غزّة عصيّة على الإنكسار .. المساعدات الإنسانية وسياسة الإبادة

موقع مصرنا الإخباري:

يكشف الإيجاز الذي قدمته وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) حول تداعيات القصف الإسرائيلي الوحشي على غزّة عن تفصيل واحد بارز. “عدد القتلى في تزايد. ولا يوجد ما يكفي من أكياس الجثث للموتى في غزة”. وإلى جانب الأخبار التي تفيد بأن الفلسطينيين أُجبروا على حفر مقابر جماعية، وهو ما يذكرنا بالنكبة عام 1948، توضح الملاحظة التناقض السائد: لا تستطيع غزة مواكبة العنف الاستعماري الإسرائيلي.

وفي أنباء أخرى، رفض مجلس الأمن الدولي مشروع قرار تقدمت به روسيا يسعى إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، بأغلبية خمسة أصوات مؤيدة وأربعة معارضين وامتناع ستة عن التصويت. وقد أعطى ممثلو الدول التي صوتت ضد القرار وامتنعت عنه (بعض هذه الدول مانحة للأونروا) موافقة بالإجماع على تجريد إسرائيل من إنسانيتهم ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة. وبالإشارة إلى أن وقف إطلاق النار كان لأسباب إنسانية، وليس سياسية، فإن السياسة التي تلعبها المساعدات الإنسانية لا يمكن أن تكون أكثر وضوحا.

لا توجد أكياس جثث كافية للموتى في غزة. ووفقاً لتقرير نشرته رويترز أمس، قُتل 2750 فلسطينياً في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. لقد تم التباهي بالعدوان الإسرائيلي واسع النطاق أمام العالم، وتم تغليفه بروايته الأمنية. ومع ذلك، فإن التفاصيل الملموسة هي التي تبرز، على الرغم من أنها قد تبدو غير ذات أهمية. لا توجد أساسيات إنسانية كافية في غزة لتلبية احتياجات الحياة اليومية للشعب الفلسطيني، وقد أصبح هذا أمرًا طبيعيًا حتى بمعايير المساعدات الإنسانية. والآن، يعمل المجتمع الدولي على تطبيع عمق آخر لسردية العنف الاستعماري: فالفلسطينيون الذين تقتلهم إسرائيل لا يستحقون أي كرامة. كما هو الحال في الحياة، كان على الفلسطينيين في غزة أن يعيشوا محرومين من الوصول إلى المياه النظيفة والإمدادات الطبية والتدخلات، على سبيل المثال لا الحصر؛ كما أن وفاتهم غارقة في الحرمان من الدفن المناسب.

دعونا لا ننسى أن قرار مجلس الأمن الدولي تم رفضه بالأمس، لأن الدول المعارضة والممتنعة عن التصويت لم تنبذ روسيا سياسياً فحسب، بل قررت أيضاً أن علاقاتها مع إسرائيل لها الأسبقية. وفي وقت الحاجة الماسة، كشفت هذه الجهات السياسية الفاعلة عن التناقض بين المساعدات الإنسانية والعنف الاستعماري الإسرائيلي، بين الدعم الهامشي لفلسطين والتمسك بشكل لا لبس فيه بقاعدة إسرائيل السياسية والإفلات من العقاب.

وفي أوقات العنف الاستعماري الإسرائيلي الطبيعي، حذرت الأونروا مرارا وتكرارا من عجز التمويل الذي من شأنه أن يؤثر على الخدمات المقدمة للفلسطينيين. ووفقا للأونروا، فإن “الحياد يساعد على خلق ما يسمى بالفضاء الإنساني”. كما تعتبر الوكالة مفهوم الحياد ضروريا لعملياتها. ومع ذلك، فإن الأونروا تعمل من منطلق سياسي وأجندة سياسية. ويتم تحديد التمويل من قبل الدول المانحة، والعديد منها متحالف سياسيا مع إسرائيل. وتعلم الوكالة أنه حتى لو زاد التمويل، فإنه لن يتجاوز أبدا ما تلحقه إسرائيل بالفلسطينيين حتى في الأوقات التي لا يكون فيها قصف مستمر لغزة، ناهيك عن هذه الحالة، حيث لا يزال المانحون للأونروا يشيدون بالقوة العسكرية الإسرائيلية باعتبارها وسيلة دفاع.

إن العنف الاستعماري الذي تمارسه إسرائيل وشركاؤها الدوليون هو الذي يحدد شكل المساعدات الإنسانية. مثل هذه المعلمة ليست مقياسا للحياد. إن غزة لا تملك ما يكفي من أكياس الجثث بسبب العنف الاستعماري الإسرائيلي، كما أن المساعدات الإنسانية متشابكة مع إسرائيل إلى الحد الذي يجعل من غير المخجل أن يفضح مثل هذه الإهانة. ولابد أن يكون هذا بمثابة انعكاس للأجندة الإنسانية برمتها عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، وتذكرة بمدى الانحراف السياسي الذي يعتزم المجتمع الدولي إبادة إسرائيل في غزة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى