبات مع النادى الإنجليزى، حتى قرر ابن نجريج الرحيل على سبيل الإعارة إلى فيورنتينا الإيطالي من أجل خوض مرحلة تحدى جديد مع نفسه، وكانت عيونه وقتها تقول لزملائه فى الفريق الإنجليزى أثناء لحظات الواداع:”سأعود يوما ما إلى هنا”.
بعدها صال وجال محمد صلاح مع النادي الإيطالى فى “الكالتشيو”، وشارك فى 26 مباراة أحرز خلالها 9 أهداف، حتى جاء موعد الفترة الأهم في تاريخه وهي الانتقال إلى “روما”، فقد نجح فريق العاصمة فى الظفر بخدمات الفرعون بعد أزمة شهيرة مع فيورنتينا الذي كان يرغب مسؤولوه في استمرار اللاعب معهم، إلا أن إدارة تشيلسي حسمت الموقف وقررت بيعه لروما، ليبدأ نجم الفراعنة مرحلة أخري بالملاعب الإيطالية، وهي الفترة التي شهدت تألق غير مسبوق له خلال موسمين قضاهما مع الفريق.
بعد ذلك، تحدى محمد صلاح وعاد للدورى الإنجليزى مرة أخرى عبر بوابة ليفربول رغم تجربته الأولى غير المرضية مع تشيلسى، ومناداة البعض بعدم العودة للبرليميرليج ، لكنه كسب التحدى وأثبت للعالم كله أنه نجم يسطع فى عالم الكرة العالمية، بفضل تألقه ونجاحاته التى حققها مع الريدز، حيث اقتحم قلوب جماهير ليفربول منذ أن وضع قدميه في ملعب الأنفيلد، ومع تألقه في المباريات وإحرازه الأهداف المتتالية مع موسمه الأول مع الريدز، زادت مساحة حب الجمهور له، حتى أصبح أيقونة تتربع على عرش قلوبهم، ولعبت أخلاقه العالية وتواضعه دوراً كبيراً للوصول إلى هذه المكانة.
“التتويج بدورى أبطال أوروبا حلمى الأكبر، دائما أتذكر نفسى عندما كنت طفلا فى العاشرة من عمرى وأنا أشاهد البطولة، وأتخيل المصريين وهم يشاهدوننى وينتظرون الفوز باللقب”.. هكذا قال محمد صلاح فى تصريحات إعلامية سابقة ، وذلك بعد أن ضرب الريدز موعداً مع ريال مدريد على لقب أبطال أوروبا فى نسخته قبل الماضية.
جاء موعد مباراة ليفربول وريال مدريد، وهنا شعر ابن نجريج بأن حلمه بات حقيقة وأصبح يلامس الواقع، وكان الكل ينتظر تألق الفرعون وقيادته لناديه الإنجليزى لكسر الملكى والقضاء على هيمنة كريستانو رونالو-قبل أن ينتقل إلى يوفنتوس-، وخطف اللقب، لكن مع دقات الدقيقة 25 سقط محمد صلاح على الأرض بعد تدخل عنيف من راموس مدافع الريال معه.
“انهض يا صلاح .. حقق حلمك”، كان ذلك ما يدور فى عقل محمد صلاح وقت سقوطه على الأرض وتدخل الجهاز الطبى لعلاجه، فقد حاول العودة للقاء مجدداً ، إلا أن إصابته فى الكتف منعته من استكمال اللقاء ، فكان المشهد دراماتيكى بشكل كبير خصوصاً مع بكاء صلاح لضياع حلمه وتهديد مشاركته مع المنتخب الوطنى وقتها فى كأس العالم بروسيا، إذ تألم المصريين فى هذه اللحظة، واحتلوا كل مواقع التواصل الاجتماعى لصب جم غضبهم ضد راموس وشنوا هجوم كاسح عليه، وضاع الحلم بعدما انتهت المباراة لمصلحة أبناء مدريد بثلاثة أهداف مقابل هدف.
أحلام صلاح لم تتوقف عند هذه المحطة، فقد أثير بعدها الكثير من الجدل حول بقائه فى الدورى الإنجليزى، أو الانتقال للعب فى الدورى الإسبانى عبر بوابة برشلونة أو ريال مدريد، بعدما تردد عن دخوله دائرة اهتمامتهم ، لكن نجم منتخبنا الوطنى حسم موقفه وجدد تعاقده مع ليفربول، وأكد وقتها أنه يرغب فى حصد لقب ” البرليميرليج”، والمنافسة مجددًا على لقب دورى أبطال أوروبا، بحثا عن تحقيق أحلامه التى تطارده منذ كان فى قريته الصغيرة بالغربية.
بدأ محمد صلاح موسمه الثانى مع ليفربول وكله قوة وحماس لتحقيق انجازات أكبر مما حققه فى الموسم الأول والوصول إلى محطة الحصول على لقب أفضل لاعب فى العالم وعدم الاكتفاء بالمنافسة فقط أو حصد جائزة الأفضل داخل قارة أفريقيا، وكان المشهد الختامى له فى آخر مباراة بالدورى الإنجليزى وقتها رائعاً بعد أن خطفت ابنته مكة الأنظار كالعادة على هامش احتفال والدها بلقب جائزة “الحذاء الذهبى” ، حيث تجولت داخل أرض الملعب، وقامت بلعب الكرة بقدمها اليسرى وسجلت هدفا فى الشباك وسط صياح وهتافات من الجمهور لها.
هنا خسر صلاح حلمه الأول، لكن تبقى الحلم الثانى المتمثل فى حصد لقب دورى أبطال أوروبا مستمرا رغم الصعوبة الكبيرة لأنه يصطدم بمواجهة ميسى أسطورة برشلونة فى نصف النهائى.. فقد جاء موعد مباراة الذهاب بين البارسا والريدز على ملعب “كامب نو”، وابن نجريج يحمل على عاتقه كل أحلام المصريين قبل جماهير ليفربول أنفسهم، الذين ينتظرون مبارياته بفارغ صبر لتشجيعه.. هنا وقف نجم المنتخب الوطنى قبل انطلاق اللقاء صامتاً وكأنه يتذكر مشهدين:
الأول: حينما كشف لأصدقاء الطفولة عن حلمه فى اللعب مع كبار أوروبا.
الثانى: حينما سقط فريسة للإصابة فى كتفه على يد راموس مدافع ريال مدريد في نهائي النسخة الماضية بأبطال أوروبا.
ما بين المشهدان الأول والثانى، كان المصريون يتذكرون ما حدث أمام ريال مدريد ويتمنون رؤية ابن بلدهم يتفوق على ميسى، لكن فاز برشلونة على ليفربول بثلاثة أهداف دون رد، وذلك على الرغم من تألق كتيبة محمد صلاح الذى كست وجهه علامات الحزن والحسرة بعد قرب ضياع حلمه الثانى خلال هذا الموسم، وفقاً للغة المنطق والقراءة التحليلية لكل النقاد الرياضيين حول العالم الذين أكدوا على صعوبة التعويض في مواجهة الإياب.
لم تتوقف أحزان محمد صلاح فى هذا المشهد عند نقطة الخسارة الكبيرة التى تلقاها فريقه على يد برشلونة، بل امتدت بعدما تأكيد غيابه عن مباراة الإياب فى أنفيلد معقل ليفربول بسبب الإصابة التى تعرض لها فى مباراة نيوكاسل بالدورى الإنجليزى بعد اصطدامه بالحارس مارتن دوبرافكا، إذ أكد الجهاز الطبى لناديه وقتها أن الارتجاج الذى حدث له فى “المخ” يستلزم إراحته لمدة لا تقل 10 أيام.
الأمور أصبحت أكثر تعقيدًا على أحلام محمد صلاح وليفربول سويًا، حتى جاء موعد الحسم وتحديد هوية صاحب بطاقة العبور لنهائى أبطال أوروبا بشكل رسمي، وظهر الفرعون في المدرجات لتشجيع ناديه مرتديًا تيشيرت مكتوب عليه باللغة الإنجليزية”NEVER GIVE UP”، والترجمة بالعربية “لا تستلم أبداً”، فى رسالة منه زملائه باللعب لآخر نفس من أجل التعويض، وكانت المفأجاة الكبرى التي تحدث عنها العالم كله بعد أن حقق ليفربول ريمونتادا تاريخيه بتأهله إلى النهائى عقب فوزه الكبير على برشلونة بأربعة أهداف نظيفة.
وقتها، عاد حلم طفولة محمد صلاح إلى صدارة المشهد من جديد، بل تعزز الحلم أكثر وأكثر بعد أن صعد توتنهام إلى النهائى على حساب أياكس الهولندى، إذ تقول نتائج الناديين الإنجليزيين هذا الموسم أن الريدز هو المرشح الأقرب للقب، وعلى أرضية ملعب “واندا ميتروبوليتانو” فى مدريد، كان ابن نجريج على موعد مع التاريخ، عند دقات الدقيقة الثانية من عمر المباراة النهائية، إذ أحرز الهدف الأول لناديه من ضربة جزاء، هنا بات حلمه قريباً جداً حتى جاءت اللقطة الحاسمة، حينما أحرز زميله أوريجي هدف تأكيد الحلم بالدقائق الأخيرة، ليتوج بعد الريدز بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة السادسة فى تاريخه.
“حققت حلمى الذى كنت أشتاق إليه منذ أن كان عمرى ثمان سنوات، وهو التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا”، هكذا علق محمد صلاح عقب نهاية المباراة مباشرة، ليؤكد أن الأحلام ليس لها أجنحة، بل إنها تحتاج فقط إلى العمل المضاعف والتمسك بها حتى تلامسها، فالاجتهاد والإخلاص فى العمل هما عنوان تحقيق الأحلام والنجاح على أرض الواقع.
ختامًا، اليوم يقودنا محمد صلاح إلى حلم جديد بالاستمرار في إنجازاته والسعى لتحقيق الفوز على ريال مدريد للتقدم خطوة أخرى نحو الحصول على لقب دوري الأبطال مرة ثانية، حتى يكون ذلك بمثابة دفعة قوية لدخوله المنافسة مجددا على لقب الكرة الذهبية.. نحن لمنتظرون تحقيق الكثير من الأحلام مع صلاح لنفتح صفحات جديدة مع حكايته فى ملاعب الساحرة المستديرة.
بقلم حازم صلاح الدين