دشنت مجموعة من الأحزاب المصرية التي تصنف نفسها على أنَّها أحزاب معارضة، اليوم الثلاثاء، “جبهة شعبية” للحفاظ على مياه نهر النيل، وتجريم بيعها أو تحويلها إلى سلعة عقب الانتهاء من بناء سد النهضة الإثيوبي، مشددة على رفضها المطلق لتوصيل المياه خارج حدود دول حوض النيل، وعلى وجه التحديد إلى إسرائیل.
وطالبت أحزاب “التحالف الشعبي الاشتراكي”، و”المحافظين”، و”الكرامة”، و”العربي الناصري”، و”الاشتراكي المصري”، و”الشيوعي المصري”، و”العيش والحرية”، النظام المصري الحاكم بالضغط على إثيوبيا للتوقيع على كافة تعهدات الالتزام بالقانون الدولي، والاتفاقيات التاريخية الخاصة بنهر النيل، وعدم إقامة أي مشروعات مستقبلية على النهر إلا بعد موافقة دولتي المصب مصر والسودان، فضلاً عن وقف أي تعلية أو زيادة -الآن ومستقبلاً – في سعة السد عن 14 مليار متر مكعب
.
كما دعت في بيان مشترك إلى توقيع اتفاق مُلزم بين مصر والسودان وإثيوبيا على شروط ملء السد، والإدارة المشتركة له، والوقف الفوري لأي إجراءات ملء أحادية تقوم بها أديس أبابا، خصوصاً أن أي اتفاقات بعد الملء الثاني للسد بسعته المخططة حالياً، وهي 74 مليار متر مكعب، ستكون عديمة الجدوى، لأنه سيصبح محصناً ضد أي مساس، ما يخل بالتوازن الاستراتيجي التاريخي بين دول المنبع والمصب، ويُهدر حقوق مصر في مياه النيل، وإرادتها، وسيادتها.
وطالبت الأحزاب الحكومة المصرية برفض أي اتفاقيات مؤقتة، والعمل على الوصول لاتفاق دولي مُلزم يتضمن كافة الأمور الفنية المتعلقة بسلامة سد النهضة، بعد الاطلاع على التصميمات، وعملية التنفيذ، والنص القاطع على تجريم بيع المياه، وتحويلها إلى سلعة كما تخطط إثيوبيا، والالتزام التام من قبل الدول الثلاث بعدم توصيل مياه النيل في أي وقت، وبأي كمية خارج حدود دول الحوض، لا سيما لإسرائيل.
ودعت الأحزاب في البيان كل القوى الوطنية، والأحزاب، والنقابات، والشخصيات العامة، إلى التعاون والعمل معاً في “الجبهة الشعبية للحفاظ على نهر النيل”، ليشكلوا صفاً واحداً يحمي وجود مصر، وحاضرها، ومستقبلها، وسيادتها، وحقها في الحياة.
وقال البيان: “إننا جميعاً، ومعنا كل مكونات الشعب المصري، نُدرك ما يواجه الوطن من خطر وجودي، ونحتشد وندعم الجهود والخطوات والإجراءات التي تُتخذ للحفاظ على حقوقنا المشروعة. ومن هذا المنطلق، ندعو إلى توحيد كل الجهود الحكومية والشعبية للدفاع عن حقوقنا في الحياة، والمياه، دفاعاً عن مستقبل الأجيال القادمة”.
وأضاف البيان: “نحن نتفق على أن نهر النيل خط أحمر، ولذلك يجب التكاتف لمنع الاعتداء على حقوقنا المائية، ودرء الخطر الذي يستهدف وجودنا. فمصر تواجه خلال السنوات الأخيرة أصعب أزمة في تاريخها، وتتمثل في قضية مصيرية تتعلق بالحفاظ على حقوقها التاريخية في مياه النيل، ومحاولة إثيوبيا، ومن ورائها قوى دولية أبرزها العدو الصهيوني، تهديد وجود وسيادة مصر عبر السيطرة على شريان الحياة للمصريين، والتحكم في ما يصل إلينا من مياه سواء خلال سنوات ملء السد، أو ما بعدها، في وقت تعيش فيه مصر بالفعل تحت خطر الفقر المائي بكثير
“.
وتابع: “تيقن المصريون من تصريحات المسؤولين الإثيوبيين التي تؤكد نيتهم تحويل مياه النيل إلى سلعة تسيطر عليها، ويجوز لها أن تبيعها أو لا تبيعها لنا، وبالتالي فهي تعمل على رهن مياه النيل الأزرق (تشكل 85% من المياه الواردة لمصر) بيد دولة واحدة. تمنعها وتمنحها وقتما شاءت على نحو متناسب أو غير متناسب مع حاجاتنا، وطاقة وقدرة سدودنا وقناطرنا، بما يتيح لأديس أبابا التحكم في النهر من المنبع، وإقامة مشروعات عليه من دون موافقة دولتي المصب”وواصل البيان: “لا تعاني إثيوبيا من أي فقر مائي، بل تُهدر عشرات المليارات من الأمتار المكعبة من المياه من دون استخدام، وترفض في الوقت نفسه بدائل التنمية المشتركة لصالح جميع شعوب دول حوض نهر النيل
“.
واستكمل: “إصرار إثيوبيا على زيادة سعة سد النهضة، الذي أقيم ضد قواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية الجماعية والثنائية الخاصة بنهر النيل، على 14 مليار متر مكعب، وهي السعة الكافية لإنتاج الكهرباء التي تدعي أديس أبابا حاجتها إليها، لهو برهان أكيد على قصد الإضرار بحقوق مصر التاريخية، ومصالحها المائية، إلى الحد الذي يهدد وجودها”.
وقالت الأحزاب إن “مصر واحدة من أكثر الدول جفافاً في العالم، ويؤمن نهر النيل نحو 98% من احتياجاتها المائية. ويرى المصريون بعين اليقين أن استكمال بناء هذا السد، وزيادة سعته إلى 74 مليار متر مكعب، يشكل خطراً داهماً على الوجود الحضاري والبشري لمصر ذاتها، كما يمتد لجعل المياه أداة تهديد وضغط استراتيجية على الاستقلال الوطني للدولة المصرية، بما يؤدي إلى انتقاص السيادة الوطنية، وارتهان القرار الوطني المصري”.
وحسب البيان، فقد استهدف تكوين “الجبهة الشعبية للحفاظ على نهر النيل” تشارك الدولة المصرية (شعباً وحكومة) في الدفاع عن حقها من المياه، وذلك “باعتبار أن هذه الأزمة تستلزم التوافق الوطني العام لصد هذا الخطر. إيماناً بأن الحقوق تنتزع، وأن الجماهير طرف أصيل في الأزمة، وفاعل رئيسي في جهود مناصرة الحق الوطني، ويجب أن تكون على دراية بكل ما يجري، وليست مجرد متفرج أمام قضية تخص مصيرها”.
وأضاف البيان أن تدشين الجبهة يأتي “تأكيداً على دور القوى الشعبية والوطنية، وتنظيم وتنسيق جهودها، واتخاذ المواقف والتحركات الواجبة إزاء هذه القضية، والتمسك بحق مصر في استخدام كافة السبل القانونية والدبلوماسية، وصولًا إلى أي إجراءات قادرة على وقف استمرار إثيوبيا في تعنتها، وعدوانها على حق مصر في مياه النيل، بما في ذلك الاستخدام المشروع للقوة المسلحة، في إطار الدفاع الشرعي عن النفس”.