موقع مصرنا الإخباري:
مضى شهر على عملية “طوفان الأقصى” البطولية، والعدو الصهيوني لم يتعاف بعد من الصدمة الأمنية والعسكرية التي اخترقت الوعي الغربي بسرعة قياسية، وكشفت كذب ونفاق ما يسمى بالديمقراطيات” علنًا وعلى شاشات التلفزيون المباشرة.
ومن جانبهم، أظهر الفلسطينيون مستوى استثنائيا من الصمود رغم كل الحصار والإبادة الجماعية. نعم، الفلسطينيون أمة متميزة، وهي الآن تصوغ ملحمة تاريخية غير مسبوقة ستخلدها الأجيال القادمة رغم الآلام والتضحيات الغالية، ولن تخضع لمؤامرة طردها مرة أخرى من أرضها.
في هذه الأثناء، فشل مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني في نهاية المطاف، إذ أصبح الكيان الاستعماري المؤقت غير قادر حتى على حماية نفسه.
كما أن المحور الموالي للمقاومة في حالة تصعيد مستمرة ومتقدمة، ويمتلك أوراقاً كثيرة، وبالتالي مؤهلات تحقيق انتصار ساحق.
بل إن العديد من الحركات اليهودية المؤيدة للصهيونية أعربت عن رفضها لإجرام نتنياهو وحكومته. تاريخيًا، لم يكن التعاطف مع القضية الفلسطينية على المستوى العالمي بنفس الوتيرة اليوم، حيث ساعدت منصات الإعلام البديل والقنوات الفضائية الداعمة للمقاومة مثل برس تي في وقناة الميادين – رغم كل القيود – في دحض الرواية الصهيونية الغربية، كما وكذلك فضح الدبلوماسية الغربية المنافقة الداعمة دون قيد أو شرط للعدوان الصهيوني المستمر. أما المؤسسات الإعلامية الغربية الكبرى، فقد واصلت انحيازها للاحتلال من خلال التلاعب بالمصطلحات التي تخدم الأعمال الشنيعة التي ينفذها نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
خلال الشهر الأول من الحرب، كان الجميع في العالم يترقبون كلمة زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله، بعد حدث هز ليس كيان الاحتلال فحسب، بل العالم أجمع. منذ اليوم الثاني لملحمة «طوفان الأقصى»، دخل «حزب الله» المعركة، مقدماً عشرات الشهداء. وحركة المقاومة منذ ذلك الحين في صعود، وهذا ما أكده السيد نصر الله، الذي تحدث كزعيم دولي، يخوض معركة وجودية – إنسانية – “من يصمت عليه أن يعيد النظر في إنسانيته”.
لقد أثبت السيد نصر الله مرة أخرى قدرته على فحص هشاشة الكيان الصهيوني الاستعماري. لقد أعاد التأكيد على رؤيته التاريخية بأن «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت»، وأن واشنطن هي سيدة المخطط الاستكباري والإمبريالي في غرب آسيا؛ وقد فصّل كيف أن المقاومة الفلسطينية قوية ومقتدرة، وأن علاقتها مع فصائل المقاومة الأخرى هي علاقة متكاملة وليست هرمية.
ومن الناحية النفسية، فإن خطاب السيد نصر الله ألهب الضمير الإسلامي والإنساني، وأيقظ شعلة الشعور التحرري الإنساني، وأجهض مؤامرات الفتنة والفرقة.
وقد أعاد خطاب السيد نصرالله إلى الأذهان مقولة الإمام الخميني الشهيرة: “لو صب كل مسلم دلواً من الماء على إسرائيل لمحوتها من الوجود”.
السيد نصرالله تجاوز «الشعارات» إلى حالة القيادة، وكان رائداً، وصنع تاريخاً إنسانياً جديداً. وسيكون خطابه حتما وثيقة تاريخية تتداولها مراكز الأبحاث وتدرسها الأجيال المتعاقبة. وشدد سماحته على أن كل الخيارات مفتوحة، وحذر من أن نتنياهو أضرم النار في مصالح القوى الإمبريالية العالمية بسبب حماقته وغطرسته وجنونه.
كما أثبت السيد نصرالله مدى صمود المقاومة الفلسطينية في وجه العدو الصهيوني المنشغل بالإبادة والقتل. ورغم التعتيم على خطابه إلا أن مواقفه تغلغلت في أذهان المستوطنين المستعمرين الذين يحتلون فلسطين، وخاصة. عندما ذكرهم بأن حكومتهم حمقاء ومتطرفة ووحشية، وهذا ما سيعجل بنهايتها، وأن جيشهم مهزوم ولم يتعلم من تجاربه السابقة. وفي المقابل فإن قوى المقاومة لا تهزم!
لقد مر شهر، وقوى المقاومة أصبحت أكثر تشابكاً وتعاوناً وتآزراً! وبالفعل، باءت المحاولات المتعمدة لإظهار المقاومة الفلسطينية بأنها «خاضعة»، وحتى معركة «عاصفة الأقصى» أثبتت أنها ليست «ذراعاً لإيران» كما حاولت وسائل الإعلام الرئيسية مراراً وتكراراً. وتظهر في حربها النفسية، بل مقاومة صالحة تدافع عن شعب مظلوم ومحاصر.
وحذر خطاب السيد نصرالله قطعان المستوطنين الاستعماريين الذين يحتلون فلسطين من واقع جديد لا يمكن تجاوزه، أي أنهم سيواجهون مستقبلا مؤلما للغاية، خاصة في ظل ما يحدث من تصعيدو توسع حركة المقاومة في الضفة الغربية المحتلة.
واليوم، تحظى القضية الفلسطينية بدعم الرأي العام الدولي، في حين باءت كل الحملات الدعائية الكبرى التي قادها اللوبي الصهيوني لتبييض وجه الاحتلال بالفشل.
كما أكد السيد نصرالله أن كل الخيارات مفتوحة. فالمحور الموالي للمقاومة بكل فصائله حاضر وجاهز، والجنون الصهيوني سيعجل بالقضاء على وجوده غير الشرعي. لقد تجاوزت المقاومة مرحلة «الفعل» إلى مرحلة «رد الفعل». لقد باءت جميع المحاولات الشريرة لتصدير الأزمات بالفشل، ولا يعاني إلا الكيان المحتل من أزمة تلو الأخرى.
إن شعب فلسطين اليوم، وشعب الضفة الغربية على وجه الخصوص، مصمم على استعادة حقوقه. تهديد السيد نصرالله للبوارج والأساطيل الأمريكية حقيقي، فالمقاومة ملتزمة بـ”الغموض الاستراتيجي” و”الاستعداد لردع العدو” وهجماته العدائية. إن الرؤية التي رسمها السيد نصر الله واضحة وضوح الشمس، وأثبتت ذلك وعوده الصادقة السابقة، ومنها هذه المرة: انتصار غزة، وإفراغ سجون الاحتلال من الأسرى الفلسطينيين، وإفشال رهانات المناوشات الطائفية، والانقسامات المتزايدة في الداخل. نظام الفصل العنصري، وربما التحرير الكامل للأراضي المحتلة في فلسطين وبلاد الشام.
المقاومة اليوم تصنع تاريخاً مجيداً، تاريخ التحرر والبطولة. الصراع القائم اليوم هو بين معسكرين: معسكر الشرف والبطولة، ومعسكر الاستكبار. ويخوض الشعب الفلسطيني ملاحم مشرفة مع شعب لبنان، وشعب اليمن الحفاة، وشعب العراق الحر، وبقية العالم. لا استسلام ولا ذل، بل بداية النهاية للكيان الصهيوني مهما كلفته التضحيات الغالية.