أعلنت جبهة تحرير تيغراي سيطرتها على عاصمة الإقليم، وطرد قوات الجيش الإثيوبي منه.
عد أقل من أسبوع من الهجوم المكثف الذي شنته قوات جبهة تحرير تيغراي، انسحب الجيش الإثيوبي من ميكيلي، عاصمة الإقليم الواقع شمال البلاد، الاثنين، حسبما قال مسؤول في الأمم المتحدة لشبكة CNN.
وتحدث المسؤول شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا من انتقام الحكومة الإثيوبية.
يتم استقبال الأخبار بهتافات في العاصمة الإقليمية لتيغراي، وشاهد صحفيو CNN تدفق الناس إلى الشوارع للاحتفال، على الرغم من الدعوات لهم بالبقاء في منازلهم حيث لا يزال الوضع متقلبًا.
كما يمكن سماع الألعاب النارية مع استمرار الاحتفالات في الليل.
تواصلت شبكة CNN مع كل من قوات دفاع تيغراي والحكومة الإثيوبية للتعليق، لكنها لم تسمع أي رد بعد.
وقال شهود عيان في ميكيلي لشبكة CNN إن الجنود الإثيوبيين شوهدوا وهم يدخلون البنوك والمكاتب الإعلامية ومكاتب الوكالات الإنسانية قبل مغادرة المدينة. وقال مسؤول في الأمم المتحدة لشبكة CNN إن القوات الإثيوبية داهمت مكاتب المنظمة الدولية للهجرة واليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي حوالي الساعة الرابعة مساءً (بالتوقيت المحلي).
وأدانت المديرة التنفيذية لليونيسف، هنريتا فور، هذا الإجراء «بأشد العبارات».
وقالت: «دخل أفراد من قوات الدفاع الوطني الإثيوبية مكتبنا في ميكيلي اليوم وفككوا معداتنا التي تعمل بمحطات طرفية صغيرة جداً. هذا العمل ينتهك امتيازات وحصانات الأمم المتحدة وقواعد القانون الإنساني الدولي فيما يتعلق باحترام أهداف الإغاثة الإنسانية».
وانضم المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إلى الانتقادات الموجهة إلى القوات الإثيوبية عندما سأله صحفيون في الأمم المتحدة في نيويورك.
وقال دوجاريك للصحفيين يوم الاثنين: «ندين أي وجميع الهجمات على العاملين في المجال الإنساني والأصول ونذكر مرة أخرى جميع الأطراف بالتزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي. سلامة موظفينا هي أولوية ونحن نبذل قصارى جهدنا لضمان ذلك».
وأضاف دوجاريك: «يجب على جميع الأطراف ضمان حماية المدنيين وأن جميع المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة يتم توفيرها وفقًا للمبادئ الإنسانية».
عبّرت صحيفة “لوموند” (Le monde) الفرنسية في افتتاحيتها لافتة إلى أن آخر ما كانت تحتاج إليه إثيوبيا هو الحرب الفظيعة التي تدور رحاها منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020 في إقليم تيغراي والتي أسفرت عن مجازر واغتصاب ومجاعة، والواقع أن هذا البلد لا ينقصه إمبراطور جديد وإنما عودة السلام. رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، القائد الفعلي لهذه الحرب، الذي عقدت عليه آمال كبيرة عند تسلمه السلطة، خيّب ظن من راهنوا عليه.
وقالت إن هذه ليست المرة الأولى التي يحتفي فيها الغرب بزعيم أفريقي وينظر إليه على أنه أمل للقارة، ثم ما يلبث أن يتحول ذلك الزعيم إلى مستبد.
ولكن لوموند استغربت السرعة الهائلة للتقلبات التي ميزت مسيرة آبي أحمد، إذ لم يكد يحصل على جائزة نوبل للسلام في عام 2019، حتى تحول إلى أمير حرب في العام التالي.
فالآمال التي كانت معلقة على هذا القائد الشاب ذي الشخصية الجذابة كانت، وفقا للصحيفة، هائلة عندما تولى مقاليد السلطة في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 110 ملايين نسمة.
وذكّرت لوموند بالتاريخ العريق والعظيم لإثيوبيا، الدولة الأفريقية الوحيدة التي لم تخضع للاستعمار قط، على الرغم من الاحتلال الإيطالي لجزء منها بين عامي 1936 و1941.
وقالت إن آبي أحمد فور تسلمه مقاليد الحكم أطلق سراح السجناء السياسيين، ودشن انفتاحا سياسيا داخليا، وأبرم اتفاقية سلام مع “العدو” الإريتري، وذلك يعني تدشينه قطيعة مفاجئة لـ3 عقود من نظام استبدادي جمع بين القمع السياسي والنمو الاقتصادي.
فالرجل المولود لأب مسلم وأم مسيحية وذو الرحلة السياسية المتميزة كان أهلا لقيادة إثيوبيا، وكان يجسد أملا لبسط الاستقرار في هذا البلد الذي كثيرا ما عصفت به الاشتباكات بين الجماعات العرقية لأقاليمه، وأملا لتحويله إلى بلد موحد ومزدهر، بل إلى “نمر” أفريقي، على حد تعبير لوموند.
لكن على العكس من ذلك، كما تقول الصحيفة، ها هي إثيوبيا بعد 3 سنوات من حكم آبي أحمد على شفا الانهيار، فقد تحولت عملية “استعادة النظام” التي انطلقت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 في إقليم تيغراي الشمالي، بدعم من إريتريا المجاورة، واستهدفت نزع سلاح السلطات المحلية المنبثقة عن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، تحولت إلى حرب مفتوحة.
وتميز الصراع في تيغراي بمجازر واغتصاب مدنيين، ومجاعة أثرت في 350 ألف شخص، وفقًا للأمم المتحدة، ولم تتمكن السلطة المركزية حتى الآن من إحراز نصر نهائي.
وفي الوقت نفسه، فإن منطقة أوروميا، على الرغم من كون آبي أحمد منحدرا منها، تعاني تمردًا داخليًّا تواجهه السلطات بالقمع والزج بالمعارضين في السجون.
وتضيف لوموند أن رئيس الوزراء الإثيوبي بعد أن حرم من حلفائه السابقين في تيغراي، يجد نفسه اليوم رهينا لعلاقة مرهقة مع جاره الإريتري، كذلك يُتّهم بمحاولته التشبث بحكم البلاد من خلال التضحية بالخصوصيات الإقليمية لمصلحة الأمهرة، المجموعة العرقية الثانية في البلاد ذات الماضي الإمبراطوري، وكذلك من خلال رؤية موحدة جسّدها في حزبه الجديد “حزب الرخاء”.
ولكن الصحيفة حذرت من أن الإيحاءات المسيحية لآبي أحمد، الذي تحول إلى الحركة البروتستانتية الخمسينية والذي يرى في نفسه المنقذ للبلاد، تغذي المخاوف من تفكك الهويات العرقية في بلد يطارده شبح التفكك على مدى أكثر من قرن.
وختمت لوموند افتتاحيتها بتأكيد أن الانتخابات التشريعية التي شهدتها إثيوبيا لن تحل مشاكلها وأن ما يحتاج إليه هذا البلد ليس إمبراطورا جديدا وإنما عودة السلام إلى ربوعه، ووضع حد للانتهاكات بحق المدنيين، وذلك شرط لا غنى عنه للبحث عن حلول لا تستثني أيا من مكونات البلاد، وفقا للصحيفة.