أبرزت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية الواسعة الانتشار، أن الإمارات تعد جزءً رئيسيا في خطة إسرائيل لتهويد القدس المحتلة والترويج لها على أنها “مدينة داوود”.
وذكرت المجلة أن الحكومة الإسرائيلية تريد اجتذاب المزيد من السياح العرب ولهذا أرسلت الزوار إلى موقع أثري في القدس الشرقية مع لمسة خاصة.
وقالت إن إسرائيل لديها خطة لاجتذاب السياح الإماراتيين، وكجزء من تقوية العلاقات الإسرائيلية- العربية بعد اتفاقيات التطبيع بينها وبين عدد من الدول العربية، لكن خطة شمل موقع أثري في القدس الشرقية يديره المستوطنون المتطرفون في جدول الزيارات أثار التوتر والانتقاد من الخبراء الإسرائيليين والفلسطينيين.
وتشير المجلة إلى أن “منتزه مدينة ديفيد الوطني” هو واحد من أكثر الأماكن السياحية شعبية وجدلا، لأنه يقع داخل أسوار القدس القديمة حيث يقول المرشدون السياحيون إن الملك ديفيد حكم وحدثت الأحداث المهمة في التاريخ اليهودي.
ويرى الداعمون للمنتزه، الذي يعتبر موقعها مهما للساسة المتطرفين أن التعلم عن تاريخ الملك ديفيد وسليمان، وهما شخصيتان مهمتان في اليهودية وكذا الإسلام سيكون جذابا للزوار المسلمين.
ويقول المرشد المستقل أري بانيس الذي كان يعمل في “مؤسسة أر ديفيد”، وهي المؤسسة الاستيطانية المتطرفة التي تدير المنتزه وتعرف باسم المختصر العبري “إيلاد”: “هذا أهم موقع مثير في القدس، وبدأ كل شيء من هنا وكان الأنبياء والملوك هنا”.
وظهر المنتزه على جدول زيارات وزارة السياحة الإسرائيلية للزوار من البحرين والإمارات. والمشكلة كما يقول السكان المحليون والنقاد أن المنتزه هو عجلة للتوسع الاستيطاني اليهودي في القدس الشرقية وليس مكانا لتعلم التاريخ الجاد.
وقال الباحث في التاريخ بجامعة بيرزيت نظمي الجعبة “هذه دعاية أن تخبر السياح سردا لا يؤمن به معظم علماء الآثار والمؤرخين الإسرائيليين. ولن يتم خداع العرب فقط هناك ولكن كل من يزوره”.
وأضاف الجعبة “إنه موقع بسرد خاطئ، وهم يسخرون من العلم”.
ويقول السكان المحليون إن المنتزه يعطي منطقا عن الفلسطينيين بأنهم غرباء في مدينتهم بشكل يبرر ضمنيا طردهم. وقال عوض الله مختار، 57 عاما، وهو يقف أمام بيته في وادي حلوة، حيث يقع المنتزه “يجب عليهم ألا يزوروا مكانا يتم فيه تزوير التاريخ”.
وبالنسبة لبعض الفلسطينيين، فلو زار الإماراتيون منتزه وادي حلوة، فسيكون بمثابة خيانة، بشكل يعمق الجرح الذي يشعرون أن الإماراتيين تسببوا به عندما قرروا تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
فقد تجاوز الاتفاق الصيغة التقليدية التي تبناها العرب وربطت التطبيع مع إسرائيل بإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية. وتبدو الأمور في العديد من أحياء القدس الشرقية قاتمة جدا للفلسطينيين.
ويهدف المستوطنون إلى التوغل في الأحياء الفلسطينية وبطريقة غير مسبوقة، كما تقول منظمة السلام الآن. وفي بطن الهوى، الذي لا يبعد سوى مسافة قصيرة عن وادي حلوة، تواجه 78 عائلة فلسطينية إمكانية التهجير من بيوتها وفتح المجال أمام المستوطنين، والمبرر هو أن هذه البيوت كان يملكها يهود قبل قرن، حسب منظمة السلام الآن.
وفي نفس الوقت تستمر نشاطاتمستوطني الضفة الغربية بطريقة سريعة وتوسيع المستوطنات عميقا في المنطقة التي يأمل الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها.
ولم تنضم الإمارات إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في شجب النشاط الاستيطاني والذي يعتبره معظم المجتمع الدولي غير قانوني.
وترى المجلة أن المنتزه الأثري لم يوضع على قائمة زيارات السياح الإماراتيين صدفة، كما يقول الباحث في العلوم السياسية بجامعة بار إيلان مناحيم كلاين “إنهم يحاولون استخدام السياح الإماراتيين للحصول على مصادقة العرب على الرواية الإسرائيلية عن القدس، والتي لا تختلف عن رواية المستوطنين”.
ويتحدى علماء الآثار الرواية الرسمية ويطالبون بإغلاق المنتزه أو على الأقل تجريد “إيلاد” من إدارته. ويتهمونها بأنها شوهت موقعا أثريا مهما لخدمة أجندتها السياسية.
ويقول رافي غرينبرغ، عالم الآثار بجامعة تل أبيب إن ما تتحدث عنه إيلاد عن موقع في المنتزه أنه قصر الملك داوود، مشكوك فيه و”تقوم المنظمة باستخدام علم الآثار لتبييض ما تقوم به. والتقديم العام للموقع بأنه موقع أثري يهدف لجعل الناس الحاليين كدخلاء وغرباء ومفروضين على المكان” و”هي طريقة لجعل السكان الحاليين في الموقع غير شرعيين”.
وتحاول جولات إيلاد السياحية لمدينة داوود التركيز على فكرة أن الأجزاء الفلسطينية في المدينة بما فيها وادي حطين، هي في الحقيقة يهودية.
وهذا المفهوم هو على تضاد مع تسوية حل الدولتين الذي يحبذه المجتمع الدولي، وترفضه إسرائيل التي تعتبر القدس “العاصمة الأبدية غير المقسمة”.
وضمت إسرائيل القدس الشرقية بعد حرب 1967 واعتبرت الاحتلال تحريرا. وكان الانتصار الحاسم في حرب الأيام الستة محلا للحماسة الوطنية والاستحقاق التوراتي الذي يتردد في المناطق الفلسطينية.
وتحتوي النسخة التي تقال أثناء الجولات السياحية على مغزى مسياني أو قيامي، وهي نفس السرد الذي ينشره المستوطنون أنفسهم. وجزء من هذا السرد هو المعبد الثاني الذي أقيم بجانب المنتزه الحالي ودمره الرومان في عام 70 بعد الميلاد أثناء الانتفاضة اليهودية.
ويعتقد بعض الإسرائيليين أن المعبد سيعاد بناؤه على المكان المقام عليه ثالث الأماكن المقدسة في الإسلام، المسجد الأقصى. وهم يرون أن توسيع المستوطنات هو جزء من هذه العملية.
ولا يتوقف حنق مختار على التوغل الاستيطاني في القدس، بل وعلى هدم إسرائيل في 10 حزيران/يونيو 1967 لحي المغاربة التاريخي والذي يعود إلى القرن الثامن وأقامت مكانه ساحة لحائط البراق والتي اعتقدت أنها جزء من المعبد الثاني.
وكانت هناك ضحية واحدة وهي جدة مختار، رسمية الطبقي التي أخرجت من بين الأنقاض شبه فاقدة للوعي بعدما انهار بيتها عليها وماتت لاحقا.
وبعد 54 عاما يشعر مختار بالضغوط من الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين الذين يطلقون على شارعه “مصعد الملك داوود” وكل الحي “مدينة الملك داوود”.
ويعيش حوالي 500 مستوطن بين 6.000 فلسطيني في وادي الحلوة. ويقول دانيال سيدمان، المحامي اليهودي ومدير منظمة “القدس الدنيوية” وهي منظمة غير ربحيةتدعم ترتيبات حل الدولتين في المدينة “تقوم استراتيجية المستوطنين على إعادة المملكة التوراتية حول المدنية القديمة” و”فعلوا هذا من خلال القتال على كل بيت، وسيطروا على البيوت بطريقة قانونية وشبه قانونية وغير قانونية ويواصلون تشريد الفلسطينيين لتحويل “وادي حلوة” إلى امتداد للحي اليهودي” في المدينة القديمة.
ويشعر الفلسطينيون بالضغط لمغادرة الحي.
ويقول هشام صيام، 63 عاما “أشعر أن الحي يتغير من عربي إلى يهودي”. و”المنتزه والآثار هي جزء من محاولة طرد العرب والقول إن هذه هي مدينة داوود”. وأشار مثل بقية السكان للتصدعات التي أصابت جدران بيته بسبب حفر الأنفاق تحته.
ويقول كلاين من جامعة بار إيلان إن تنظيم جولات للسياح الإماراتيين إلى “مدينة ديفيد” هي محاولة من إسرائيل لإقناعهم بتهميش الفلسطينيين كما فعلت حكومتهم. ويقول “وافقت الإمارات والبحرين على التطبيع مع إسرائيل مع النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني الذي لم يحل” و”رأت إسرائيل في هذا تعبيرا عن استعداد العرب لتهميش القضية الفلسطينية”.
والآن، تريد إسرائيل دفع السرد حول القدس وتقديمه للسياح الإماراتيين “ليس هذا بين الحكومات، ولكنهم يريدون توسيعه للشعب الإماراتي والزوار منهم ويريدون تشكيل عقول الإماراتيين”.