الدولة المصرية أبدعت فى تدشين نظرية «الصبر الاستراتيجى»، بوعى ومهارة، وبحسابات منطقية عاقلة، ورؤية وبصيرة فى قراءة الواقع قبل وأثناء وبعد 30 يونيو 2013.
ومعادلة نظرية الصبر الاستراتيجى، التى دشنتها الدولة المصرية، عناصرها التريث الرشيد، والقدرة على ضبط النفس وعدم الانزلاق فى معارك جانبية داخليا وخارجيا، تشغلها عن هدفها الجوهرى فى الإعداد والتأهب لمعركة البناء والتقدم والازدهار.
ومقياس نجاح نظرية الصبر الاستراتيجى، يتمثل فى إعادة الأمن والاستقرار، وهيبة الدولة بعد سنوات من الفوضى الخلاقة، وإزالة كل المعوقات والتحديات الاقتصادية الصعبة، واعتبار أن الوقت جزء جوهرى من الحل، بجانب أن قوة عضلات إرادة النظام والشعب، معا، فى إعلاء فضيلة الصبر، أتت كل الثمار الطيبة.
وأنا، وبصفتى دارس للآثار والتاريخ المصرى القديم «علم المصريات»، أؤكد وبشكل علمى، بعيدا عن العاطفة، أن ثورة 30 يونيو، 2013 أعظم ثورة فى تاريخ مصر عبر عصورها المختلفة، قديما وحديثا ومعاصرا.
ويقفز سؤال على ألسنة السادة قراء هذا المقال، لماذا ثورة 30 يونيو أعظم ثورة فى تاريخ مصر عبر عصورها المختلفة؟!
الإجابة طويلة، وتحتاج لكتب ومراجع، لكننا سنذكر 10 أدلة فقط، على عظمة 30 يونيو:
الأول: خروج شعب مصر عن بكرة أبيه فى شوارع الكفور والنجوع والقرى والمدن والمحافظات المختلفة، كطوفان وإعصار تسونامى، لطرد تنظيمات وجماعات، مارست كل أنواع الموبقات السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية، وحاولت إعادة مصر بكل قوة مفرطة لعصور الظلام، وأن تصير القاهرة ولاية تابعة لا تملك قرارها.
الثانى: أوقفت مخطط وصول البلاد إلى حافة الاحتراب الداخلى، وتأسيس كيانات عسكرية موازية، للمؤسسات الأمنية الرسمية.
الثالث: وضعت حدا للتدخل الخارجى والعبث بمقدرات الشعب المصرى، وأمنه القومى الذى كان مباحا ومنتهكا.
الرابع: أطفأت النار المشتعلة فى المحاور الاستراتيجية، فالتهديدات فى الجنوب والشمال الشرقى والشمال الغربى، بل والحدود الغربية المتاخمة على مسافة 1200 كيلومتر مع الشقيقة ليبيا.
الخامس: أن ثورة 30 يونيو تأثيراتها العظيمة عبرت الحدود المحلية إلى الإقليمية، حيث أوقفت مخططات إشعال الفتن فى عدد كبير من الدول العربية، وأعادت جزءا كبيرا ومهما من الأمن والاستقرار فى ليبيا وسوريا.
السادس: انطلاقة مصر كقوى كبرى، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وصارت الرقم الأهم فى معادلة القوة والتأثير إقليميا ودوليا، ورسمت خطوطا حمراء، لا يستطيع كائن من كان تجاوزها.
السابع: أعادت اللحمة الوطنية، بعد محاولة التنظيمات الظلامية، تمزيق نسيج وحدة شعبها وتماسكه.
الثامن: كشفت وعرّت مخططات وأهداف الجماعات والتنظيمات، المتدثرة بعباءة الدين، ليس فى الداخل فحسب، ولكن فى معظم الأقطار العربية والإسلامية، وساهمت فى انهيار شعبيتها فى الشارع.
التاسع: إعادة «فرمطة» مصر، ووضع أقدامها فى خانة الدول المتطورة والمزدهرة، وكأنها تناولت، فى سبع سنوات فقط، أكسير إعادة الشباب والحيوية، وما يحدث فى مصر من تدشين مشروعات فى مختلف القطاعات، ليس إنجازا فحسب، لكنه إعجاز بما تحمله الكلمة من معنى.
العاشر: ساهمت فى القضاء على الأورام السرطانية المؤلمة للضمير الإنسانى، من خلال انتشال الآلاف من قاطنى العشوائيات والمقابر، ونقلهم إلى مساكن آدمية، وراقية، كما دشنت لمبادرات اجتماعية من عينة تكافل وكرامة، ومبادرات صحية، منها القضاء على فيروس سى، الوحش الذى كان ينهش فى أكباد المصريين.
لن نتحدث عن مشروعات الطاقة، والاكتفاء الذاتى من الكهرباء والغاز، وزيادة الرقعة الزراعية واستخدم الصوب ذات الإنتاج الغزير، ومزارع الأسماك والانتاج الحيوانى.
ولن نتحدث عن تسليح جيش مصر، بحيث يصير من أقوى 10 جيوش فى العالم، عدة وعددا، وتأهيلا وقدرة، إنما نشير إلى العبور الكبير والعظيم، من دولة مريضة من دول العالم الثالث إلى «الجمهورية الجديدة» المزدهرة والمتطورة.
بقلم دندراوي الهواري