هل تشير الزيادة السكانية في مصر إلى فشل نظام السيسي؟ بقلم توفيق الناصري

موقع مصرنا الإخباري:

من الإرهاب إلى النمو السكاني؛ ومن ثورة يناير إلى الإخوان المسلمين؛ ومن جائحة فيروس كورونا إلى الحرب الروسية الأوكرانية، يمتلك النظام بقيادة عبد الفتاح السيسي مجموعة من الحجج لتبرير الفشل الاقتصادي الكبير في مصر منذ استيلاء الجيش على السلطة في انقلاب 3 يوليو 2013. يحرك السيسي النمو السكاني من وقت لآخر ويدعي أنه كارثة تدمر موارد البلاد وتضيع مواردها المالية. ويتجاهل فشل سياساته الاقتصادية ومشاريعه الغرورية المبهرجة التي لم يكسب منها الشعب المصري شيئا.

وللرئيس المصري نفسه أربعة أبناء. ويحذر من وقوع كارثة ما لم تنخفض معدلات الخصوبة في البلاد، حيث يبلغ عدد السكان 105.5 مليون نسمة، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الذي تديره الدولة.

وأشاد السيسي خلال المؤتمر العالمي للسكان الذي اختتم أعماله بالقاهرة الجمعة الماضي، بسياسة تنظيم الأسرة التي اعتمدتها الصين على مدى عقود، والتي حددت عدد الولادات بطفل واحد لكل أسرة. ودعا إلى “تنظيم” الولادات في مصر لإبقاء عدد الولادات أقل من 400 ألف سنويا.

الأرقام والمعاني

وتتصدر مصر المنطقة العربية من حيث عدد السكان، والثالثة أفريقيا، والرابعة عشرة على مستوى العالم. وبلغ معدل المواليد 2.85 طفل لكل امرأة العام الماضي، بواقع 2.2 مليون طفل، بحسب الإحصاءات الرسمية. يقول وزير الصحة المصري خالد عبد الغفار، إن 5683 طفلا يولدون في مصر يوميا، بمعدل 237 في الساعة، أربعة في الدقيقة، وواحد كل 15 ثانية. ويعتقد أن هذا يشكل تحديا يعيق النمو الاقتصادي ويلتهم عائدات التنمية.

لكن وفقا للإحصائيات، هناك تراجع في النمو السكاني في مصر منذ عام 2012 وحتى العام الماضي. وانخفضت الزيادة السكانية الطبيعية – أي الفرق بين عدد المواليد وعدد الوفيات – من 1.822 مليون في عام 2018 إلى 1.583 مليون فرد في العام الماضي، وفقًا لبيانات جهاز الإحصاء الرسمي.

ويحمل خبراء ومراقبون الحكومة المصرية مسؤولية الفشل في إدارة البلاد الغنية بالموارد الطبيعية. تمتلك أحد أهم الممرات المائية في العالم وهو قناة السويس؛ لديها حقول غاز طبيعي قيمة؛ وتعد وجهة سياحية رئيسية بما تزخر به من آثار ومتاحف. هذا بالإضافة إلى نهر النيل والسواحل على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وديمغرافية قوية أغلبها من الشباب.

وفي مقابلته أصر الخبير الاقتصادي م.أ، على أن الضغط على موارد البلاد يعود بالأساس إلى غياب التخطيط وإهمال دراسات الجدوى والعشوائية في اتخاذ القرار. وانتقد التجاهل لأهمية الثروة البشرية باعتبارها أحد أهم مكونات القوة الاقتصادية لأي دولة. وفي هذا الصدد يمكن أن نستشهد بنموذج اليابان التي تفتقر إلى الموارد الطبيعية وتعتمد في نهضتها على ثرواتها البشرية. وفي العالم العربي لدينا نموذج الأردن الذي استفاد من ثرواته البشرية مما جعله العامل الأساسي في الاقتصاد داخليا وخارجيا.

مبررات حكومية

فالنظام المصري، مدعوماً بآلة إعلامية مزيتة، يلجأ عادة إلى «أسباب» ليست سوى أعذار لتبرير تأخر ثمار التنمية، بما في ذلك الأزمة في ليبيا، والحرب في السودان، والوضع في سيناء. بل وذهب إلى حد اتهام ثورة يناير 2011، ومن تصفهم بـ”قوى الشر” والأطراف الخارجية، بالعمل على إجهاض عملية النهضة في البلاد.

وقبل سنوات اتهمت وزارة الداخلية في القاهرة جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف وراء أزمة نقص الدولار، وأغلقت عدد من شركات الصرافة بحجة علاقتها بالجماعة المحظورة رسميا في مصر. ويصف النظام الحركة بأنها منظمة “إرهابية”، كما اتُهمت بالوقوف وراء فوضى تسريب امتحانات الثانوية العامة وعدد من شهادات التعليم الأساسي. والأغرب من ذلك أن الوزارة اتهمت نفس الحركة في نوفمبر 2015 بسد المصارف ومواسير الصرف الصحي بالأسمنت لمنع تصريف مياه الأمطار، وبالتالي تسببت في فيضانات محافظة الإسكندرية شمالا.
واتهمت السلطات المصرية معارضين بتخزين السكر لخلق أزمة في الأسواق. واتهم النائب العام السابق نبيل صادق وقتها مطلوبين “بإنشاء خلية تابعة لتنظيم الإخوان، مهمتها جمع السكر وغيره من السلع الاستراتيجية من الأسواق، بهدف إثارة الرأي العام”.

بالنسبة لمعظم الأشخاص العاديين، تعتبر الشماعة أداة بلاستيكية أو خشبية للحفاظ على الملابس في حالة منظمة داخل خزانة الملابس. أما في مصر فهي أداة سياسية يستخدمها شخص أو شيء آخر لحمل فشل المسؤولين والرؤساء والأنظمة المتعاقبة.

قوارب الإنقاذ

إن دعوة السيسي للخروج من مأزق الاكتظاظ السكاني من خلال تسهيل “الهجرة القانونية” من البلدان ذات الكثافة السكانية العالية – مثل مصر، إلى البلدان ذات الكثافة السكانية المنخفضة – في أوروبا، على سبيل المثال – مثيرة للاهتمام. وأضاف أن الهجرة القانونية هي الحل لمواجهة نقص العمالة في أي دولة، وسيتم التنسيق بينها بين الحكومات، وتوفير العمالة لفترات محددة مسبقا.

وأعلنت وزيرة الدولة للهجرة سها جندي، عن خطط لتنفيذ مقترح السيسي، من خلال المبادرة الرئاسية “مراكب الإنقاذ”، في إطار برنامج يهدف إلى تدريب المصريين وتأهيلهم للعمل في السوق الأوروبية والغربية.

وقُتل مئات المصريين والسوريين والباكستانيين في يونيو/حزيران الماضي في واحدة من أسوأ حوادث الغرق قبالة الساحل اليوناني. وغرق قارب صيد كان متوجها إلى إيطاليا وعلى متنه أكثر من 700 شخص.

تصدر المصريون قائمة المهاجرين غير الشرعيين المتجهين إلى أوروبا خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022، عندما حاول أكثر من 3500 مصري عبور البحر الأبيض المتوسط. ويمثل هذا أربعة أضعاف عدد المصريين الذين فعلوا الشيء نفسه في نفس الفترة من عام 2021، وفقًا لموقع EUobserver.

وأشار الباحث السياسي المصري أ.ح. إلى أن النمو السكاني ليس هو سبب معاناة مصر؛ ويعود الأمر إلى الأزمة الاقتصادية الحالية الناجمة في المقام الأول عن سياسات السيسي. فقد خصص الرئيس الأموال والمساعدات والقروض لمشاريع البناء الباطلة وبناء عاصمة جديدة، بدلاً من الزراعة والصناعة وتنويع الاقتصاد، مما دفعه في النهاية إلى بيع أصول لمستثمرين خليجيين لتوفير الدولارات وخدمة الديون الخارجية. ثم حذّر من موجات هجرة غير شرعية، في محاولة فاضحة للابتزاز للحصول على مساعدات وقروض، ثم تسليع الناس والدعوة إلى تصديرهم إلى الخارج عبر “قوارب الإنقاذ”.

وأضاف: “لقد ألقت سياسات السيسي بملايين المواطنين في مستنقع الفقر، وتزايدت أعداد الشباب والمراهقين وحتى الأطفال الذين يغادرون على متن قوارب الموت”.

حلول أخرى

ويقول الخبراء إن التهرب من المشاكل الاقتصادية من خلال اقتراح تنظيم الهجرة إلى أوروبا وابتزاز الغرب ماليا مقابل إيقاف قوارب الهجرة غير الشرعية لن يجدي نفعا. ولا بد من البحث عن حلول أخرى، مثل تعزيز الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتشغيل المصانع المغلقة، وزيادة مشاركة القطاع الخاص، وإنهاء احتكار الدولة والجيش لشؤون الأعمال، وإزالة العقبات أمام الاستثمار والضرائب المرتفعة، والسيطرة على الواردات، وضبط الإنفاق الحكومي.

وقال الباحث السياسي أبو أنس المصري لميدل إيست مونيتور إن الكثافة السكانية هي أحد مكونات الاقتصاد الناجح، مثل الموارد المادية. كلما زاد عدد السكان، زادت الخبرة وتنوع التجارب؛ فإذا تم استثمارها بشكل جيد، فإنها تزيد من وتيرة التوسع والنمو الأفقي.

وفي كثير من الدول تم استغلال هذه الزيادة في المنافسة على قائمة الاقتصادات الكبرى، كما هو الحال في الهند والصين وإندونيسيا واليابان وغيرها؛ وأوضح المصري: “حتى الدول التي يتقلص عدد سكانها فتحت الباب أمام الهجرة للاستفادة من العمالة الأجنبية من أجل الحفاظ على مكانتها الاقتصادية العالمية”. “خذ ألمانيا على سبيل المثال. لقد فتحت الباب واسعا للهجرة في السنوات الأخيرة لتبقى ضمن أغنى خمس دول”.

وأضاف أن الدول المتخلفة لا تقدر هذه الميزة الاقتصادية. “بل إن بعضهم يعتبره عبئاً على أنظمته الفاسدة، فيبدأ بوضع خطط واستراتيجيات لإبطاء الزيادة السكانية. إنهم يفعلون ذلك لاستخدامها كشماعة يعلقون عليها فشلهم.

مصر تتبنى مبادرة رئاسية تستهدف النساء بين 18 و40 عاما. والهدف هو تقليل عدد الولادات من خلال منح شهادات ادخار بقيمة 60 ألف جنيه مصري (حوالي 195 دولارًا) بشرط الالتزام بطفلين كحد أقصى. كما أن هناك دعوات لمنح مزايا إضافية للعائلات التي لا يزيد عدد أطفالها عن طفلين، وفرض ضريبة على من لديه ثلاثة أو أربعة.

هل سيعمل هذا؟ فقط إذا قبل النظام بزيادة عدد السكان ويشير هذا في الواقع إلى فشلها في إدارة البلاد والاقتصاد بشكل فعال، لصالح جميع المواطنين، وليس فقط قلة محظوظة.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى