ما أن يحلّ الظلام على بلدة بيتا، إلى الجنوب من مدينة نابلس، شمال الضفّة الغربية المحتلة، حتى تصدح مكبّرات الصوت في المساجد بآيات قرآنية، ثم تعلو تكبيرات وهتافات مئات الشبان من أبناء البلدة، وهم يقتربون من قمّة جبل صبیح، الذي أقام عليه المستوطنون، قبل أكثر من شهر، بؤرة استيطانية أطلقوا عليها اسم “أفتار”. ويحاول أهالي بيتا، إخافة المستوطنين وإرباك جنود الاحتلال الإسرائيلي، الذين يتولون حراسة المكان، في فعاليات تحاكي تجربة “الإرباك الليلي” التي ابتكرها أهالي قطاع غزة، خلال المسيرات السلمية التي نظموها على حدود القطاع، قبل أعوام. ولا تنتهي خطّة سكّان بيتا عند هذا الحد. فمع تقدم الليل، تتزايد أعداد الزاحفين إلى النقطة الأقرب من الجبل، والذين يقومون بإشعال الإطارات المطّاطية، كما يحاولون الوصول إلى أعمدة الكهرباء لقطع التيار الكهربائي والإنارة عن المنطقة بأكملها. ويصاحب ذلك إطلاق هتافات ثورية، في محاولة لبث الخوف في قلوب المستوطنين.
إرباك ليلي حتى الرحيل
تحاكي هذه الفعاليات أسلوب “الإرباك الليلي” الذي يستخدمه أهالي قطاع غزة ضد جنود الاحتلال والمستوطنين على الشريط الحدودي. واعتمد أهالي بيتا الأسلوب ذاته، لإشعار المستوطنين بعدم الأمان ودفعهم إلى الرحيل.
الفرقة الأخطر، هي تلك التي تغامر وتحاول الاقتراب أكثر من بيوت المستوطنين. ويقول الشاب عنهم: “هؤلاء صدقاً فدائيون، لديهم إقدام وشجاعة لا توصف. حفظوا الطريق إلى قمّة الجبل عن ظهر قلب. يتسللون بين الأشجار ويصعدون بهدوء تام لعدم لفت أنظار جنود الاحتلال المنتشرين بكثافة في محيط البؤرة من كلّ الاتجاهات، وعندما يصلون إلى نقطة قريبة جداً من البيوت، يشعلون النار في الأعشاب هناك لتعلو ألسنة اللهب. وفي إحدى المرّات، تمكنوا من حرق بيت متنقل (كرفان) يعود لأحد المستوطنين”. وللتغطية عليهم، يعمد شبّان إلى قطع أسلاك الكهرباء ليحل الظلام الدامس في الموقع برمتهز وبالتزامن، يبدأ فريق ثالث بتسليط أشعة الليزر على البيوت البعيدة، لتشتيت انتباه المستوطنين والحراس.
أساليب جديدة
استفاد الشبان في بلدة بيتا كثيراً من تجربة “الإرباك الليلي” في غزة، والتي تابعوا حولها عشرات الفيديوهات. ويقول الشاب ب. ش.، في حديث مع “العربي الجديد”، إن “أكثر ما يخيف المستوطنين وجنود الاحتلال هو التكبيرات والآذان، ونحن نتعمد جعل الصوت مرتفعاً جداً، ونلاحظ مدى ارتباكهم، إذ يصاب جنود الاحتلال بتوتر شديد ويسارعون إلى إلقاء القنابل المضيئة للكشف عن محيط المنطقة، وإطلاق النار على كل ما يتحرك، ولو كان حيواناً”.
ومن أساليب الإرباك الليلي كذلك، إغلاق الطرق الفرعية الموصلة إلى البؤرة الاستيطانية “أفتار”، إما بالحجارة الكبيرة أو بالسواتر الترابية، أو بحفر تلك الطرق لإعاقة تقدم مركبات المستوطنين. كما يعمد الشبان إلى إطلاق الألعاب النارية وتسليط أضواء الليزر على البيوت الاستيطانية ليلاً. ويشير الأهالي إلى أنهم في إحدى المرات سمعوا أصوات المستوطنين وصرخاتهم، طالبين النجدة من جيش الاحتلال والإطفاء لإنهاء الكابوس الذي عانوه، نتيجة إشعال الإطارات في أكثر من منطقة حول البؤرة الاستيطانية.