تحدثنا فى مقال سابق جاء تحت عنوان “الحوادث الزوجية والمجتمع (1).. التهويل والتعميم فيهما ظلم عظيم” حول ما يتم تداوله على منصات السوشيال ميديا لعدد من الجرائم العائلية، وحال الأسرة في عصر الحداثة، وتصوير الأمر بأن الأزواج يقتتلون وفى معركة حامية الوطيس، وأكدنا أننا لا ننكر تزايد ولا تنامى هذه الجرائم، ولكن ليس من المعقول ولا من المنطق أن نعمم على مجتمع تعداد سكانه قرابة الـ104 ملايين نسمة، ويكون هذا حاله، مطالبين بمواجهة الظاهرة من باب أن الأسرة عماد المجتمع، وإحداث حالة من السلام المجتمعى.
لذا، يجب على الأفراد وكافة المؤسسات، التعامل مع مثل القضايا والظواهر من باب الوقوف بالمرصاد والمسئولية المجتمعية لتأثيراتها الخطرة على المجتمع، وأول هذه الجهود الواجب بذلها ترسيخ ثقافة المحبة والرحمة والسلام والحوار، في ظل تراجع أخلاقى نحن لا ننكره، أبرز تراجع في السلوكيات بين الناس لعوامل كثيرة، أهمها انشغال الأسرة عن الدور المنوط بها في تربية الأبناء والحفاظ على مسكن الزوجية.
لكن بدلا من الانجراف والانحراف الحادث على منصات السوشيال ميديا بشأن الحوادث الزواجية، والذى يؤدى قطعا إلى تشويه الأسرة، وخسارة ما تبقى منها، علينا أن نعلم أنه قد باتت الحاجة ملحة لاستعادة دورة الأسرة الحقيقى، ومحاولة النهوض بها وتقويمها، وغرس الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة المستمدة من ثقافتنا النقية وشرعنا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا المجتمعية المنضبطة التي توارثناها جيلا وراء جيل، لأن مكمن الخطورة في التعامل مع هذه الظاهرة بالتهويل وبالتعميم كما هو حادث على منصات السوشيال ميديا سيعبث قطعا في المنظومة الأخلاقية للمجتمع مما يؤدى إلى عواقب وخيمة وكارثية كزيادة الشقاق بين أفراد الكيان الواحد، والنفخ في نيران الكراهية والتعصب، فنعم لا تهوان ولا تهويل، فثبات القيم الأخلاقية ونظافة وطهارة سلوكيات الأفراد كفيل بنشر السلام والمحبة وتحقيق الأمان وإحداث التعايش في المجتمع مهما اختلفت فيه العقائد والأديان.
فالبناء الأسرى يا سادة، إذا تم على أسس من الصحة والسلامة يخلق مجتمعا صالحا ويساهم فى رقى الوطن واستقرار المجتمع، فلكم أن تتخيلوا عظمة الأسرة التي يعتبر دورها الرئيسى اكتشاف مهارات الفرد وتنمية معارفه، وتشكيل كيانه ووجدانه، بل أنها هي من تغرس في الفرد الولاء والانتماء والوطنية والاتجاهات الرشيدة، فبضياعها أو تشويهها أمر جل خطير سواء على الكيان الغير بل يمتد إلى الأمن المجتمعى والقومى، فحقا شأنها عظيم وبنجاحها تنهض الأمم وتسعد المجتمعات وتكثر النوابغ، فوراء كل عظيم أسرة عظيمة.
وختاما، نستطيع القول، إنه يجب أن لا ننساق وراء تهويل مواقع التواصل الاجتماعى بشأن الجرائم العائلية، فنعم ندرس ونفهم لنحد من مخاطرها وأخطارها لكن نضعها في موضعها السليم، وأن لا ننسى قول الله جل شأنه “يَا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ”، وقال تعالى “ومن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ”، وقال سبحانه: “سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ”..
بقلم أحمد التايب