موقع مصرنا الإخباري:
” أمل مصر في الموسيقى…” بتلك الكلمات قدم العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ العبقري الراحل بليغ حمدي ، وهو يقدم الفرقة الموسيقية التى ستعزف معه أغنية «حاول تفتكرنى فى عيد الربيع عام 1973، استعار حليم الوصف الذى أطلقه الشاعر الكبير كامل الشناوى على بليغ حمدى . واشتعلت الصالة بالتصفيق الحار للأمل الجديد، الذى حقق تطورا لافتا فى الموسيقى الشرقية من بعد عمالقة التلحين فى القرن العشرين أمثال سيد درويش والسنباطى ومحمد عبدالوهاب.. واستحق الوصف واستحق أكثر منه فهو «موزارت العرب» وبيتهوفن الشرق وفرانز شوبرت العصر وغيرهم.. لكنه فى الحقيقة كان بليغ- ومازال- هو كوكتيل موسيقى خالص من كل هؤلاء.
ما سبق هو رأى كل من عاصر بليغ من أساتذة وتلاميذ فهو «شيطان الموسيقى»، الذي يستطيع أن يلحن عشر أغنيات فى ليلة واحدة، ولا يستريح حتى ينتهى من التلحين، وأحيانا ما يأتيه وحى الفن على سلالم شقته أو فى مقهى أو فى أثناء جلوسه إلى أحد أصدقائه أو خلال استعداده للذهاب إلى موعد قريب أو صديق أو حبيب، فينسى كل ذلك من أجل معشوقته ومحبوبته وملهمته الأولى والأخيرة.. الموسيقى التى خسر من أجلها كل شىء.. حياته وحبه وزواجه وماله أيضا.
بليغ حمدى الذى نحتفل هذه الأيام بذكرى وفاته الـ28، توفى فى 12 سبتمبر 1993 لم يعشق ويهوى فى حياته سوى اثنتين هما مصر والموسيقى، ويأتى بعدهما أى حب بشرى آخر.
توفى عن 62 عاما، وفى نفسه غصة، وفى قلبه ألم وجرح ما حدث له من تشويه واتهام له بجريمة قتل لم يعرف عنها شيئا، وحكم عليه غيابيا، واضطر أن يعيش فى باريس حياة المنفى والبعيد عن معشوقته ومحبوبته الأولى مصر، وعانى من آلام الغربة، ولم تغادر روحه تراب مصر الذى عشقه وخلده بألحانه، وسافر جسدا إلى باريس حتى يقال إن بليغ «مات يوم ما ساب مصر وسافر إلى باريس»، وبرأته المحكمة من جريمة قتل لمغنية مغربية اسمها سميرة مليان اتهم فيه ظلما.
ونعيد للذاكرة قصة هذه المطربة المغربية غير المعروفة التى كتبت نهاية مأساوية لحياة عبقرى الموسيقى بليغ حمدى، فقد جاءت سميرة مليان إلى مصر عام 83 مع منتج خليجى من أصول فلسطينية، أقنعها بأن تلحق به إلى مصر، حيث سيعرفها على أكبر المتخصصين فى العروض الفنية، وعندما سمعت سميرة اسم مصر انبهرت واندهشت، فمصر هوليوود الشرق وأم الفنون، وهى المنصة التى انطلقت منها زميلاتها وبلدياتها سميرة سعيد وعزيزة جلال وليلى غفران إلى سماء النجومية، وسافرت سميرة تلحق بقدرها، وفى ليلة 20 يناير عام 1984، كانت تتسكع مع المنتج، ومرا بالقرب من بيت بليغ بالزمالك، فانتهز المنتج الفرصة وجعلها تصعد معه بحجة أن بليغ سيسمع صوتها، ولم يكن هذا بالاتفاق مع بليغ، لكن المنتج كان يعرف أن بيت بليغ بمثابة بيت ضيافة للفنانين المصريين والعرب، ووجد هناك بالفعل حفلا ساهرا لأصدقاء بليغ، وغنت مليان بعض الوقت، ولا يعرف أحد كيف تم استقبال صوتها، وما كان رأى بليغ فى صوتها. بليغ كان مجهدا واستأذن من الحضور ودخل غرفته لينام، ثم يستيقظ بعد ساعات على صوت صراخ ونواح، وسميرة ملقاة فى حديقة المنزل عارية تماما. بينما المنتج المزعوم كان فى ذلك الوقت فى طائرة مغادرة لمصر بعد أن فر بمجرد سقوطها، أما بليغ المعتاد على الرحابة والحرية فلم يحتمل فكرة أن يتعرض لاستجوابات طويلة أو يقتنص أحد من حريته شيئا، فغادر مصر إلى منفاه باريس خاصة بعد الحكم عليه بسنة مع الشغل بتهمة تسهيل الدعارة، وكانت هذه الفترة أسوأ فترات حياته.
يعود بليغ إلى مصر بعد معاناه الغربة حاملا معه مرضه الأخير الكبد اللعين، ويرحل عن الحياة التى عاشها بالطول والعرض، وحقق فيها ما كان يحلم به منذ طفولته عندما قال لوالده الصعيدى الأصل- من سوهاج- وسنه 7 سنوات «عاوز أبقى مزيكاتى» وبعدها بعامين وفى عمر 9 سنوات أتقن العزف على العود، فى سن الثانية عشرة حاول الالتحاق بمعهد فؤاد الأول للموسيقى، إلا أن سنه الصغيرة حالت دون ذلك. التحق بمدرسة شبرا الثانوية- بليغ ولد فى حى شبرا بالقاهرة فى 7 أكتوبر 1931 – وكان والده الدكتور عبدالحميد حمدى مرسى، يعمل أستاذا للفيزياء فى جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا)- فى الوقت الذى كان يدرس فيه أصول الموسيقى فى مدرسة عبدالحفيظ إمام للموسيقى الشرقية، ثم تتلمذ بعد ذلك على يد درويش الحريرى، وتعرف من خلاله على الموشحات العربية. التحق بليغ بكلية الحقوق، وفى نفس الوقت، التحق بشكل أكاديمى بمعهد فؤاد الأول للموسيقى (معهد الموسيقى العربية حاليا).
اقتنع محمد حسن الشجاعى، مستشار الإذاعة المصرية وقتها، بليغ حمدى باحتراف الغناء، وبالفعل سجل بليغ للإذاعة أربع أغنيات. لكن تفكيره كان متجها صوب التلحين وبالفعل لحن أغنيتين لفايدة كامل هما (ليه لأ / ليه فاتنى ليه) تبعتها أغنية ما (تحبنيش بالشكل ده) لفايزة أحمد.
بعد وفاته نعته الأهرام فى صبيحة اليوم التالى بقولها (مات ملك الموسيقى)، وأعلنت وزارة المالية المصرية أنها بصدد طبع عملة تذكارية باسمه وكتب من كتب ورثاه من رثاه وذكره من ذكره فى رواية وكتاب ولكن بليغ حتى الآن لم يحظ بالتكريم اللائق باسمه وبانجازه الفنى وعبقريته الموسيقى وبحبه وعشقه لمصر.. فلم يكرم اسم بليغ فى عيد الفن، ولم تقرر الدولة منحه جائزة الفنون، ولم تطلق جائزة باسمه، حتى المسلسل الذى تم تأليفه عنه لا يجد من ينتجه ويموله حتى اللحظة.
ونحن نتذكر بليغ هنا بعد ربع قرن من رحيله، ندعو وزارة الثقافة ونقيب الموسيقيين، الفنان هانى شاكر، الذى لحن له بليغ أشهر أغانيه إلى رفع الظلم والتشويه عن عبقرى الموسيقى المصرية وملكها المتوج وإعادة الاعتبار إليه، ومنحه أرفع الأوسمه أو منحه جائزة الدولة التقديرية للفنون والاداب
فلم يعشق فنان مصر مثلما عشقها بليغ، فهو أكثر الموسيقيين تلحينا لمصر وفى حب مصر ،كما كتب وغنى بعضها بنفسه منها (عدى النهار)، وهى التى قدمها بعد هزيمة 67، وأصبحت أغنية عدى النهار رمزا لمرحلة النكسة، كما أصبحت أغنية (على الربابة بغنى) للفنانة وردة رمزا لحرب أكتوبر المجيدة ومرحلة العبور والبندقية اتكلمت ولو عديت وعبرنا الهزيمة وفدائى وبسم الله وعاش اللى قال) وظلت أشهر أغانيه الوطنية على الإطلاق هى أغنية (ياحبيبتى يامصر) للفنانة الكبيرة شادية، التى يتغنى بها المصريون فى كل وقت ومناسبة وطنية.
ويذكر الصديق أيمن الحكيم فى كتابه عن بليغ (الموعود بالعذاب ومداح القمر)، أنه وفى أثناء حرب أكتوبر 1973 ذهب وزوجته فى ذلك الوقت الفنانة وردة الجزائرية لمبنى الإذاعة والتليفزيون، ومنع من دخول المبنى، نظرا لظروف الحرب إذ لم يكن مسموحا بدخول مبنى الإذاعة لغير العاملين فيه، فما كان من بليغ إلا أن يطلب صديقه الإذاعى الكبير وجدى الحكيم، قائلا له (حعملك محضر فى القسم ياوجدى عشان مش عاوز تخلينى ادخل أعمل أغنية لبلدى)، وكان بليغ يتكلم بمنتهى الجدية فضحك الجميع، وتم السماح لبليغ بالدخول، ولكن بعد أن كتب بليغ حمدى تعهدًا على نفسه بتحمل أجور جميع الموسيقيين بحجة عدم وجود ميزانية لتسجيل أغانى النصر، وتم تسجيل أغنيتى (على الربابة بغنى) و(بسم الله).
كل ذلك وبليغ لم ينل التكريم سواء فى حياته أو بعد مماته، ما يوازى كونه واحدا من أفضل أو أفضل من أنجبت الموسيقى العربية على الإطلاق، وهو الذى عاش المصريون والعرب– مازالوا- على سحر ألحانه فى الحب والفراق والعشق، وفى حب الوطن والأرض.
بمقياس الانجاز فبليغ حمدى حقق انجازا واعجازا موسيقيا غير مسبوق، فهو الأعلى انتاجا، فقد ترك أكثر من 3 آلاف لحن، وهو صاحب الألحان الأكثر تنوعا والأكثر توزيعا، لحن لكل مطربى مصر والعرب تقريبا من أم كلثوم إلى حليم وشادية وصباح ونجاة وعفاف راضى وفايدة كامل ومحرم فؤاد وهدى سلطان وحتى أحمد عدوية، علاوة على كبار الفنانين العرب مثل محمد عبده وطلال مداح وسميرة سعيد وعزيزة جلال وسعدون جابر..
كان يبحث عن الجديد والفريد دائما، المهم أن يطفئ ظمأه الدائم للموسيقى واللحن، الذى لا يمكن أن ينام إلا وقد أنجزه، ولذلك استحق كل الألقاب، فوصفه الشاعر كامل الشناوى بأنه أمل مصر فى الموسيقى، وكان دائما يقول إن بليغ حمدى طالب حقوق فاشل، ولكنه أمل مصر فى الموسيقى، ولقب أيضا بسيد درويش العصر، وكان لقبه الأشهر (ملك الموسيقى) و(بلبل)، وهو لقب كان يعرف به بين معارفه، ومحبيه من الوسط الفنى وخارجه.
هو أصغر ملحن لكوكب الشرق وسيدة الغناء العربى أم كلثوم، التى لحن لها عام 1960 أغنية « حب إيه» وعمره لم يتجاوز 29 عاما، وكان الفنان الكبير محمد فوزى السبب فى ذلك، فقد توطدت علاقته به وأعطاه فرصة التلحين لكبار المطربين والمطربات.
ألحان بليغ كانت نقطة مهمة فى حياة أم كلثوم، لأنها جعلت الشباب مستمعًا جديدًا لها، بعد أن كان جمهورها من طبقة «أصحاب الطرابيش»، كما أن بليغ أضاف بعض الآلات الموسيقية لتختها الشرقى منها «الساكس فون والأكورديون والإيقاعات»، واستخدم الكورال داخل دراما النص، والأوركسترا الكبيرة، وكان ذلك بمثابة التحدى لها ولبليغ، حيث أضاف كل منهما للآخر، فمن خلالها وضع بليغ اسمه إلى جوار عمالقة التلحين للست أم كلثوم. واستمرت ألحانه لها – حوالى 11 أغنية مرورا بأنساك وألف ليلة وليلة وظلمنا الحب وفات الميعاد حتى آخر أغنية للست «حكم علينا الهوى».
وقال بليغ حمدى عن «حب إيه» إن المصادفة كانت تقول كلمتها فى كثير من مواقف حياته، بما فيها لقاؤه الأول عام 1960 مع أم كلثوم، وأنه لحن مدخل أغنية حب إيه قبل أن يلتقى بها بأكثر من عامين، وكان يضحك مع مؤلفها عبدالوهاب محمد، وهما يفكران ماذا سيفعلان بها ومن سيغنيها، قبل أن يقررا ترك الأمر للظروف. وفى إحدى الأمسيات اصطحبه الموسيقار محمد فوزى، الذى كانت تربطه به صداقة قوية إلى أمسية فى بيت الدكتور زكى سويدان، أحد أمهر الأطباء وقتها، وكانت أم كلثوم على رأس المدعوين، وقدمه فوزى لأم كلثوم، وأكد لها أنها ستستمع لملحن رائع، وطلب منه أن يغنى لها من ألحانه، وغنى «حب إيه».
وبمجرد البدء فى الغناء، فوجئ بأم كلثوم تجلس على الأرض إلى جواره وسط ذهول الجميع، ثم طلبت منه أن يمر عليها فى اليوم التالى، وعندما ذهب إليها طلبت أن تسمع الأغنية كاملة، واتصل بمؤلفها عبدالوهاب محمد، بناء على طلبها، والذى بدوره لم يصدق نفسه حتى رآها تشدو بها على المسرح، ووقتها فقط صدق أن الحلم تحول إلى حقيقة.
قبلها كان لقاء الموعودين بالعذاب معا حليم وبليغ، وقد ملك الموسيقى وأملها أول ألحانه للعندليب عام 57، وهى أغنية تخونوه، واستمرت رحلتهما حتى النهاية، وتمخض عنها أشهر أغانى حليم فى 29 لحنا من ألحان العبقرى منذ تخونوه إلى حبيبتى من تكون.
لحن لوردة حوالى 70 أغنية منذ العيون السود إلى مسا النور والهنا وبودعك، ولحن لشادية أكثر من 20 أغنية، إضافة إلى فيلم شىء من الخوف وأضواء المدينة ومسرحية ريا وسكينة، ولعفاف راضى 11 أغنية، ونجاة 17 أغنية، وصباح 7 أغانٍ، ومحمد رشدى 8 أغانٍ، وكلها متفردة ومميزة فى الحياة الفنية لكل مطرب ومطربة.
لم يستثن بليغ لونا غنائيا، فقام بتلحين جميع الألوان الغنائية من رومانسية أو شعبية أو وطنية أو القصائد أو حتى ابتهالات دينية مثل مجموعة ألحانه للشيخ (سيد النقشبندى) وأشهرها (مولاى)، بل وحتى أغانى الأطفال، مثل أغنية (أنا عندى بغبغان)، وأغانٍ أخرى فى مسلسل أوراق الورد للفنانة وردة.
بليغ حمدى هو مكتشف المطرب على الحجار. وقام بتلحين أكثر من أغنية له، ومنها أول أغنية لعلى الحجار، وهى أغنية (على قد ما حبينا)، ولحن بليغ بالإضافة لها أغانى (طب قولنا لما أنت ناوى ع السفر)، و(طاب العنب) من ألبوم على الحجار الأول بعنوان (على قد ما حبينا)، بالإضافة إلى أغنية (أحبابنا من عشمهم) من ألبوم أعذرينى، وأغنية (ما بلاش) من ألبوم (ما تصدقيش) إلى جانب ألحان تترى المقدمة والختام وأغانى الجزء الأول لمسلسل (بوابة الحلوانى).
يبقى حبه وعشقه لوردة ذات خصوصية انسانية لدى بليغ، كما يذكر الكاتب طلال فيصل فى روايته عن بليغ وما عاناه فى سبيل هذا العشق، وكيف أنه ظل كل عمره المتبقى بعد طلاقهما حزينًا وحائرًا، يلحن الأغانى لمطربات أخريات، يغنينها ليرسل لها عبر هذه الكلمات والألحان رسائل حب وحنين. فيقول فيصل «هذه حكاية بلبل مسكين… كان يبحث عن الحب. وجد أميرة جميلة فوضعته فى يدها وغنت له. استكان فى يدها الناعمة وعرف أن هذا ما كان يبحث عنه. لكن الشك والقلق والحيرة كانت أقوى من كل شىء. (…) عندما نحب أحدًا لا نجهض نفسنا مرتين، كأننا لا نريد رابطًا أبديًا بيننا وبينه! هل أنا كفاية؟ هذا سؤال لا أريد معرفة إجابته أبدًا».. «بين هذا الحدث وذاك سنقرأ الكثير من مغامرات الفتى الطائش، وعن سر الذكاء فى ألحانه، وسبب عبقريته، وعن علاقته مع أم كلثوم التى كانت تعتبره مثل ابنها، وعن ذكرياته مع مطربى ذلك العصر، مثل فايزة أحمد، ليلى مراد، نجاة الصغيرة، عبدالحليم حافظ، ميادة الحناوى، سميرة سعيدة، والألحان التى قدمها لهم.
كما نقرأ عن أغنية «العيون السود» التى لحنها لوردة وظل التسجيل الشهير الذى تغنى فيه وردة هذه الأغنية ويرافقها هو على العود خالدًا حتى الآن».
فقصته مع وردة هى قصة الحب والجنون والفن والألم والفراق، فقد أعجبت الشابة وردة فتوكى ذات الستة عشر ربيعًا بأغنية (تخونوه) لعبدالحليم حافظ، لكنها، وبدلًا من أن تهتم، كسائر البنات، بمغنيها عبدالحليم، اهتمت بلحن الأغنية. سألت عن ملحنها، وعلمت أن اسمه بليغ حمدى، فصممت على التعرف إليه، والاستفادة من موهبته.
سُئلت بعد سنوات عن مدى إعجابها بجماله، هو الشاب الأسمر القصير، وقد كان الحب والزواج والفن قد جمع بينهما، فقالت: «بليغ كان تخين كلبوظ، مكتوب علىَّ ألا أحب إلا الرجال الوحشين…لقد عشقت فى بليغ فنه».
جمعهما عالم الفن والموسيقى والإبداع، عالم التناقضات والجنون والتمرد، ثم فرقهما.
يذكر التاريخ الحديث للموسيقى العربية عدة ثنائيات فنية من طراز ملحن ومطربة. فهناك محمد سلطان وفايزة أحمد، عاصى الرحبانى وفيروز، وطبعًا هناك وردة وبليغ حمدى.
صحيح أن لكل قصة حيثياتها وظروفها، لكن ربما كان من الصفات المشتركة لتلك القصص هو قدرية ما جمع الفن وما فرّق.
جمع الفن فيروز وعاصى وأبدعا أجمل الأعمال، لكن الطلاق كان بالانتظار فى آخر المشوار، وكذلك فعلت الأقدار بمحمد سلطان وزوجته فايزة أحمد، ولم يشذ بليغ ووردة عن السياق، فكان الطلاق أيضًا.
حب بليغ لوردة التقطته أم كلثوم بذكائها المعروف، وقالت له ذات مرة «يا بليغ أنا كوبرى بينك وبين من تحب»، فى إشارة منها إلى ألحانه لها أنساك ده كلام، وبعيد عنك حياتى عذاب، الحب كله، ومن العيون السود، إلى الوداع (خليك هنا)، إلى وحشتونى، واشترونى وعايزة معجزة، ودندنة، وصولًا إلى بودعك، قدم الثنائى بليغ ووردة أكثر من 70 أغنية، تعتبر من أجمل ما احتوته المكتبة الموسيقية العربية. ظل الحب ينبض حتى غنت وردة آخر لحن من ألحانه لها بودّعك، كان لحنًا غريبًا وكأنما أراد فيه بليغ أن يجعل الموسيقى والكلمات تعبر تمامًا عن قلبه. فى ذكراه نطالب بتكريمه التكريم المناسب واللائق بفنه وموسيقاه ونطالب بإعادة الاعتبار له بما يتناسب وانجازه الموسيقى وحبه وعشقه لمصر.
بقلم عادل السنهوري