لم يطلق رصاصة واحدة لكنه دعا قائلا “لا تمت قبل أن تكون ندا.. لا تمت”، ومع ذلك اغتاله الموساد مع ابنة شقيقته في بيروت في 8 يوليو عام 1972، ما أن أدار المفتاح حتى تناثرت الأشلاء.
كان الحر والرطوبة في بيروت في ذلك اليوم شديدين، خرج الكاتب والقيادي الفلسطيني غسان كنفاني من منزله في بلدة الحازمية الواقعة بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية مع ابنة شقيقته لميس ذات السابعة عشر ربيعا والتي كان كتب لها خصيصا قصصا وقصائد للأطفال.
ركبا السيارة صبيحة ذلك اليوم وماتا معا. ما أن أدار كنفاني المفتاح لتشغيل سيارته الخاصة حتى دوى انفجار شديد تسبب في احتراق جثة كنفاني بشكل كامل، فيما رمى بجثة لميس بعيدا عدة أمتار، ومنذ ذلك التاريخ بقيا معا في قبرين متجاورين.
غسان كنفاني قتل ولم يتجاوز من العمر 36 عاما، لكنه كان منذ وقت طويل “ندا”، وكان من ألمع الكتاب والصحفيين العرب في القرن الماضي، نشر ثمانية عشر كتابا بين الرواية والقص القصيرة، وترجمت أعماله إلى سبعة عشر لغة في أكثر من 20 دولة، من أشهر رواياته “العودة إلى حيفا” و”أهل الشمس” و”أرض البرتقال الحزين”.
السيرة الذاتية تقول إن غسان كنفاني وُلد بمدينة عكا في 9 أبريل عام 1936، وعاش وترعرع في يافا حتى مايو عام 1948، حين غادر عكا مع أسرته إلى لبنان، ثم التحق بالجامعة في دمشق، وعمل في الكويت فترة من الزمن.
في عام 1967 شارك في تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وانهمك في الكتابة دفاعا عن قضية شعبه، واصلح متحدثا رسميا باسم ذها التنظيم، وحين قتل كتبت عنه صحيفة ذا ديلي ستار اللبنانية تقول “كان كوماندوز لم يطلق النار بتانا، وكان سلاحه قلم حبر جاف، وساحته صفحات الجريدة”.
جهاز الموساد الإسرائيلي أقر في وقت لاحق بالمسؤولية عن اغتياله، فيما كتبت صحيفة هآرتس في افتتاحيتها يوم 9 يوليو 1972 تقول: “اغتيل كنفاني الرقم 3 في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأحد قادة الجبهة الشعبية في لبنان ومن بين مخططي مذبحة اللد، قتل عندما انفجرت قنبلة في سيارته”، زاعمة في هذا السياق أن ” كنفاني كان بين أولئك الذين خططوا لتجنيد اليابانيين للقيام بالمهمة الانتحارية في اللد”، وهو الهجوم الدامي الذي نفذه ثلاثة أفراد تابعين للجيش الأحمر الياباني في مايو 1972 بمطار اللد، وتسبب في مقتل 26 شخصا.
إسكات الموساد لصوت غسان كنفاني بتلك الطريقة الدموية، يراه بعض الباحثين أنه يأتي في سياق نهج انتقامي إسرائيلي لا يهتم بالتفاصيل، بل يهرع إلى حل سريع بالقتل لغايات، منها الحاجة إلى “تهدئة الرأي العام أو لجمع الأصوات، أو الردع، أو الانتقام، أو إضعاف القيادة الفلسطينية”.
كنفاني كتب الكثير بطريقة لامعة عن جذور القضية الفلسطينية، وتحولت عدة أعمال له إلى أفلام سينمائية، واشتهرت عبارات صدرت عنه، مثل واحدة يقول فيها “سيأتي الوقت الذي تصبح فيه الخيانة وجهة نظر”.
الصحفي والباحث الإسرائيلي داني روبنشتاين، وهو صاحب كتاب نشر في عام 2022 بعنوان ” لماذا لم تدقّوا جدران الخزان؟ غسان كنفاني- أديب المنفى”، يقول عنه: “في إسرائيل، يعتبر أولا وقبل كل شيء إرهابيا… قليلون على دراية بأعماله، لكنه رمز في العالم العربي وبين الشعب الفلسطيني”.
هذا الكاتب الإسرائيلي الشهير يقول إن كنفاني لم يكن على دراية بالمخاطر الأمنية التي تحيق به، و”لم يكن لديه حراس شخصيون. لم يغير محل إقامته وطرق تنقله كما فعل العديد من الفلسطينيين المتورطين في حرب العصابات والأعمال الإرهابية. لم يتخيل أبدا أن إسرائيل تعتبره إرهابيا. في العالمين العربي والفلسطيني، وكان يعتبر ضحية مدنية، أحد ضحايا الصراع الأبرياء في كل عام”.
أما الصحفي إيتان هابر فيرى في مقال نشر في صحيفة يديعوت أحرونوت في عام 2005، أن كنفاني أضيف خطأ إلى قائمة الموت، مضيفا أن “نصف الموساد يعترف اليوم بأن قرار خلق جوا من الردع والخوف بين المجتمعات الفلسطينية في أوروبا أسفر عن ضحايا أبرياء”.
هابر كتب أيضا في هذا السياق يقول: “كان كنفاني أكبر وأبرز من حكم عليهم بالإعدام من قبل “محكمة” غولدا على الرغم من عدم وجود صلة مباشرة له بالإرهاب”.
المصدر: RT