إن استنزاف المقاومة في غزة مجرد وهم

موقع مصرنا الإخباري:

في اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في وقت سابق من هذا الشهر، وضع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين الرؤية الأمريكية لـ غزة بعد المواجهة الحالية. وقال: “يجب ألا يكون هناك استخدام لغزة كمنصة للإرهاب. لا إعادة احتلال لغزة بعد انتهاء الصراع.

لا توجد محاولة لحصار أو حصار غزة. لا يوجد تقليص في أراضي غزة. لا تهجير قسري للفلسطينيين من غزة، لا الآن، ولا بعد الحرب”.

والحقيقة هي أنه لا عودة إلى ما قبل 7 أكتوبر؛ فالأميركيون يدركون أن غزة هي قنبلة موقوتة، وأن مواصلة حصار القطاع سيؤدي حتماً إلى اشتداد المقاومة.

وأوضح بلينكن أن الحل الوحيد على المدى الطويل لإخضاع المقاومة في غزة هو البدء بالعملية العملية لحل الدولتين. ومع وجود قيادة صديقة للغرب في ذهنه، قال: “في أقرب وقت ممكن، فإن التحرك نحو قيادة فلسطينية محبة للسلام هو النتيجة المرغوبة”. وهذه انتكاسة كاملة لحقبة اتفاقات إبراهيم قبل بضع سنوات، حيث توسط ترامب في “صفقة القرن”، التي سعت إلى حل القضية الفلسطينية من خلال رشوة الحكومات العربية.

ويتناقض هذا الموقف مع كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يستطيع التراجع نفسياً عن عهد اتفاقيات إبراهيم. لقد ناقش المسؤولون الأمنيون والسياسيون في النظام بشكل كامل إعادة احتلال غزة وفرض سيطرة أمنية كاملة. وتتمثل رؤيتهم في التخلص التام من غزة، سواء كان ذلك ينطوي على تهجير السكان إلى سيناء أو تحويلهم إلى لاجئين عالميين. ويمنع سكان غزة الذين فروا إلى الجنوب من العودة إلى منازلهم في الشمال، حيث يرغب كيان الاحتلال في جمعهم في مكان واحد للتوصل إلى “الحل النهائي”. لكن ذلك يرتكز على الوهم بإمكانية تدمير المقاومة الغزية واستنزافها عسكرياً.

إن كيان الاحتلال مستعد للتضحية بجنوده لأنه يعتبرها حرب بقاء، حيث يستحيل التعايش مع المقاومة الغزية التي يسعى لاقتلاعها. لكن، نظراً للكثافة السكانية في غزة، وعملية تهجيرهم، والغضب الدولي من كيان الاحتلال، وصمود سكان غزة والمقاومة، فإن كل هذه الحلول مبنية على الأوهام. كما أن القضاء على المقاومة الغزية غير ممكن، لأن المعادلة التي تحكم وحدة الجبهات لن تسمح بسقوط المقاومة في غزة.

ولو كان لدى كيان الاحتلال الإسرائيلي القوة لرفض كل الحلول الأخرى، سواء كان حل الدولتين أو حتى تعزيز السلطة الفلسطينية لوجودها في غزة. العقلية الاستعمارية توسعية في جوهرها، ولا يُنتظر منها أي شيء آخر، فهي تتلذذ بتجويع وإذلال الفلسطينيين الذين أصبحوا مجرد “حيوانات بشرية”.

لكن الهدف الأميركي يختلف عن هدف كيان الاحتلال الإسرائيلي. فهي تهدف إلى إضعاف المقاومة الغزية كشرط أساسي لطرح الحلول السياسية، لأنها تعتبر المقاومة عائقاً أمام حل القضية الفلسطينية. ولهذا السبب تخوض أمريكا هذه الحرب نيابة عن كيان الاحتلال، من خلال قواتها البرية البالغ عددها 5000 جندي وقوة دلتا في مهام الإنقاذ الخاصة، بالإضافة إلى تأخير أي وقف لإطلاق النار.

لكن منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر لم يتمكن كيان الاحتلال الإسرائيلي من تحقيق أي هدف عسكري على الأرض. في الواقع، من خلال القتل العشوائي للنساء والأطفال الفلسطينيين، جلبوا العار للمؤسسة الأمريكية بسبب الوعي العالمي والتعبئة الجماهيرية لإنهاء هذه الحرب، بالإضافة إلى النتائج العكسية التي ستكشف عن نفسها خلال وقت الانتخابات. ولهذا السبب، دأبت إدارة بايدن على تزويد الكيان الإسرائيلي بمواقع المجموعات الإنسانية لمنع توجيه ضربات إلى منشآتها، لأنها غير قادرة على حفظ ماء وجهها. لكن كيان الاحتلال الإسرائيلي يحفظ ماء وجه سكانه الاستيطانيين تحديداً من خلال زيادة سفك الدماء!

ضعف كيان الاحتلال لا يخدم الأهداف الإستراتيجية للغرب. وجاء الانسحاب الأميركي من المنطقة في إطار اتفاق تطبيع ناجح بين كيان الاحتلال والدول العربية، يتيح لهذه الأخيرة العمل تحت حماية كيان الاحتلال ويخلق استقراراً للمصالح الأميركية في المنطقة. لكن الدليل على ضعف الكيان هو عودة أمريكا بشكل أقوى إلى المنطقة وتعزيز حضورها المباشر، باعتبار أن كيان الاحتلال الإسرائيلي ليس كافيا لحماية المصالح الغربية. ولهذا السبب تم تسجيل هبوط تسع طائرات شحن عسكرية من دول مختلفة في مطار بيروت وعلى متنها معدات عسكرية وأسلحة فيما يستعد الغرب للسيناريومن اندلاع حرب شاملة.

هناك الآن احتمالان للمضي قدماً: إذا تم إضعاف المقاومة في غزة عسكرياً، فإن المواجهة ستتسع لتشمل دولاً أخرى ضمن محور المقاومة. لكن إذا استمرت أميركا في إعطاء الضوء الأخضر للحرب ولم يتم إضعاف المقاومة في غزة، فإن ذلك سيزيد من إضعاف الموقف الغربي في المنطقة. علاوة على ذلك، فإن أمريكا ليست راغبة في إنهاء الحرب في هذه اللحظة، لأنها سترمز إلى انتصار قوي للمقاومة في غزة التي هي الآن في وضع قوي، حيث لم يتم عكس تحول السلطة في 7 أكتوبر من خلال أي انتصار عسكري. من قبل الكيان الإسرائيلي. ولذلك، فمن المرجح أن يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ عندما ييأس الأمريكيون من تحقيق أي شيء، ولن يجدوا خياراً سوى القبول بالتعايش والتأقلم مع محور المقاومة.

ومن المرجح أن يتجه الوضع بشكل عام نحو التهدئة، والخطوة الأولى منها هي الهدنة الحالية لمدة أربعة أيام، وبعدها من المرجح أن تستمر الحرب بنفس الطريقة التي يرغب كيان الاحتلال في حفظ ماء الوجه فيها. ومع ذلك، ستقل حدتها تدريجيًا، وبعد ذلك من المحتمل أن يكون هناك المزيد من المفاوضات وهدنة أكبر. ومن المرجح أن تمتد هذه الفترة الانتقالية عدة أشهر يبقى فيها الوضع غير مستقر، على غرار التجربة الحالية في جنوب لبنان. ومن المرجح أيضاً أن يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ دون أن يؤدي إلى إضعاف المقاومة في غزة، وذلك بسبب فشل كيان الاحتلال.

والحقيقة أن أمريكا هي التي تقود هذه الحرب نيابة عن كيان الاحتلال الذي لا يستطيع البقاء دون دعم أمريكي، وبالتالي فإن الخطة الأمريكية ستمضي قدماً. ومع ذلك، هذا لا يعني أنها ستكون ناجحة. وتسعى الخطة إلى إيجاد بديل للمقاومة في غزة من خلال المفاوضات، التي يرجح أن تكون بوساطة تركيا وقطر، بين السلطة الفلسطينية والمقاومة في غزة، بالإضافة إلى بين السلطة الفلسطينية والدول العربية. وقد يسعون إلى إجراء انتخابات في غزة بوجه أكثر ودا لعباس الذي يمثل السلطة حاليا، بحيث تبقى المقاومة في غزة بلا سلطة وبترتيب مماثل لقوى المقاومة في الضفة الغربية.

الهدف هو جعل المقاومة في غزة تبدو وكأنها “عبادة الموت” التي تشكل عقبة أمام “السلام” المقترح من خلال حل “الدولتين” والذي يجلب الموت على سكانها. وهذه محاولة للتلاعب بالرأي العام في هذا الاتجاه. لكن حتى لو أضعف هذا الضغط مقاومة غزة فنياً، فإنه لن يقلل من روح المقاومة. إن محور المقاومة على الأرض قوي ومستعد لتقديم كل الدعم اللوجستي لأي فئة فلسطينية تسعى للنضال من أجل التحرير الكامل لأراضيها.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى