في أميركا، الأولى مباحة ضمناً، والثانية من المحرمات. فالثقافة السائدة لا تسمح حتى بالمقارنة بينهما. هيمنتها منعت حتى ذكر نکبة 1948 في الخطاب العام إلاّ نادراً وبصورة عرضية، هذا التاريخ وتبعاته كان مطلوباً وما زال إخراجه من التداول.
ولتحصين الساحة ضد الحديث عن الفلسطينيين وحقوقهم، عملت مفاتيح إسرائيل في أميركا منذ السامیة معاداة سبعينيات القرن الماضي، على مساواة انتقاد الصهيونية والدولة العبرية بـ. وفي الآونة الأخيرة، ذهب بعض هذه الجهات إلى حدود المساواة بين معاداة الصهيونية وبين كراهية اليهود. وتوسلوا الربط بين الاثنين كوسيلة لردع أي اعتراضات على سياسات إسرائيل، ومن جهة ثانية لإخراس الأصوات الأميركية المتعاطفة، على قلّتها، مع القضية الفلسطينية. وقد نجح هذا البعبع إلى حدّ بعيد في تحقيق مقاصده. فالأجواء الأميركية المواتية ساعدته في الترويج لمعادلته. لكن وجهة الرياح بدأت تتغير في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، حيث ازداد التمرد على هذا التخويف ووصل إلى حد المجاهرة بضرورة التعامل مع “معاداة الفلسطينيين” كغيرها من التعبيرات العنصرية مثل “معاداة السامية”.
بدأ هذا التحوّل يتبلور في السنوات الأخيرة، مع انتقال عدوى مقاطعة البضائع الإسرائيلية المصنّعة في المستوطنات من أوروبا إلى الولايات المتحدة. فقد لاقى هذا التوجّه أرضية خصبة في الجامعات وبعض القطاعات والأوساط التي تعبت من التجاوزات الإسرائيلية وغطرسة نتنياهو. خصوصاً في صفوف الجيل الجديد من الديمقراطيين والليبراليين اليهود. وقد توسعت الدعوة إلى حد حمل سلطات عدة ولايات على سن قوانين مضادة للمقاطعة، لوقف انتشارها. غير أن الموجة المناوئة للسياسات الإسرائيلية استمرت بأشكال وصيغ مختلفة.
في مقالته الأخيرة، يقول الكاتب اليهودي الليبرالي بيتر باينرت: “لقد آن الأوان لوضع معاداة الفلسطينيين في خانة التعصب الأعمى”. وأضاف أنه بات “من المهم أن يدخل هذا الفهم في الحديث الأميركي، ليتضح للأميركيين مدى المعاداة التي تعرّض لها الشعب الفلسطيني”.
ربما ما زال من المبكر أن تصبح “معاداة الفلسطينيين” واحدة من اهتمامات الأميركيين؛ لكن الوقائع، وإن كانت رمزية أحياناً، تفيد بأن الأمر يسير ولو ببطء في هذا الاتجاه .