موقع مصرنا الإخباري:
في الوقت الذى تطغى فيه العديد من المستجدات على الساحة الدولية، وأخرها التطورات الكبيرة التي تشهدها أفغانستان، يبدو أن ثمة تغييرات عميقة، لا تقتصر على منطقة بعينها، وإنما تمتد إلى “إعادة غربلة” القيادات الإقليمية، في العديد من مناطق العالم، لتصبح الأزمات الأخيرة، مجرد “ستار” لخطة أعمق، تحمل أهدافا طويلة المدى، في إطار إعادة هيكلة النظام الدولى برمته، وهو ما يبدو في صعود أصوات جديدة من رحم الأزمات الأخيرة، لتطغى على القيادات التقليدية، التي طالما اعتمدت عليها الولايات المتحدة في العقود الأخيرة، لتقوم بدور “المحلل” لسياساتها، لشرعنة الخطوات التي تتخذها في أي بقعة من العالم.
فلو نظرنا إلى المشهد الأوروبى، نجد أن ثمة صعود بريطاني ملحوظ، من رحم المستجدات على الساحة الأفغانية، وهو ما بدا بوضوح في مواقف تبناها رئيس الوزراء بوريس جونسون، منها التحفظ على قرار واشنطن بالانسحاب، أو الإعلان بعد ذلك عن انعقاد قمة مجموعة السبع، حول الأوضاع الأخيرة في كابول، وهو ما يعكس محاولات لندن للعودة إلى مقعد القيادة في أوروبا، عبر التطورات الدولية الأخيرة، على حساب القوى الأوروبية الأخرى التي تصدرت المشهد القارى لعقود من خلال الاتحاد الأوروبى، على غرار ألمانيا، والتي تراجع دورها في السنوات الأخيرة، وفرنسا الطامحة إلى وراثة العرش الألماني، مع اقتراب رحيل المستشار أنجيلا ميركل، خلال الأشهر القادمة.
الصعود البريطاني ربما ليس مفاجئا، وإنما حمل العديد من الإرهاصات التي بدأت تدريجيا في السنوات الماضية، منذ استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبى “بريكست”، حيث سعت لندن، ولو على استحياء في مرات عديدة، القفز على قيادة أوروبا، من خارج الاتحاد الأوروبى، عبر استدعاء الفزاعة الروسية تارة، على خلفية محاولة تسميم العميل الروسى المزدوج سيرجى سكريبال وابنته يوليا، لحشد الأوروبيين ورائها، أو من خلال القيام بدور أقوى في حلف شمال الأطلسى “ناتو”، والذى يمثل أهمية كبيرة للقارة العجوز تارة أخرى، خاصة مع حالة الانقسام التي انتابته مؤخرا، حتى أنها دفعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى وصفه بـ”الميت إكلنيكيا” في عام 2019، في الوقت الذى لوحت فيه واشنطن، خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بالانسحاب منه حال عدم التزام الأعضاء بالوفاء باشتراكاتهم المالية.
يبدو أن محاولات الصعود البريطاني على قمة القارة العجوز، من خارج الاتحاد الأوروبى، قد نال المباركة الأمريكية، وهو ما بدا بوضوح في حقبة ترامب، التي شهدت تقاربا كبيرا مع لندن، تجلى في زيارتين للرئيس السابق، والذى ينتمى للحزب الجمهورى إلى العاصمة البريطانية، بينما استمر في عهد خليفته “الديمقراطى” جو بايدن، والذى استهل جولاته الخارجية بزيارتها، وهو ما يقدم انطباعا بأن بريطانيا تمثل أولوية مهمة في الأجندة الأمريكية، بعيدا عن الهوية السياسية للإدارات الحاكمة.
الدعم الأمريكي لعودة بريطانيا إلى مقعد القيادة القارية، رغم “بريكست”، يعكس نهجا عدائيا صريحا لأوروبا الموحدة، ويمثل محاولة لفرض قيادة جديدة متمردة على الاتحاد الأوروبى، والذى تحول في السنوات الأخيرة إلى كيان قوى يمكنه المنافسة على القيادة الدولية، بل واتجه نحو أطرافا أخرى منافسة لواشنطن، على غرار التعاون الكبير مع روسيا في مجال الطاقة، والتقارب الملحوظ مع الصين، وهو الأمر الذى أغضب القيادة الأمريكية.
وهنا تبدو بوضوح محاولات واشنطن لإعادة “غربلة” حلفائها، في إطار المعطيات الدولية الجديدة، عبر استحداث حلفاء جديد في مناطق جديدة، وخلق صراعات بين الحلفاء التقليديين، من أجل إجبارهم على تقديم فروض الولاء والطاعة، مقابل الحصول على الدعم الأمريكي في المرحلة المقبلة، وذلك حتى تضمن أمريكا بقاء معسكرها، الذى كان سببا رئيسيا في هيمنتها على النظام الدولى لعقود طويلة من الزمن.
بقلم
بيشوى رمزى