انطلقت اليوم الإثنين، الاستشارات النيابية غير الملزمة التي يجريها رئيس الوزراء اللبناني المُكلَّف نجيب ميقاتي لتأليف الحكومة، بهدف استمزاج آراء النواب، وسط تأكيدات أوساطه أنّ النية جدّية للتشكيل سريعاً، أو أقلّه تقديم صيغة حكومية في القريب العاجل إلى رئيس الجمهورية ميشال عون.
وأكّد مصدرٌ مقرَّبٌ من ميقاتي، لـ”العربي الجديد”، أن الرئيس المُكلَّف سيقوم بواجبه كاملاً، ويعمل على تقديم صيغة حكومية للرئيس عون من دون تأخير، فهو لا يريد أن يُتهمَّ بالتعطيل أو المماطلة، وسيحرص على التشاور مع رئيس الجمهورية وفق ما ينصّ عليه الدستور ويكثف لقاءاته معه، مشيراً إلى أن ميقاتي سيتشاور اليوم وغداً مع الكتل والنواب، سواء الذين صوّتوا له أو لم يسموه، ويستمع إلى آرائهم لبناء تصوّر واضح لديه، فهو حريصٌ على أهمية تعاون الجميع لتمرير هذه المرحلة الدقيقة خصوصاً اقتصادياً.
ولفت المصدر إلى أن الصيغة الحكومية قد تضمّ أسماء موجودة اليوم في حكومة تصريف أعمال أدت دورها بشكل جيد وتعاملت مع ملفاتها بإتقان، ومن المهمّ أن تكون هي من تستكملها لاطلاعها عليها، خصوصاً أن ولاية هذه الحكومة ليست طويلة فيما لو أُجريت انتخابات رئاسة الجمهورية مع انتهاء عهد عون أواخر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، كما من الطبيعي أن تشهدَ تغييرات، سواء لأشخاص هم عبّروا عن عدم رغبتهم بالعودة أو لوجود عدم رضى حول طريقة إدارتهم.
وشدد المصدر على أن ميقاتي، بغض النظر عن سرعة التشكيل أو أي عراقيل قد تؤدي إلى التأخير؛ فإنّه ماضٍ في متابعة الملفات، وعلى رأسها الاقتصادية والمرتبطة بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
وتتجه الأنظار، على صعيد تغيير بعض الأسماء الوزارية الحالية، إلى الوزراء المحسوبين على تكتل “لبنان القوي” بقيادة النائب جبران باسيل (صهر عون)، على رأسهم وزير الطاقة وليد فياض، الذي كان لافتاً الخلاف الكبير الذي ظهر بينه وميقاتي قبل استقالة الحكومة ودخولها مرحلة تصريف الأعمال، وهي وزارة يتمسك بها باسيل بغض النظر عن الاسم الذي يتولّاها.
واستهلّ ميقاتي لقاءاته في مجلس النواب ظهراً مع رئيس البرلمان نبيه بري، ومن ثم نائبه إلياس بو صعب (ينتمي إلى تكتل لبنان القوي)، والكتل النيابية الممثلة للأحزاب السياسية، وفق جدول المواعيد المحدّد لها، ومع النواب المستقلين والتغييريين، باستثناء تكتل “لبنان القوي”، الذي حُدِّد موعده غداً الثلاثاء، مع كتلة “النواب الأرمن” وبعض النواب المستقلين، في الاستشارات التي تستمرّ يومَيْن.
وفي سياق الاستشارات، لفت مصدرٌ قياديٌّ في “لبنان القوي” لـ”العربي الجديد” إلى أن “موقف التكتل واضح من ممارسات ميقاتي، وهو لم يسمّه على هذا الأساس، لكن هذا لا يعني أن التكتل لن يكون لديه رأي بالحكومة التي يفضلها سياسية، نظراً لدقة المرحلة والاستحقاقات الداهمة في الأشهر الأربعة القادمة، ويصرّ على طلبات باتت معروفة خصوصاً على صعيد التدقيق الجنائي، مع إصراره على ضرورة اتخاذ موقف رسمي طال جداً من حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الملاحق قضائياً”.
ويُتَّهم باسيل من قبل خصومه ومعارضيه، وحتى من الذين يدور ضمن فلكهم سياسياً، بعرقلة تشكيل الحكومات التي لا يرضى عنها، ويشترط وجود تياره فيها بحصصٍ وازنة، على رأسها وزارات الطاقة والعدل والخارجية، مستغلاً أن ولادة أي حكومة تقتضي توقيع رئيس الجمهورية، وهو ما يحرص رئيس “لبنان القوي” دائماً على نفيه.
وتؤكد أحزاب سياسية أنها لن تشارك في الحكومة الحالية تبعاً لمواقفها المعلنة، أبرزها حزب “القوات اللبنانية” برئاسة سمير جعجع، والحزب “التقدمي الاشتراكي” برئاسة وليد جنبلاط، وحزب “الكتائب اللبنانية” برئاسة النائب سامي الجميل، في حين يفضل ميقاتي، الذي عاد إلى رئاسة الحكومة بفضل أصوات “حزب الله” و”حركة أمل” بالدرجة الأولى، ألا تكون حكومته من لونٍ واحدٍ.
في السياق، لفت المحلل السياسي والأستاذ الجامعي عارف العبد، لـ”العربي الجديد”، إلى أن ميقاتي لمّح إلى أن الصيغة الحكومية ستكون قد حضّرت آخر الأسبوع، مشيراً إلى أن هناك خيارين واردين؛ أن تكون صيغة جديدة بالكامل، أو مُطعَّمة بين وزراء جُدد وحاليين أي من الموجودين في حكومة تصريف الأعمال، لكن الأرجح أن يذهب باتجاه الخيار الثاني.
ويرى الصحافي عارف العبد أن عملية التأليف قد تطول، لأن رئيس الجمهورية قد لا يوافق على الصيغ المقدّمة، ومن الواضح أنه ليس وحده في هذه العملية، فهناك العديد من الآراء حوله، خصوصاً باسيل متعدّد المطالب والرغبات رغم نفيه ذلك، إذ تبيّن أن لديه طلبات في ملفات ومواضيع كثيرة، منها الكهرباء والتعيينات التي كانت طرحت أكثر من مرة على طاولة مجلس الوزراء وجمّدها رئيس الحكومة، وبالتالي، فإن التوقعات، على ضوء التجربة، هي أن تشكيل الحكومة، أو حتى إدخال تعديلات عليها، لن يكون بالأمر السهل، وأن الرئيس عون قد لا يوافق بسبب شروط باسيل.
وتوقف العبد عند تصريحات ميقاتي بعد تكليفه، خصوصاً لناحية إشارته إلى أنه في حال صرّف الأعمال؛ فإن ذلك لن يكون على نطاقٍ ضيّق بل واسع، بمعنى أنه يوجه رسالة واضحة في حال لم يسمحوا له بتشكيل حكومة جديدة، فهو لن يبقى مكتوف الأيدي، وسيصرف بالمعنى الواسع، وإذا اضطر سيجمع مجلس الوزراء ويتخذ القرارات حسب حاجة البلاد، وهناك آراء دستورية تعتبر هذا التصرف جائزاً.
تبعاً لذلك، يرى العبد أن في القول بالقيام بصلاحيات موسعة قطبة مخفية، بمعنى أنه في حال عرقلة البلد، ستستلم حكومة ميقاتي بشكلٍ كاملٍ، مع العلم أن الحكومة التي تكون موجودة مع نهاية ولاية رئيس الجمهورية، سواء كانت تصريف أعمال أو جديدة، تستلم صلاحيات الرئاسة الأولى.
وبالعودة إلى استشارات اليوم، يُسجَّل انقسامٌ في صفوف النواب التغييريين الـ13، إذ قرَّر عدد منهم عدم الحضور، باعتبار أنهم لم يسمّوا ميقاتي، واعتراضاً على ممارساته.
وأعلن النائب التغييري ميشال الدويهي، في تغريدة على حسابه عبر “تويتر”، أنه لن يشارك في الاستشارات مع الرئيس المكلف، ليس لأنها غير ملزمة دستورياً؛ بل “لأنني لم أسمّه وليس لدي ما أقوله لرجل متورط كما غيره من هذه الطبقة بتدمير لبنان من جهة، واقتناعي من جهة ثانية أنه لا يستطيع سوى تشكيل حكومة محاصصة (إذا شكَّل) ستزيد من الانهيار وتترك اللبنانيين لمصيرهم المجهول”.
لن اشارك غدا بالاستشارات مع الرئيس المكلف،ليس لانها غير ملزمة دستوريا،بل لانني لم اسميه وليس لدي ما اقوله لرجل متورط كما غيره من هذه الطبقة بتدمير #لبنان من جهة،واقتناعي من جهة ثانية انه لا يستطيع سوى تشكيل #حكومة محاصصة(اذا شكل)ستزيد من الانهيار وتترك اللبنانيين لمصيرهم المجهول.
— Michel C Douaihy د.ميشال دويهي (@MDOUAIHY) June 26, 2022
في المقابل، أكدت النائبة في صفوف التغييريين حليمة القعقور، لـ”العربي الجديد”، أنها تشارك اليوم بالاستشارات، وتؤكد الموقف المعروف الذي يمثّل طلبات انتفاضة 17 تشرين، والتي ترتكز على رفض المحاصصة، والتشديد على وزراء مستقلين في حكومة مصغَّرة، تضع ضمن أولوياتها شبكة الأمان الاجتماعية، والإصلاحات اللازمة لوقف الانهيار المالي.
وكانت القعقور تمايزت في استشارات التكليف عن عشرة نواب آخرين ضمن التكتل بعدم تسميتها السفير نواف سلام لترؤس الحكومة.
وفي وقت لاحق، تحدثت القعقور باسم “تكتل النواب التغييريين” بعد لقاء ميقاتي، قائلة: “طالبنا بحكومة مستقلين مع صلاحيات استثنائية تشريعية ومصغرة، تركز على شبكة الأمان الاجتماعي، وتحميل المسؤولية للمصارف ومجالس الإدارات التابعة لها، وإرساء العدل وتوزيع الخسائر بطريقة عادلة تحمي الناس من جميع المآسي”، مستطردة “لن نشارك بأي حكومة محاصصة أو حكومة وحدة وطنية”.
وقالت القعقور إن هناك نواباً ضمن التكتل لم يحضروا بداعي السفر، وآخرين بسبب المرض، ونائبين اعتذرا عن الحضور، لكنها أردفت أن “شيطنة وجهات النظر المختلفة عندنا في التكتل مرفوضة، نحن نحترم الاختلاف فيما بيننا وهذا يقوّينا ولا يضعفنا”.
تكتل النواب التغييريين (حسين بيضون)
وضمن المواقف التي أُعلنت بعد لقاء ميقاتي، قال نائب رئيس البرلمان إلياس بو صعب، الذي لم يسمِّ أحداً في الاستشارات الملزمة، إنه أكد ضرورة تشكيل الحكومة سريعاً، وأن تكون قادرة على متابعة الملفات المعنية بصندوق النقد الدولي، ومشاريع القوانين الإصلاحية المطلوبة أيضاً من الصندوق، كما ومواكبة عملية ترسيم الحدود البحرية، وإنتاج الغاز والنفط في لبنان، وأن تؤسس لإعادة العلاقات الطبيعية مع جميع الدول العربية، ودول مجلس التعاون الخليجي والمجتمع الدولي.
وأضاف بو صعب “بات واضحاً بعد الانتخابات النيابية أنه لا يمكن لأحد أن يطالب بحكومة من دون تمثيل سياسي، فحتى لو ضمَّت اختصاصيين، فهي ستُسمَّى من قبل السياسيين، إذ إنه بعد الانتخابات سقطت مقولة إن الموجودين لا يمثلون الشارع”.
ورداً على اتهام تكتل باسيل بعرقلة تشكيل الحكومة، قال بو صعب “لا أحد يعرقل أو يعطل، رئيس الحكومة تبعاً للصيغة أو التشكيلة التي يقدّمها إما يسهّل أو يعرقل، وأنا لمست إيجابية منه للتعاون دستورياً مع الرئيس عون، والنوايا موجودة عند الطرفَيْن لتشكيل الحكومة بأسرع وقتٍ”.
من جهته، قال النائب علي حسن خليل (صادرة بحقه مذكرة توقيف غيابية بقضية انفجار مرفأ بيروت) باسم “كتلة التنمية والتحرير” (يرأسها بري): “أكدنا ضرورة ألا ترد في خطة التعافي أي إشارة إلى المسّ بحقوق المودعين، والحفاظ عليها كاملةً، الأمر الذي يحتاج أيضاً إلى مواكبة من مجلس النواب، وهنا أكدنا استعدادنا للعمل على تسهيل إقرار كل القوانين الأخرى المرتبطة بالكابيتال كونترول، والسرية المصرفية، وغيرهما”.
وأضاف “شددنا على ضرورة حسم ملف تلزيم معامل الكهرباء وتنظيم القطاع وتأمين التوازن المالي له، إلى جانب ضرورة مواكبة المفاوضات حول الحدود البحرية، كما عبّرنا عن أنه لا يوجد مبرّر لتأخير شركة توتال الفرنسية، المسؤولة عن ائتلاف الشركات، بالمباشرة في التنقيب داخل البلوك رقم 9، وتمنينا لميقاتي التوفيق والإسراع في تشكيل الحكومة التي لم نوصّف شكلها، بل يهمّنا أن تكون فاعلة”.
ورداً على تمسك “حركة أمل” بوزارة المال، اكتفى خليل بالإجابة “الرئيس المكلف بات يعلم بتوازنات البلد والتوجهات التي يجب أن تحكم عملية التشكيل”، وقد فُسِّر كلام علي حسن خليل تأكيداً على أن وزارة المال ستبقى ضمن حصة بري.
بدوره، تحدث النائب جورج عدوان باسم تكتل القوات اللبنانية “الجمهورية القوية” مؤكداً عدم مشاركتهم بالحكومة، لكنه وعد اللبنانيين بأن النواب سيكون لهم دور رقابي شرس.
وشدد عدوان على أن المعركة مستمرة، ويجب في أول فرصة، بعد انتخاب رئيس للجمهورية، تسمية رئيس مكلف تشكيل حكومة يحمل برنامجاً نضع على أساسه يدنا بيده.
من جانبه، تمنى النائب محمد رعد باسم “كتلة الوفاء للمقاومة” الإسراع بتشكيل الحكومة لأنها المعبر الالزامي والفرصة لمعالجة الأزمات، معتبراً أن من شاء مقاطعة الاستشارات فهذا شأنه، ولكن من غير المقبول إلقاء اللوم على الآخرين، مشدداً على أن الجميع يجب أن يتحمل المسؤولية في هذه المرحلة، مؤكداً عدم معارضة وجود جميع الأطراف داخل الحكومة.
وعلى صعيد كتلة “الحزب التقدمي الاشتراكي” (يرأسه وليد جنبلاط) البرلمانية “اللقاء الديمقراطي”، فقد أكد النائب تيمور جنبلاط باسمها: إننا أبلغنا ميقاتي عدم مشاركتنا في الحكومة، ولكننا سنسعى إلى المساعدة في عملية التأليف.
المصدر: العربي الجديد