حسم رئيس حركة أمل، ورئيس البرلمان اللبناني منذ عام 1992، نبيه بري، ولاية سابعة له في هذا المنصب، بعد أن شهد معالم صراع نسبي لأول مرة في تاريخ البلاد، في ظلّ غياب الأكثرية الواضحة بعد الانتخابات النيابية الأخيرة التي أفرزت تعدداً في مراكز القوى.
وانتُخب بري بـ65 صوتاً من أصل 128، فيما سُجلت 23 ورقة بيضاء، وأُلغيت 40 أخرى، وهو الذي نال تأييد 98 نائباً في الانتخابات الماضية، مقابل امتناع 30 ومعارضة النائبة بولا يعقوبيان، فيما انتخب مجلس النواب إلياس بوصعب (مرشح التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل) نائباً لرئيس مجلس النواب اللبناني بعد حصوله على 65 صوتاً بالدورة الثانية.
ولد بري، الذي ينحدر من بلدة تبنين في الجنوب، في سيراليون في 28 يناير/ كانون الثاني 1938، ثمّ تلقى تعليمه الابتدائي في لبنان متنقلاً بين مدن الجنوب وبيروت، ثم حصل على إجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية عام 1963، قبل أن يكمل دراساته العليا في الحقوق في جامعة السوربون بباريس. خلال مسيرته الدراسية كان رئيساً للاتحاد الوطني للطلبة اللبنانيين.
اعتنق أفكاراً قومية في بدايات نشاطه السياسي، وانخرط في صفوف حزب البعث، قبل أن يتعرف إلى موسى الصدر، مؤسس “حركة المحرومين”، ويلازمه حتى اختفائه في ليبيا عام 1978. بعدها بعامين انتخب رئيساً لحركة أمل، وتحت قيادته تحالفات مع سورية في الحرب الأهلية اللبنانية، وخاضت حرب المخيمات ضد الفصائل الفلسطينية، ثم لاحقاً، في عام 1988، “حرب الأخوة” ضد حلفائهم السياسيين الحاليين “حزب الله”.
شغل بري مناصب وزارية عدة في الحكومات المتعاقبة خلال الحرب الأهلية، آخرها وزير دولة لشؤون الجنوب والإعمار في حكومة الرئيس رشيد الصلح عام 1992. وفي العام ذاته، لعب دوراً ففي التوصل لاتفاق الطائف، وأصبح بعدها رئيساً للبرلمان بعد الانتخابات التي شهدتها البلاد للمرة الأولى من 20 عاماً. في عام 2005، عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، انضمّ إلى تحالف 8 آذار، ليكرّس معسكره السياسي منذ ذلك الحين.
ويقول الباحث الاجتماعي خالد الحج، لـ”العربي الجديد”، إنه “بمرحلة اختفاء الإمام موسى الصدر دخلت الساحة الشيعية التي كانت بدأت تخرج من طور الإقطاع في حالة جمود كبيرة. في ذاك الوقت كان النظام السوري أقرب إلى لبنان، وترافقت هذه الوقائع مع اضطرار الرئيس حسين الحسيني إلى تقديم استقالته من حركة المحرومين وحينها لم يكن هناك شخصية تنافس بري، سواء على صعيد خطاباته أو علاقاته مع الناس والجمهور، إذ تمكن من أن يكون رئيس حركة أمل وأعاد إحياء أفكار الإمام الصدر إلى حدٍّ كبير فاستطاع مخاطبة الشيعة وأن يكون زعيماً لهم”.
ويضيف “عندما تسلّم مراكز حركة أمل وأفواج المقاومة اللبنانية وهي الجناح العسكري لحركة المحرومين التي أسسها الإمام الصدر، بدأ بري يتسلم مراكز في الدولة وصولاً إلى عام 1992 بتوليه رئاسة مجلس النواب، وذلك مع وصول رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة. وفي تلك الفترة كان بري الزعامة الوحيدة في لبنان من حيث الشعبية والقدرة السياسية على إدارة شؤون الطائفة، وبقيَ كذلك لمراحل ستّ حتى اليوم، من دون أن ننسى أن بري تمكن في كل الدورات من أن يحصد لوائح انتخابية كاملة حتى دخول حزب الله عام 2005 وشراكته معه”.
ويلفت إلى أنه “بغض النظر عن الممارسات السياسية، فإن بري هو أحد الآباء الروحيين للسلطة والمؤسسين لها، ووصوله إلى عالم السياسة تم خلال الحرب الأهلية (1975 – 1990) وإلى مجلس النواب بالتزامن مع انتهاء الحرب ودخول اتفاق الطائف حيز التنفيذ، وذلك في مرحلة حل المليشيات وانضمامها إلى الدولة”.
تبعاً لذلك، يستطرد الحج بالقول إنه “لا يمكن فصل المنظومة الحاكمة التي بري هو جزء منها، خصوصاً مجلس النواب، الذي استطاع في الكثير من الفترات إقفاله وفرض قوانين لصالحه أو سحبها في مراحل دقيقة كانت تمر بها البلاد، كما استطاع تمرير استحقاقات كثيرة منها انتخابات رئاسة الجمهورية، وكله على طريقة الأرانب التي يخرجها من قبعته، من هنا من الصعب جداً أن يصار إلى تمثيل الطائفة بغير بري أو أن تقبل هي بممثل آخر لها”.
المصدر: العربي الجديد