كشفت مصادر مطلعة أن الإمارات تضغط بالتنسيق مع حلفائها خاصة مصر لإعادة سوريا إلى مقعد دمشق في جامعة الدول العربية، في القمة العربية المقرر عقدها في الجزائر في مارس/ آذار المقبل.
وقالت المصادر ل”إمارات ليكس”، إن دبلوماسيين إماراتيين ومصريين يجرون اتصالات بالدول العربية الرافضة لاستطلاع شروطها لعودة النظام السوري وذلك بالتنسيق مع روسيا.
وذكرت أن اتصالات أجرتها الجزائر مع دول عربية، أسفرت عن اتفاق مبدئي على دعوة النظام إلى حضور القمة مقابل خطوات تقوم بها دمشق، في ظل اعتراض دولة قطر.
وبحسب المصادر، فإن إعادة سورية إلى جامعة الدول العربية، يمكن أن يستند إلى أن قرار تجميد عضويتها كان “معيباً ويخالف ميثاق الجامعة”.
وأوضح مصدر قانوني أن قرار وزراء الخارجية العرب الذي اتخذ في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، في اجتماع طارئ عقد في القاهرة، بتعليق عضوية سورية في الجامعة اعتباراً من 16 من الشهر نفسه إلى حين التزام الحكومة السورية بتنفيذ بنود المبادرة العربية، لم يتوافق مع ميثاق جامعة الدول العربية الصادر في 22 مارس/آذار 1954، والذي ينص في المادة 8 منه على “تحترم كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى وتعتبره حقاً من حقوق تلك الدول، وتتعهد بأن لا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها”.
وأضاف المصدر أن المادة 18 من الميثاق التي تنص في فقرتها الثانية على “ولمجلس الجامعة أن يعتبر أية دولة لا تقوم بواجبات هذا الميثاق، منفصلة عن الجامعة وذلك بقرار يصدره بإجماع الدول عدا الدولة المشار إليها”، لا تنطبق على الحالة السورية.
واعتبر أن قرار تعليق عضوية دمشق في المنظمة لم يكن بإجماع الأعضاء، مشيراً إلى أن الأمين العام للجامعة العربية حينها نبيل العربي أكد في مؤتمر صحافي في 12 نوفمبر 2011، أن القرار اتُخذ بموافقة 18 دولة في حين اعترضت ثلاث دول هي سورية ولبنان واليمن وامتنع العراق عن التصويت.
وسجلت الإمارات انقلابا فاضحا في موقفها من أزمة سوريا بعد أن ذهبت بعيدا بمعارضة نظام بشار الأسد ودعم إسقاطه وصولا إلى التطبيع معه وتشكيل جسرا إعادته للحاضنة العربية.
ففي مؤتمرٍ لمجموعة أصدقاء الشعب السوري، وخلال كلمة جيّاشة بالمشاعر الإنسانية، عبّر وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في حينه عن استيائه من ضحك النظام السوري على المجتمع الدولي، بينما يموت الشعب السوري، متهماً أول مبعوث أممي إلى سوريا، كوفي عنان، بعدم الاهتمام بمأساة السوريين.
عنان، الذي قالها منذ بداية الثورة السورية: “لا يمكنني أن أرغب في تحقيق السلام أكثر من الفرقاء، أو أكثر من مجلس الأمن، أو المجتمع الدولي”، في تعبيرٍ منه عن عدم وجود رغبة دولية في إزاحة الأسد عن السلطة، ممّا دفعه إلى تقديم استقالته، وذلك في 8 آب/ أغسطس 2012.
ومنذ تلك اللحظة، بقي الفرقاء الذين تحدث عنهم عنان مختلفين، ولكن مع تبدل مواقف بعضهم من النظام، ولا سيما الدول العربية التي رجّحت بعضها أن تعيد حساباتها السياسية على حساب دماء الشعب السوري، وتضحياته، وكان آخرهم عبد الله بن زايد الذي وبّخ عنان قبل تسع سنوات، على تقصيره حيال الملف السياسي.
ويبدو أنّ النبوءة التي نطق بها المبعوث الدولي، ستيفان دي مستورا، أكثر العابثين بالملف السياسي السوري، باتت تتحقق بالفعل
إذ قال في جملته الأخيرة رداً على سؤالٍ عن سبب الاستقالة: “شعرت بأن الحرب على الأرض تقترب من نهايتها، ولن أستطيع أن أكون الشخص الذي يصافح يد الأسد، بعد أن ناضلت بشدةٍ ضد ما حدث في حلب، وإدلب، وداريا”. بهذه الكلمات أعلن المبعوث الدولي انتصار بشار الأسد قبل ثلاث سنوات من بدء التقارب العربي مع نظامه.
بن زايد يصافح الأسد
في صباح 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وردت الأنباء عن زيارة وفد رفيع المستوى من قبل الإمارات إلى دمشق، بغية بحث العلاقات المشتركة. الوفد برئاسة وزير الخارجية عبد الله بن زايد آل نهيان، ووزير الدولة في وزارة الخارجية خليفة شاهين، ورئيس الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك، علي محمد حماد الشامسي.
بدا الخبر للوهلة الأولى صعب التصديق، ليس لأنَّ الإمارات لا تفعلها، فهي ماهرة في التطبيع ليس مع نظام الأسد فحسب، وإنما مع إسرائيل والأنظمة والدول المارقة كلها، حتى باتت هذه الدولة من أكثر دول الوطن العربي معاداةً لشعوب المنطقة.
وإنما لطبيعة السياسة والتوجهات الإماراتية في التعاطي مع الملف الإيراني، إذ يُعدّ نظام الأسد ذراع طهران في المنطقة، وخنجرها في ظهر دول الخليج العربي، مما أثار شكوكاً حول الأهداف الإماراتية من هذا التطبيع العلني الذي لم يعد يقبل الشك.
اتّبعت الإمارات سياسة الخطوة خطوة، ففي نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2018، افتتحت قنصليتها في دمشق، في بادرة هي الأولى من قبل دولة عربية تعيد علاقاتها شبه الرسمية مع نظام الأسد.
وأجرى ولي عهد الإمارات محمد بن زايد اتصالين برئيس النظام السوري، الأول في آذار/ مارس 2020، والثاني في العام نفسه في تشرين الأول/ أكتوبر، لتكون الزيارة هي الخطوة التالية التي على ما يبدو لن تكون الخطوة الأخيرة في إطار سياسة أبو ظبي في التعامل مع الملف السوري، والتي تسعى من خلالها إلى إعادته إلى الجامعة العربية.
من الواضح أن هناك إصراراً من هذه الدول، وأبو ظبي، على إعادة النظام السوري إلى الحضن العربي، من خلال الاعتماد على الدبلوماسية السياسية، والدعم الاقتصادي.
ولم يخفِ أمين عام الجامعة العربية، أحمد أبو الغيظ، هذه المساعي، بعدما أفصح عن مواقف بعض الدول في هذا الخصوص، والتي تؤيد عودة النظام إلى الجامعة، وكانت على القائمة الجزائر، والعراق، والأردن، فيما غابت الإمارات عنها.
من الواضح أن هناك إصراراً من هذه الدول، وأبو ظبي، على إعادة النظام السوري إلى الحضن العربي، من خلال الاعتماد على الدبلوماسية السياسية، والدعم الاقتصادي، لا سيما أنَّ الإمارات فعّلت في وقت مضى مجلس رجال الأعمال السوري-الإماراتي، مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2021.
وكأنّ الأمر بتلك السهولة، فلا يخفى على أحد أنَّ علاقة النظام السوري، سواءً أيام الأب حافظ أو الابن بشار، ليست علاقةً استراتيجيةً فحسب، كما يعتقد بعض علماء السياسة، وإنما هي علاقة “أبوية” مبنية على الطاعة الكاملة من قبل دمشق لطهران الحليف الذي يثق به بشار أكثر من روسيا، وغيرها.
تتقاطع المساعي الإماراتية مع الروسية، وتندرج في إطار المراهنات على قدرة المجتمع الدولي على إبعاد النظام عن إيران،تمهيداً لإعادته إلى الحضن العربي، الحضن الذي كفر به حافظ في وقت سابق، ويكفر به بشار الأسد على حساب الحضن الإيراني الذي على ما يبدو فيه الأمان.
تغيير لسلوك النظام أم تطبيع معه؟
توجهت الأنظار إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي على الأقل ما زالت ترفض أي إعادة للعلاقات مع النظام السوري، مع أنَّها مهتمة في “تحسين سلوك النظام”؛ هذه الجملة التي تعبّر عن فلسفة إدارة جو بايدن في التعاطي مع الملف السوري، وكأنَّه يسخر من السوريين بقوله: سنغيّر سلوك من يقتلكم.
التصريحات الأمريكية الأخيرة كانت بمثابة إعطاء الضوء الأخضر لمن يريد التطبيع مع نظام الأسد، في ظل الانسداد، وحالة الاستعصاء السياسي حول إيجاد حل للملف، وضعف أداء المعارضة السورية التي بكل تأكيد تتحمل جزءاً من مسؤولية التراخي الدولي في تناول الملف السوري، بعدما فشلت في الدفاع عن ثورة الشعب.
لا يوجد نظام في العالم يهبه المجتمع الدولي الحياة، مقابل أن يتنازل عن علاقته بإيران، ويرفض، إلّا النظام السوري، فعلى ماذا تراهن الإمارات والدول العربية؟ وهل بالفعل تحتاج هذه الدولة التي حوّلت منطقة صحراوية إلى صرحٍ حضاري، إلى نظام قتل مليون سوري، وهجّر 15 مليوناً؟
وحين بدأت أحداث مدينة درعا في النصف الثاني من عام 2021، لبسط السيطرة الروسية بشكل كامل على جنوب سوريا، مقابل خط الغازي المصري-الإسرائيلي الذي يمرّ عبر الأراضي السورية، ومن الجنوب هرول الملك عبد الله لإجراء اتصال مع رئيس النظام السوري الذي لطالما طالبه بالرحيل مقابل الغاز، علّقت الولايات المتحدة الأمريكية بأنها لا تمانع المشروع، على الرغم من أنَّه يتنافى مع روح قانون قيصر الذي لا يجيز التعامل الاقتصادي مع دمشق، قبل إنجاز الحل السياسي. هذه الخطوة كانت مؤشراً على مرحلة عربية جديدة للتعامل في ملف سوريا.
وفي العودة إلى سياق الزيارة الإماراتية، علّقت الخارجية الأمريكية بالاستياء من هذه الخطوة، إذ قال المتحدث الرسمي باسمها، نيد برايس، إنَّ بلاده تشعر بالقلق إزاء الاجتماع، ووصف الأسد بالديكتاتور الوحشي، وإنَّهم لا يدعمون إعادة تأهيل بشار الأسد، والتطبيع معه، كما ذكّر دول المنطقة بالجرائم التي ارتكبها النظام.
في الواقع، هذه التصريحات قد تعبّر بالفعل عن سياسة واشنطن بعدم رغبتها في عودة النظام، ولكنها في المقابل توضح عدم الاهتمام، أو الاكتراث، بالملف السوري، مما ساعد دول المنطقة للدفع في اتجاه إيجاد حلول مع نظام الأسد، لإبعاده عن إيران.
وبعيداً عن السياسة، إنَّ الحقيقة المطلقة التي لا نرغب في تصديقها، نحن شعوب المنطقة، هي أنَّ دولنا القابعة تحت نير الاستبداد، وتحكمها نظمٌ ديكتاتورية وفردانية، لا يمكن أن تدعم أي ثورة شعبية، لأنَّها تهدد مملكة الصمت والفرد، فكيف لنظام ملكي لا يوجد فيه فقه الديمقراطية، أن يدعم الربيع العربي؟ ألم يحن الوقت لتدرك الشعوب العربية أنَّ عدوّها الأول هو تلك الأنظمة الوظيفية الشمولية، فالانعتاق منها هو الخلاص الوحيد؟.