المبادرة المصرية بإعادة إعمار قطاع غزة، تزامنا مع النجاح المنقطع النظير في وقف إطلاق النار، على الأراضى الفلسطينية، أضفت وجها إنسانيا للدبلوماسية المصرية، ساهم في زيادة الزخم الذى حظى به الدور الذى لعبته القاهرة، خلال الأزمة الأخيرة، على المستويين الدولي والإقليمي، خاصة وأنه قدم بعدا جديدا للسياسة الخارجية المصرية، والتي طالما اعتمدت على أدواتها التقليدية، في مختلف القضايا التي ارتبطت بها، منذ عقود طويلة من الزمن، على غرار الجغرافيا، والتاريخ، ناهيك عن العلاقة القوية مع الولايات المتحدة، والتي كانت بمثابة الحليف الرئيسى، وربما الوحيد للقاهرة، لأكثر من 4 عقود كاملة من الزمن.
ولعل مبادرة إعادة الإعمار، كانت بمثابة خطوة جديدة، اتخذتها الإدارة المصرية، لترتبط بحدث صراعى استثنائى، على الأراضى المحتلة، والتي تمثل جزءً لا يتجزأ من منطقة ملتهبة، تعانى العديد من دولها جراء الفوضى، التي ضربتها منذ اندلاع “الربيع العربى”، وبالتالي ربما تصبح الخطوة المصرية، بمثابة امتداد طبيعى للدور القيادى الذى تلعبه القاهرة، والذى لم يعد يرتبط فقط بأبعاده السياسية أو الأمنية، وإنما بات يقدم بعدا اقتصاديا وتنمويا، ويحمل في طياته أبعادا إنسانية لا تقل أهمية على كافة الأمور الأخرى سالفة الذكر.
إلا أن البعد الإنسانى للدبلوماسية المصرية، في حقيقته، لا يقتصر على البعد الإنسانى في منطقتها الجغرافية، على غرار ما شهده قطاع غزة، وإنما يحمل كذلك بعدا إغاثيا، عبر تقديم الدعم السريع للدول المنكوبة بأزمات مفاجئة وغير متوقعة، وهو الأمر الذى بدا أولا، مع بعض الدول، مع بداية تفشى فيروس كورونا، حيث قدمت مساعدات إلى العديد من الدول التي عانت من صدمة الانتشار الكبير وغير المتوقع، للوباء، وعلى رأسها الصين، وبعض الدول في إفريقيا، بل وبعض الدول الأوروبية، على غرار إيطاليا، والتي بلغت ذروة المعاناة، مع الموجة الأولى للوباء.
ويعود الوجه الإغاثى للدبلوماسية المصرية مجددا، في المرحلة الراهنة، لتقديم الدعم لقبرص، والتي عانت من أزمة اندلاع حرائق غابات غير مسبوقة، منذ عقود طويلة من الزمن، إلى الحد الذى دفع الرئيس القبرصى إلى وصفها بـ”المأساة”، حيث اتخذت القيادة المصرية قرارها بتقديم الدعم الإغاثى، عبر التعاون مع السلطات القبرصية، في إطفاء الحرائق، من خلال إرسال طائرتى هليكوبتر مدعمة بكافة المعدات والوسائل المتطورة، للقيام بهذا الدور، وهو ما يمثل نقطة إضافية من شأنها دعم صورة الدولة الفاعلة في التعاطى مع الأزمات، ليست فقط المرتبطة بمحيطها الجغرافى، وإنما في مناطق أخرى من العالم.
الدور الإغاثى المصرى لقبرص، في أزمتها الراهنة، يمثل انعكاسا صريحا، للعديد من الأبعاد، وأهمها حالة الاستعداد للتعامل مع الطوارئ الدولية، بالإضافة إلى قدرة مصر على التضامن مع الدول المنكوبة، ناهيك عن استعدادها للتعامل مع الأزمات، التي قد تواجه المجتمع الدولى، خاصة بعدما نجحت في الخروج من أزماتها “الصعبة”، في السنوات الماضية، والتي كانت تعد بمثابة اختبارات قاسية للقيادة المصرية، خاصة بعد ثورة 30 يونيو، وعلى رأسها حالة الفوضى الأمنية، والتراجع الاقتصادى، وتحدى الإرهاب في الداخل والخارج، ثم بعد ذلك أزمة كورونا، والتي فشل أعتى الاقتصادات في العالم في مواجهتها أو تجنب تبعاتها، حيث لم تمنع مصر من مواصلة طريق التنمية والنمو، في الوقت الذى أصيب فيه دولا أخرى بالشلل.
ومن هنا يمكننا القول بأن الوجه الإنسانى للدبلوماسية المصرية، سواء في صورته التنموية أو الإغاثية، من شأنه تقديم صورة جديدة للدور المصرى، دوليا وإقليميا، لا يقتصر على شكله التقليدي، حيث يمثل طفرة مهمة في السياسة الخارجية التي باتت تتبناها مصر في المرحلة الراهنة، خاصة مع تنامى التحديات الدولية، سواء التي تواجه الدول بصورتها الفردية، أو المجتمع الدولى بصورته الجمعية، وهو ما يساهم بصورة كبيرة في زيادة الثقة الدولية في مصر في المستقبل القريب، ليس فقط على المستوى السياسى، وهو الأمر الذى تحقق فعليا في السنوات الماضية، وإنما أيضا فيما يتعلق بأبعاد جديدة من شأنها توسيع نطاق الدور الدولى الذى تلعبه مصر.
بقلم بيشوى رمزى