موقع مصرنا الإخباري:
يعيش الفلسطينيون في غزة ما يمكن وصفه بواحدة من أحلك الفترات في تاريخ البشرية. على مدى الشهرين الماضيين، اضطر 2.3 مليون شخص في المنطقة إلى التخلي عن كل ما امتلكوه بحثًا عن مأوى من الهجوم المتواصل للغارات الجوية الإسرائيلية.
ومع استنفاد الملاذات الآمنة في القطاع، يواصل الأفراد حياتهم اليومية في ظل فقدان أحبائهم في أي لحظة عابرة. أولئك المحظوظون الذين ما زالوا يحتفظون بأسرهم سليمة يشهدون آباءً مكسورين القلب وهم ينقبون بين الأنقاض بحثًا عن أي علامة لأطفالهم. ويتشبث آخرون بقوة بأجساد صغارهم الهامدة، ويتصارعون مع الواقع غير المفهوم لمحنتهم. قام بعض الآباء بحماية أطفالهم من الأذى، لكنهم فقدوا حياتهم بشكل مأساوي، تاركين ذريتهم يتصارعون مع مستقبل لا ينتهي من المعاناة والألم بمفردهم. وكل من يتمكن من الإفلات من القصف الإسرائيلي فلابد وأن يخوض صراعاً منفصلاً ضد الجوع والعطش، حيث فرض النظام الإسرائيلي بقسوة هذه التحديات التي تهدد حياة سكان غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
في هذا المقال سنلقي نظرة على الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، خلال الحرب التي خاضتها على القطاع المحاصر لمدة شهرين تقريبًا.
لا طعام ولا ماء
أعلن وزير الحرب الإسرائيلي عن بداية هجمات الإبادة الجماعية التي نفذها النظام على غزة بتصريحات نازية إلى حد لا يصدق، والتي تجاهلها القادة الغربيون حتى يومنا هذا.
تصريح يوآف غالانت “إننا نحارب الحيوانات البشرية ونتصرف وفقًا لذلك” أعقبه إعلان بأن النظام سيحرم جميع سكان غزة من الغذاء والماء والوقود والدواء والكهرباء.
الحصار هو تكتيك قاس وعفا عليه الزمن يستخدم لإضعاف العدو، لأنه يضع المدنيين في حالة مدمرة من الحرمان والمرض، مما قد يؤدي إلى الضغط على القوات المسلحة للاستسلام. على الرغم من أن غزة تحت الحصار منذ 16 عاماً، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها حياة الناس للتهديد المباشر بسبب نقص الغذاء والماء والدواء. ويجب معالجة هذه القضية فوراً، لأنها تشكل انتهاكاً واضحاً لحقوق الإنسان الأساسية. يحتاج الإنسان إلى ما متوسطه خمسة لترات من الماء يوميًا للشرب والطهي والنظافة الشخصية ويحتاج إلى استهلاك 2200 سعرة حرارية يوميًا ليتمكن من أداء وظائفه بشكل طبيعي. والفلسطينيون المحاصرون في “أكبر سجن مفتوح” في العالم بالكاد يحصلون على أي من ذلك.
لا مناطق آمنة في غزة
لقد حولت إسرائيل قطاع غزة برمته إلى منطقة قتل. وقد تحولت أكثر من 70% من المنازل في المنطقة إلى أنقاض، وحتى مباني الأمم المتحدة والمدارس والكنائس والمساجد والمستشفيات لم تسلم من الاستهداف.
ومن الحالات المثيرة للقلق بشكل خاص الحصار الحالي لمستشفى كمال عدوان في شمال غزة. وقد حاصرت القوات الإسرائيلية المستشفى بالدبابات والمدفعية، وهي تستهدف أي مدنيين مذعورين يحاولون الفرار من المجمع المكتظ. ومن المؤسف أن الجثث تتراكم داخل المستشفى، ويضطر الطاقم الطبي إلى علاج المرضى على الأرض بسبب النقص الحاد في المعدات الطبية.
ومما يثير القلق أن هذه ليست حادثة معزولة. وكانت إسرائيل قد داهمت مستشفيات في مناسبتين منفصلتين في الشهرين الماضيين، مما أدى إلى موجة من القتل داخل هذه المرافق. لقد تحول مستشفى الشفاء والمستشفى الإندونيسي في غزة إلى أنقاض، حيث فقد المئات من الأبرياء أرواحهم أثناء بحثهم عن مأوى في المرافق التي من المفترض أن تكون محمية بموجب القانون الدولي.
وقد حاولت إسرائيل تبرير هذه الأعمال الشنيعة بالادعاء بأن مقاتلي حماس يختبئون داخل المستشفيات. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الادعاءات، لم يتم تقديم أي دليل يدعم هذه الادعاءات. وبدلاً من ذلك، لم تولد هذه الهجمات سوى صور ساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يؤكد بشكل أكبر عدم وجود دليل على تصرفات النظام. وواصل النظام أعماله الإجرامية باعتقال الكوادر الطبية التي أمضت كل ثانية من حياتها خلال الشهرين الماضيين في محاولة إنقاذ الأبرياء في المستشفيات الشيعية والإندونيسية. ولا يزال مكان وجود المعتقلين غير واضح.
لكن كان على الجيش الإسرائيلي أن يأخذ وقته في قتل الأشخاص الذين لجأوا إلى المستشفيات، بعد أن تعرضت غارته الجوية القاتلة على المستشفى الأهلي العربي لتدقيق واسع النطاق. أدى هجوم 17 أكتوبر/تشرين الأول إلى مقتل مئات الأشخاص الذين لجأوا إلى المنشأة. واضطرت إسرائيل إلى تغيير استراتيجيتها والبدء في شن هجمات برية على مستشفيات غزة، حيث اعتبرت أن المزيد من القصف العنيف على المجمعات الطبية أكثر تكلفة من الناحية الدبلوماسية. وهي الآن تقوم بتقليص المستشفيات إلى الأرض ليس من خلال هجوم واحد، ولكن بمساعدة هجمات متكررة، وربما أكثر إيلاما
وقتل النظام حتى الآن أكثر من 18 ألف فلسطيني، 70% من القتلى هم من النساء والأطفال. الصحة الفلسطينية وتقول الوزارة في غزة إن أكثر من 6600 طفل قتلوا حتى الآن، ولا يزال آلاف آخرون تحت الأنقاض. وتستخدم إسرائيل قنابل تزن طناً واحداً لقتل هذه الكائنات البريئة.
وفي الوقت نفسه، يواصل الغرب غض الطرف عن الإبادة الجماعية التي تتكشف تفاصيلها في غزة. ويرسل القادة الغربيون الأموال والخدمات اللوجستية إلى النظام لضمان قدرته على تحقيق جميع أهدافه في الأراضي المحاصرة، والتي قد يكون أحدها التطهير العرقي للفلسطينيين.
البصريات داخل إسرائيل
إذا كان هناك شيء واحد يمكن أن يتفق عليه الجميع على جانبي الدفتر، فهو حقيقة أن إسرائيل تعرضت لهزيمة عسكرية وأمنية واستخباراتية هائلة في 7 أكتوبر. فقد أسفرت عملية حماس المفاجئة التي وقعت في ذلك اليوم عن مقتل أكثر من 1000 إسرائيلي. بحسب الحصيلة الرسمية للنظام.
إن الهجمات الإسرائيلية اللاحقة على غزة رداً على العملية لم تفشل في إعادة الأمن والثقة إلى الأراضي المحتلة فحسب، بل أدت في الواقع إلى توسيع الهوة بين مختلف السياسيين الإسرائيليين وكذلك اليهود الذين تم خداعهم في الأراضي الفلسطينية لقضاء بقية أيامهم. حياتهم في “ملاذ آمن إلى الأبد”.
وتشير التقارير إلى أن الهجرة العكسية لليهود من إسرائيل آخذة في الارتفاع. يصطف المزيد والمزيد من الإسرائيليين أمام السفارات الأوروبية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول لتقديم طلبات الحصول على جوازات سفر أوروبية.
أولئك الذين ما زالوا متمسكين بفكرة الأرض “الموعودة” لليهود خرجوا إلى الشوارع داخل الأراضي المحتلة للتعبير عن انزعاجهم من تجاهل النظام للخسائر في أرواح الإسرائيليين.