متلازمة غزة

موقع مصرنا الإخباري:

إن هذه مرحلة تاريخية في حياة البشرية، ويمكننا أن نجزم بأن الحياة بعد هذه المرحلة لن تعود أبدا كما كانت قبلها.

يشعر كل شخص في العالم تقريبًا أن الأشهر السبعة الأخيرة قد غيرت حياتنا، وبطريقة ما، غيرت بشكل كبير العالم الذي ولدنا ونشأنا فيه، إلى حد أن الناس في كل مكان، وخاصة سكان العالم العربي، يشعرون بالغربة في بيوتهم وبلدانهم. وذلك لأن ما يجري في غزة أدى إلى تقويض كل الأفكار والمفاهيم وأساسيات العلاقات والسلوك الإنساني، والعلاقات الدولية والعدالة، وحقوق الإنسان والحرية، وحرية الفكر والإعلام، وغيرها من المفاهيم التي غذيناها.

في كل منعطف من حرب أو صراع أهلي أو كارثة طبيعية (مجاعة، زلازل..) في أي مكان، اعتدنا أن ننتظر ونرى ما سيفعله المجتمع الدولي لمساعدة أو حتى إنقاذ إخواننا من البشر الذين تصادف أنهم في النهاية. من هذه الأحداث. ولكن مع مرور الوقت على الإبادة الجماعية التي استهدفت الملايين من المدنيين في غزة بشكل خاص، والشعب الفلسطيني بشكل عام، تحول رد الفعل الدولي من الدعوة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة إلى مزاج من الصدمة والدهشة والعجز الذي يقترب من نهايته. حالة من اليأس، خاصة عندما تقوم الحكومات الغربية بشكل مطرد بتزويد مجرمي الحرب بأسلحة أكثر تطوراً وذخيرة فتاكة من أجل قتل المزيد من الأطفال والأمهات العاجزين.

لقد كان العالم أجمع، قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، على علم بالوضع المروع الذي عانى منه الفلسطينيون على مدى السنوات الـ 75 الماضية، وعرف بشكل خاص الحصار المفروض على غزة، الذي يوصف بأنه أكبر سجن مفتوح في العالم، المفروض عليه. من قبل آخر نظام فصل عنصري في التاريخ الحديث.

لكن لم يكن أحد يستطيع أن يتخيل الطريقة التي يمكن بها لآلة عسكرية ضخمة، تدعمها وتغذيها أكبر قوة عسكرية في العالم، أن تحاصر 2.2 مليون مدني لهدم منازلهم فوق رؤوسهم، وتقتل الفرق الطبية إلى جانب من هم في حاجة إليها. المرضى والجرحى يطلبون العلاج الطبي، مما أدى إلى خروج جميع المستشفيات تقريبًا عن الخدمة تمامًا.

ولم يكن أحد يتخيل استهداف الإعلاميين الذين يحاولون فقط إطلاع العالم على التطورات، كما تفعل الصحافة في كل الحروب. وفي غزة، قتلت الإبادة الجماعية عدداً أكبر من الصحفيين، رجالاً ونساءً، مع عائلاتهم بأكملها، مقارنة بجميع حروب القرن الماضي.

ولم يكن أحد يتخيل استهداف النساء والأطفال الضعفاء، وقتل النساء الحوامل عمدا، وقتل الأمهات والأطفال في أرحامهن. لم يكن أحد يتخيل استهداف عمال الأونروا أو المطبخ المركزي العالمي أو أي شخص يحاول إيصال المساعدات إلى الأطفال الذين يعانون من الجوع.

يبدو أن كل هذه الفظائع غير المسبوقة قد تركت العالم في حالة من الصدمة، ولكن أيضًا في حالة من الشلل، حيث أصبح غير قادر أو غير راغب أو لا يجرؤ على فعل أي شيء. أثبت مجلس الأمن ومنظومة الأمم المتحدة برمتها أنه رهينة لمن يمول عملياتها، وأثبتت الآلية الناجمة عن الحربين العالميتين برمتها أنها في خدمة الطرف الذي حصل على حق الفيتو ولا يتردد في استخدامه. لتأمين استمرارية عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد المدنيين العزل والمحاصرين، وأغلبهم من النساء والأطفال.

وفي هذه العملية المرعبة اكتشفنا جميعاً أن ما تعلمناه عن الصحافة الحرة في الغرب ما هو إلا أسطورة، وأن هناك غرفة تحكم واحدة تبث كل المفاهيم والمصطلحات والأخبار في جميع أنحاء العالم. كما فهمنا أن كل ما قرأناه عن الديمقراطية لا يساوي الحبر الذي كتب به، وأن حرية التعبير وحقوق الإنسان هي موضوعات حوارات أكاديمية ومقالات وكتب تسحر المؤلفين والقراء بلا أثر ولا لا. علاقتها بما يحدث في العالم الحقيقي. كما أثبتت أن العلاقات بين الدول مبنية على المصالح وليس على المبادئ، وأنه لا أحد مستعد للتضحية بأصغر مصلحته من أجل المبدأ الأكبر.

إن إدراك كل هذا وتفاصيل أخرى أكثر أهمية وأكثر إيلاما أدخل عالمنا في القرن الحادي والعشرين إلى حالة من الضيق، حيث لا قيمة لأي فعل أو لأي كتابة أو قراءة، أو حتى لأي جهد، كما لا قيمة لأي فعل أو كتابة أو قراءة، أو حتى لأي جهد. فالجهد قادر على تغيير المسار المروع للأحداث.

وتبين أن هذه هي أسوأ حالة رعب شهدها العالم. لقد أرهب جميع سكان هذه الأرض ودفعهم إلى حالة من اليأس والعجز. ولهذا السبب فإن الأولوية الأولى الآن، إلى جانب إنقاذ شعب فلسطين من هذه الإبادة الجماعية، هي إنقاذ إيمان الناس على الأرض بإنسانيتهم وقدرتهم على جعل العجلة تدور في الاتجاه الذي يحترم سلامة وقدسية الحياة الإنسانية. .

لقد خلق الله جميع مخلوقاته لخدمة البشر، ولخدمة رفاهيتهم، والحفاظ على إنسانهم وكرامتهم وسعادتهم على الأرض، إذ جعل الله الإنسان خليفة له في الأرض. ولهذا السبب فإن إذلال ممثلي الله على الأرض وقتلهم أدخل العالم كله في نفق مظلم لا نهاية له، ولهذا السبب حذر الله من أن قتل الإنسان لأخيه هو بمثابة قتل البشرية.

لقد وصلت رائحة القتل والموت البشع في فلسطين إلى الجميع في كل مكان، وفي جميع القارات، تحثهم على بذل قصارى جهدهم لاستعادة احترام ونزاهة الحياة الإنسانية، والسلام الإنساني، والسعادة والرخاء الإنساني. إن هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها فلسطين مؤلمة للغاية للفلسطينيين ولجميع العرب، ولكنها أيضًا اختبار لإنسانية كل من يعيش على هذه الأرض.

إن هذه مرحلة تاريخية في حياة البشرية، ويمكننا أن نجزم بأن الحياة بعد هذه المرحلة لن تعود كما كانت أبدا. والأمر متروك للإنسانية أن تجمع قوى الخير وترسم طريقا مستقبليا نحو الخير، وإلا فإنها ستدخل في نفق مظلم لا يمكن لأحد أن يرى نهايته.

الحرب على غزة
الإبادة الجماعية في غزة
جرائم الحرب الإسرائيلية
غزة
المجاعة في غزة
فلسطين
إسرائيل

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى