عباس شومان يكتب… كورونا بين الجدل والبحث عن حلول

موقع مصرنا الإخباري:
فى الوقت الذى يعيش الناس فى رعب خوفا من الإصابة بفيروس كورونا الفتاك، وفى وقت يحتاج الناس إلى تضافر الجهود لمساعدة الناس على كيفية الوقاية منه قدر الإمكان بتطبيق ما توصل إليه خبراء الصحة من اجتهادات وقائية، حيث ما زال الغموض يكتنف هذا الفيروس فى كثير من جوانبه، ومن وجهة نظرى المتواضعة فلست من أهل الاختصاص أنه مازال كتابا غامضا، فلا أحد يملك حقيقته الكاملة، لا من حيث ظهوره وهل هو فيروس مخلق بعبث بشرى خرج عن السيطرة، أو أنه فيروس طبيعى كغيره من الفيروسات، ولا كيفية انتقاله بين الناس، ولا وسائل الوقاية الكافية لإبعاده بشكل آمن.

فكثير من الناس لم يتخذ أى إجراءات احترازية ولم يرتد كمامة يوما، ويخالط الناس فى الأسواق ووسائل المواصلات، ولم يصب به حتى الآن، وكثير ممن اتخذوا أقصى درجات الوقاية تحت التراب بعد أن فتك بهم الفيروس اللعين، ولذا فإن الناس فى حاجة لبذل علماء الفيروسات والصحة والطب الوقائى والجهات البحثية مزيدا من الجهود لدفع خطر هذا الفيروس ومحاصرته وتحصين الناس منه، فكل ما أعلن عنه حتى الآن ما هو إلا اجتهادات تحتمل الصواب وضده، حتى هذا العقار الذى يتزاحم عليه الناس فلا يمكن لأحد الجزم بأنه كاف لإبعاد خطر الفيروس أو نفى الآثار الجانبية له، حيث إن النتائج المؤكدة لن تكون قبل مضى فترة على استخدامه ومتابعة آخذيه، والمقارنة بينهم وبين غيرهم من حيث نسب الإصابة وهذا لم يحدث، نظرا لمسابقة الوقت فى التصدى للفيروس، حيث اكتفى بالنتائج المخبرية التى نتمنى أن تكون مماثلة للنتائج الواقعية بعد تطعيم الناس به.

أما عن الدواء فهو أيضا محاولات اجتهادية فى إطار الأدوية المستخدمة لفيروسات أخرى، أما هو فلم يتوصل الخبراء لدواء له حتى الآن حسب تأكيدات كبار المتخصصين، وفى خضم كل هذه الهموم وما تحتاجه من جهود من أهل الاختصاص، فإن علماء الشرع، والاجتماع، والصحة النفسية، والإعلام، والثقافة، والتربية.. عليهم القيام بواجباتهم كل فى مجال اختصاصه، لمساعدة أهل الاختصاص الصحى والتنفيذى فى نشر الثقافة الصحيحة بقدر المعلومات المتاحة، ومطالبة الناس بالهدوء والتهدئة من روعهم، والقيام بما عليهم من تنفيذ ما يعلن عنه من إجراءات وقائية حتى وإن لم تكن يقينية فى مكافحة الفيروس، فإن على الإنسان أن يأخذ بالأسباب وما قدره الله – عز وجل – نافذ فى النهاية.

ولكن وللأسف لا يخلو مجال من مقصرين عن القيام بواجبهم نحو مجتمعهم، وزاد بعضهم الطينة بلة بإثارة مسائل جدلية لا طائل من خلفها إلا إيذاء مشاعر أهل المتوفين بعد إصابتهم بكورونا، مثل الاختلاف حول كون الميت بكورونا شهيدا أو لا؟ وإنما قلت إنه لا طائل من خلفها لأن حكم البشر على من مات لا يغير من حكمه الحقيقى عند الله، ليس هذا فى موتى كورونا فقط، ولكن مثل هذا الجدل أثير فى الأوقات الصعبة التى لا يتمنى أحد عودتها، وهى موتى المظاهرات والفوضى التى ضربت منطقتنا فيما يسمى بالربيع العربى، فالله وحده هو من يعلم هل من مات مات مدافعا عن نفسه أو مجتمعه أو أنه أحد الجناة المعتدين، وهو من سيفصل فى أمرهم وليس إسباغ لفظ الشهادة عليه من البشر، ومثل هذا يقال عن موتى كورونا، فإن وصفنا لهم بالشهداء أو نفى الشهادة عنهم ليس هو من يحدد مصيره فى الآخرة، فقد انتقل إلى ربه وهو أعلم بكيفية موته وبكونه من الشهداء أو لا.

ونحن حين نصفه بالشهادة فهو من باب الإخبار بما حملته نصوص الشرع، ويكون الحكم على الموضوع بصفة عامة، وليس على موتى بأعينهم، فإذا قلنا الميت بكورونا من الشهداء فهذا حكم عام لا يجوز الجزم به لميت بعينه.

وبالنظر فى النصوص الواردة فى شرعنا، فإنها تظهر بجلاء أن موتى الجوائح من الشهداء، فهناك من النصوص الصحيحة ما أثبت الشهادة لموتى الجهاد فى سبيل الله «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»، وكذا منها ما أثبت الشهادة لموتى الكوارث كالحرق والهدم والطاعون.. فقد سألت أمُّ المؤمنين عَائِشَةَ رسولنا الأكرم عن الطاعون، فَأَخْبَرَهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِى بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ»، فهذا نص واضح صحيح رواه الإمام البخارى، يثبت أجر الشهيد لمن مات مطعونا، ولا خصوصية للطاعون تفرق بينه وبين غيره من الجوائح ككورونا وغيره، ولكنه مجرد مثال لجائحة ضربت الناس، وفى صحيح البخارى أيضا: «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» وفيه أيضا: «المَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَالمَطْعُونُ شَهِيدٌ»، وفى البخارى أيضا «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ».

ومع وضوح هذه الأدلة ومع ما سبقت الإشارة إليه من أن حكمنا ليس هو إلا مجرد إبلاغ بحكم عام لا يفيد محكوما عليه بعينه، وأنها مسألة جدلية لا طائل من خلفها بالنسبة للميت، ومع علمنا بنهج شرعنا بأن نكون مبشرين لا منفرين، وميسرين لا معسرين، ترى البعض يجتهد فى نفى الشهادة عن موتى كورونا، مع ما فى القول بأنهم شهداء كما فُهِمَ من النصوص الصحيحة السابقة، وغيرها من مواساة لأهلهم وتصبيرا لهم على فقدهم، وهذا مسلك غريب لا يوافق توجيه شرعنا الحكيم، ويدل على عدم القدرة على فهم نصوص الشرع الصحيحة، حيث يتوقف عند ألفاظها دون معانيها، وأولى من هذا الانشغال بما ينفع الناس فى بيان كيفية التعامل مع الفيروس، وقاية وعلاجا وسلوكا، وكيفية الاستفادة منه فى تذكر الموت والاستعداد له، فكلنا يرى ويسمع كيف يتخطف الفيروس الناس من حولنا، ولسنا مختلفين عنهم، فما أصابهم وأودى بحياتهم لسنا بمأمن منه، والعاقل من اعتبر بغيره وبادر بإصلاح سلوكه، وأصلح شأنه مع الله ومع الناس، فشأن المصائب التى تصيب المؤمنين الابتلاء والاختبار، وفى ذلك يقول المولى «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ»، رحم الله من مات شهيدا بإذنه، وشفى المصابين وجعل ما ألمَّ بهم كفارة لذنوبهم، وحفظ على الأصحاء صحتهم، ورفع الجائحة، فليس لها من دون الله كاشفة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى