موقع مصرنا الإخباري:
“حقبة المشروعات القومية”.. عنوان يمكن إطلاقه للتعبير عن الخطط الطموحة التي اطلقتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، قبل مرور الشهر الأول على تنصيبها، في ٢٠ يناير الماضي، وهو ما يبدو في اختيارات العناصر المسؤولة عن القطاعات الحيوية، في إطار السعى نحو إعادة هيكلة الداخل الأمريكي ليصبح أكثر جذبا للاستثمار، في المرحلة المقبلة، لتحقيق معدلات أكبر للنمو الاقتصادي، بالإضافة تحسين حياة المواطن، عبر إيجاد فرص عمل من شأنها القضاء على البطالة.
ولعل اهتمام إدارة بايدن بدفع معدلات النمو الاقتصادي، أمرا طبيعيا، إذا ما وضعنا في الاعتبار أن نجاحات سلفه دونالد ترامب الاقتصادية، في سنوات “ما قبل كورونا”، كانت سببا رئيسيا في شعبيته الكبيرة بين الأمريكيين، والتي ترجمتها حالة الغضب الكبيرة التي شهدتها العديد من الولايات في أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات الأخيرة، التي أجريت في نوفمبر الماضي، والتي تجلت في أبهى صورها في محاولات اقتحام الكونجرس في ٦ يناير الماضي تزامنا مع جلسة التصديق على فوز بايدن.
إلا أن رؤية بايدن لتحقيق التنمية الاقتصادية، تحمل اختلافا إذا ما قورنت بسلفه، فالأخير اعتمد نهجا يقوم على قصر المزايا الامريكية، من وظائف ومساعدات، على المواطن الأمريكى دون غيره، وهو ما بدا في مواقف الإدارة السابقة التى حملت نهجا متشددا تجاه الهجرة، بينما امتدت السياسات التى تبنتها واشنطن، إلى دوائر أوسع عبر إعادة هيكلة ما يمكننا تسميته بتوزيع “الهبات” على الحلفاء في الخارج، عبر تقييد حرية التجارة، ناهيك عن التخطيط لتضييق نطاق الحماية الامنية، بالإضافة إلى الخروج من المنظمات التى تعتمد بصورة شبه كلية على التمويل الأمريكى لها.
بينما يحاول جو بايدن تحقيق سياسة اقتصادية، تعتمد في جزء منها على الإستفادة من نهج ترامب، وإن كان ذلك بصورة اقل حدة، وهو ما تترجمه مبادرة “صنع في امريكا” التى تقوم على دعم المنتج الأمريكى على حساب الواردات القادمة من الخارج، في حين يعتمد، على الجانب الاخر، على تطوير البنية التحتية باعتبارها السبيل الأهم لتحقيق تنمية أكثر استدامة.
إدارة بايدن أعلنت في أيامها الأولى عن العديد من المشروعات التى من شأنها إعادة هيكلة البنية التحتية في البلاد، من بينها مشروع القطار السريع، والذى يهدف إلى نقل المواطنين والبضائع بين الولايات بشكل اسرع، بالإضافة إلى تخفيف الضغط على شبكة الطرق البرية، بالإضافة إلى دعم صناعة السيارات التى تعتمد على الطاقة النظيفة،وتوفير محطات الشحن الخاصة بها، وإطلاق عدة محطات لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية، وغيرها من المشروعات التى من شأنها توفير بيئة استثمارية تتوافق مع معطيات العالم الجديد والتحديات المحيطة به.
رؤية بايدن، في جوهرها، تقدم حلولا للعديد من التحديات في الداخل الامريكى، على مسارين متوازيين، أولهما احتواء أزمة البطالة عبر استيعاب قدر كبير من العمالة، على المدى القصير، في المشروعات التى تدشنها الادارة، وهو ما يساهم في استقطاب جزء كبير من الكتلة الداعمة لسلفه، بينما الثانى يقوم على علاج أزمات هيكلية، تعانيها واشنطن، منذ اعتماد عصر العالم المفتوح، والذى ساهم في صعود قوى اقتصادية أصبح بمقدورها مزاحمة واشنطن على قمة النظام الدولى، على رأسها الصين والاتحاد الأوروبى.
وهنا يمكننا القول بأن جو بايدن يراهن على فكرة “المشروعات القومية” ليضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، أولها توحيد الأمريكيين بعد الانقسام السائد منذ الانتخابات الرئاسية، وثانيها حل أزمات المواطن، وعلى رأسها البطالة، بينما يبقى أهمها تحقيق التنمية المستدامة، عبر تدشين بيئة استثمارية تتوافق مع متطلبات العصر، وقادرة على الصمود أمام تحدياته، التى تتزايد حدتها يوما بعد يوم، وهو ما بدا في تواتر الأزمات التى تجلت في أبهى صورها في أعقاب تفشي فيروس كورونا، وتداعياته الكبيرة على المستوى الاقتصادى، سواء الكلى أو الفردى للمواطن