أعلنت دار الإفتاء المصرية في بيان منذ قليل، أنه يجوز إخراج أموال الزكاة والصدقات لمن أراد الزواج ويعجز عن التكاليف، وفقاً لما جاء في السنة النبوية المطهرة، التي دعت إلى تيسير أمر الزواج والحض عليه عند الاستطاعة، وأن الشرع جعل المَهْرَ في الزواج لمصلحة المرأة صَوْنًا لكرامتها وعزة لنفسها، لكن المغالاة في المهر تُعدُّ عائقًا أمام الزواج وتنافي الغَرَض الأصلي منه.
وقد سردت دار الإفتاء المصرية في فتواها كل التفاصيل المتعلقة بالمغالاة في المهور، والتيسير على الشباب المقبلين على الزواج، إلا أن هناك عبارة وردت في البيان أختلف معها جملة وتفصيلاً، وهي أنه يجوز إخراج أموال الزكاة والصدقات والتبرعات مساعدةً لمن أراد الزواج وهو عاجزٌ عن تكاليفه، وفقاً لما جاء عن فقهاء المالكية والحنابلة، بل وأردفت الدار في هذا الأمر استشهاداً بما فعله الخليفة عمر بن عبد العزيز، الذي أمر مناديًا ينادي في الناس ويقول: أين المساكين؟ أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ حتى أغنى كُلًّا مِن هؤلاء؛ وذلك ليعطيهم من بيت مال المسلمين.
العبارات والكلمات التي أوردتها دار الإفتاء وإن كانت مسندة وصحيحة وجاءت عن الأئمة والصالحين، إلا أنها ليست كافية لتصبح عنواناً عريضاً يمكن استخدامه والحث عليه، فالزواج مسئولية كبيرة، وأمانة أكبر، والنتاج الطبيعي لهذا الزواج أطفال وأسرة يجب أن تتمتع بالقدرة المالية على مواجهة أعباء ونفقات الحياة، ولا يمكن أن يكون التعامل مع قضية كبيرة مثل الزواج، بأن نحفز الشباب على التسول وجمع الصدقات وتلقى أموال الزكاة حتى يتزوج!
أظن أن ما جاء في فتوى دار الإفتاء المصرية ينقصه الكثير، فلماذا لم تخبرنا بالحديث النبوي، “من استطاع منكم الباءة فليتزوج”، والباءة هنا القدرة الجسدية والمادية، فالزواج يحتاج إلى تكاليف وأموال، وما كانت تفعله العرب في بداوتها الأولى لا يمكن أن نطبقه الآن في العصر الراهن، فكيف يكون حال الشاب الذي يتزوج من أموال الصدقة؟! بالطبع سيسعى لإنجاب 10 أبناء، وغالباً لن يتمكن من توفير التعليم المناسب والحياة المناسبة، بل الطعام وقد يصل بهم المطاف إلى أن يصبحوا متسولين في الشوارع.
كيف خرجت فتوى الزواج من أموال الصدقات والزكاة، دون النظر إلى ارتفاع حالات الطلاق بصورة غير مسبوقة، والسبب الأول نفقات الزواج والمصروفات، وعدم قدرة الشباب على الوفاء بالتزاماتهم؟! لماذا لم تنظر دار الإفتاء إلى قضية الزيادة السكانية الكارثية، التي تلتهم ثمار التنمية وتقلص فرص الأجيال المقبلة؟! والأولى أن تتبنى الدار تقديم نصائح وإرشادات للمقبلين على الزواج، وربطه بفكرة الاستطاعة، فالزواج يجب أن يكون لمن استطاع إليه سبيلاً، وليس لمن يجمع أمواله من الصدقات والزكاة وبيت مال المسلمين.
أعرف عن الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، السماحة ورحابة الصدر واتساع الأفق، لذلك أتمنى أن يراجع دار الإفتاء في الفتوى التي صدرت حول قبول التبرعات والصدقات لمن أراد الزواج ويعجز عن تكاليفه، إعمالاً لفقه الواقع، وحفاظاً على كيان المجتمع وتماسكه، الذى باتت معدلات الطلاق فيه كبيرة جداً لأسباب متنوعة، أهمها عدم قدرة الزوج على الإنفاق أو مواجهة أعباء ومتطلبات الحياة، لذلك يجب أن يكون الزواج للقادر على تكاليفه، ومن لا يستطع فعليه بالصوم كما أخبرنا الرسول الكريم.
بقلم محمد أحمد طنطاوي