موقع مصرنا الإخباري:
كتب الصحفي خالد سنجر اليوم عن معناة المواطن المصري، التي طالت كل شيء في حياته اليومية، من مواصلات وغيرها من الأمور التي ظلت تلاحق المواطن المصري المغلوب على أمره، وكان الصحفي قد تحدث عن قانون تنظيم انتظار المركبات الذي صدر مؤخراً عن الحكومة، والذي يعتبره الصحفي يحل الكثير من المشكلات التي تواجه المواطن، وخصوصا ظاهرة افندينا، هذه الظاهرة التي اصبحت منتشرة في كل مكان بدون حسيب أو رقيب…
للوهلة الأولى، وبمجرد قراءتك للعنوان سيتبادر إلى ذهنك، أننى سأحدثك عن مشهد مغادرة الملك فاروق – أفندينا – لمصر على متن مركب “المحروسة”، وهو المشهد الذى تخلص فيه المصريون من وطأة الحكم الملكى الذى ظل جاثما على صدورهم عقودا طويلة، لكنى سأتحدث هنا عن تخلص المصريين من احتلال آخر، وزوال حكم “أفندينا” القرن 21.
بعد عودتى لمصر عقب سنوات طويلة من العمل فى الخارج، عملت في المقر الرئيسى لإحدى الصحف بمنطقة باب اللوق، وهى منطقة لمن لا يعرفها تقع في منطقة وسط القاهرة، مكتظة بالسكان، يقصدها الآلاف يوميا، سواء للعمل أو التسوق لانتشار المكاتب التجارية والشركات والمحال، ووكالات الطيران والسياحة والسفر، لذلك فإن المترددين على تلك المنطقة يعانون أشد المعاناة أثناء محاولتهم العثور على مكان “ركنة” آمنة لسياراتهم، حتى أنهم يقضون ساعات من اللف والدوران بشوارع المنطقة طمعا في الفوز بمكان خال لسياراتهم.
دخلت في دوامة البحث عن “الإبرة في كومة القش” أياما عديدة، وذات يوم تأخرت في الوصول إلى مقر عملى، لطول فترة البحث، ما عرضنى لتعنيف مديرى بسبب التأخير، وعندما تحدثت للزملاء، عن رحلة المعاناة التى أخوضها يوميا، أكدوا أنهم وقعوا في نفس الفخ، وأشاروا على بالذهاب إلى “أفندينا”، فهو الشخص الوحيد القادر على وضع حد لمعاناتى.
أستطيع أن أجزم أنى أرى تعبيرات الدهشة على وجوهكم.. ولما لا وأنا كنت أول المندهشين.. فما علاقة الأزمة التي أعانى منها بالمدعو “أفندينا”؟! السؤال الذى واجهه أصدقائى بعاصفة من الضحك وردهم واحد “هتعرف أما تروحله”، ووصفوا لى المكان الذى يمكننى الالتقاء به فيه، وهى إحدى المقاهى الشهيرة بالمنطقة.
بعد انتهاء عملى، توجهت إلى المقهى الذى وصفه لى زملائى للقاء “أفندينا”، وسألت صاحب المقهى عن الشخص الذى أنشد لقاءه، فأشار إلى شخص يتوسط عدة أشخاص، وعندما اقتربت منه وجدته شابا صغير السن بالغ النحافة يميز وجهه ندبة كبيرة من أعلى حاجبيه مرورا بعينيه وصولا إلى ذقنه، لكنى لم أعلم السر فى مناداته بـ”أفندينا”، على الرغم من الفضول الكبير الذى انتابنى لمعرفة هذا السر.
ألقيت السلام على أفندينا وصحبته، وعرفته بنفسى، ووضح عليه “اللامبالاة”، وأكمل حديثه مع أصدقائه دون أن يعيرنى أى اهتمام، ورغم شعورى بالإهانة، إلا أن حاجتى لحل أزمتى أجبرتنى على “بلع” تجاهل أفندينا وغطرسته، وعرضت عليه الأزمة واقفا، فسألنى عن مكان عملى وعندما حددته له، قال لى الركنة بـ10 جنيهات، تدفع عند “الركنة”، فوافقت على الفور.
تركته وأنا أعيش حالة من الذهول والفضول يقتلنى لمعرفة من هذا الشخص؟ وما هو مجال عمله؟ ومن أعطاه الحق في التحكم في خلق الله بهذا الشكل؟ أسئلة كثيرة تصارعت داخل رأسى، وجدت إجاباتها عند أحد أصدقائى الذى أكد لى أن أفندينا أحد المسجلين خطر بالمنطقة، فرض سيطرته على جميع الأرصفة والشوارع الواقعة بمحيط مقر عملى، يوزع رجاله بشكل مخطط ومدروس لتنظيم “ركنة” السيارات، وتحصيل المقابل من قائدى السيارات، ليدسها في نهاية اليوم في جيبه، دون سؤال أو حساب.
تركت باب اللوق، وانتقلت لعمل آخر فى منطقة أخرى، ومع انتقالى من منطقة لأخرى، أفاجأ فيها بـ”أفندينا” جديد، أو من ينوب عنه، ومع الأيام والشهور والسنوات، اعتدت الأمر واعتبرته من الأمور التى يجب أن أتعايش معها دون سؤال.
أخيرا، وبعد طول انتظار، نجحت الحكومة في القضاء على أسطورة “أفندينا”، بعد إصدارها اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم انتظار المركبات، والذى حدد عدة ضوابط لعمل “السياس”، يحمى المواطنين من الكائنات الفضائية التي تتربص بقائد السيارة، وتنقض عليه عند اعتزامه ركن سيارته، لطلب مقابل ركنة في الشارع، والويل كل الويل لمن يتجرأ على مجادلته أو سؤاله مجرد سؤال عن هويته.. الآن أقول وبكل سعادة “باى باى أفندينا”.