موقع مصرنا الإخباري:
بينما أعلن مركز الحرية للإبداع بالإسكندرية نتيجة مسابقة “الكورونا في عدسات المبدعين” التي شاركت في لجنة تحكيمها مع كاتبي السيناريو المرموقين: عاطف بشاي ومحمد عبد الخالق، كنت أفكر في محاولات التحدي الدؤبة لمواجهة جائحة كورونا والإصرار على الحياة بالرغم من قسوة الوباء الذي اجتاح الكون بأكمله.
المسابقة التي أقامها المركز برئاسة د. وليد قانوش وتنسيق المخرجة د. دينا عبد السلام، هي إحدى محاولات التصدي لهذا الظرف الكوني، بما حمله من تداعيات شرسة، منها نكوص الأحوال السينمائية، وهي الأحوال التي شهدت الكثير من التوتر إثر إنتشار الوباء، حيث أغلقت دور العرض السينمائي، وتعثرت المهرجانات، وتعطلت صناعة السينما محلياً وعالمياً، كما انخفضت مبيعات شباك التذاكر العالمي مليارات الدولارات.
من هذه الزاوية تعد المسابقة حالة ثقافية وفنية، تؤكد أن المشهد السينمائي محتاج إلى مزيد من النشاطات المتنوعة، ويمكن اعتبارها حيّز مطلوب للتواصل ما بين صناع أفلام يبحثون عن نافذة صغيرة لعرض أعمالهم المهمومة بالفضاء الإنساني عموماً، متجاوزة فكرة القيمة المادية البسيطة للجائزة (خمسة عشر ألف جنيهاً)، والتي أتمنى أن تزداد في مسابقات أخرى، كنوع من الدعم والتشجيع لشباب لديهم الطموح الواسع في تشكيل الخارطة السينمائية بعلامات بارزة.
من بين 15 فيلماً هي عدد الأفلام التي اشتركت في المسابقة، وعبرت عما غيرته كورونا في المجتمع والحياة عموماً، بحس جديد قادر على المثابرة والمقاومة، وبإمكانيات ضئيلة في أغلبها، بعضها اعتمد التصوير بـ”الموبايل”، فاز فيلم (القاهرة سيمفونية مدينة) إخراج محمود سالم بعشرة ألاف جنيهاً، بينما فاز فيلم “ Quarantine 2020” إخراج سارة حجاج بخمسة آلاف جنيهاً، توزعت الجائزة بين الفيلمين بما قدماه من رؤية بصرية ومضمون درامي متماسك.
ذكرني الفيلم الأول بـ” برلين سيمفونية مدينة عظيمة”، الفيلم الوثائقي الصامت الذي أخرجه فالتر روتمان في العام 1927، متناولاً في مشاهد متسارعة ومتناغمة الحياة اليومية في برلين، الموسيقى هي البطل الذي يحرك الصورة، فتجربة تقديم فيلماً تسجيلياً يعتمد الموسيقى محوراً محركاً للحدث ليس بالأمر الجديد، لذا جاء فيلم “القاهرة سيمفونية مدينة” امتداداً لهذه الفكرة، غنياً بالتفاصيل البصرية، المعبرة عن واقع وانفعالات وتفاصيل عشناها جميعاً، كأنه يعيد اللحظة التي اختبرناها وكأننا نشاهد أنفسنا الآن، مرتكزاً على إعداد موسيقي من سيمفونيات متنوعة لبيتهوفن، جيوسيب تارتيني، كلود ديبوسي، جورج قلته، ليصبح وثيقة تاريخية ، نظرة ثاقبة لأنماط الحياة والمعيشة في القاهرة عند بداية الوباء وخلو الشوارع من البشر إلا قليلاً، مستخرجاً من الواقع صورة جمالية تحرر المشاهد من إيقاع الخوف والوجع، متجنباً تماماً السرد التقليدي، بما يشير إلى أهمية تنوع الشكل السينمائي، كما يستند في بنائه الدرامي على الأمل، إيماناً بفكرة أن هذا العالم يستحق الخلاص من هذا الوباء، واستبدال كوابيسه وضبابيته وتشوشه المعتم بأمال وآفاق أوسع، وهو ما دلل عليه في نهاية الفيلم بنظرة الناس خلف الـ”ماسك” بأعين مفعمة بالتمني.
أما فيلم “ Quarantine 2020”، فقد اختصر مسار درامي لحكايات عادية، عشناها جميعاً تقريباً، حيث تحول القلق والخوف إلى رغبة في اكتشاف الحياة بشكل مختلف، يتحاشى قسوة الواقع، هذا ما فعلته هذه الفتاة ببساطة وشفافية وواقعية وصدق، غيرها من حالة المحجوزة في الحجر الذي يفرض سلوكاً وكلاماً معيناً، إلى فتاة أخرى تعيد علاقتها ببيئتها وما ضيها وتتواصل مع حاضرها بشكل مختلف، أكثر تفهماً وإنسانية.
في نفس الاتجاه تقريباً اختارت المخرجة ريم قنصوة في فيلمها “أبيض وأسود بالألوان” أن تنسج حبكة متكاملة عن واقعها أثناء الحجر، وتدعمه بالذكريات التي تؤنسن الحياة وتلونها، بما يعيد لها بهجتها المفقودة، لذا حصل الفيلم على تنويه خاص وشهادة تقدير، وهو نفس التنويه والتقدير الذي حصل عليه الفيلم التونسي “ Earth is home” إخراج Noomen Noomen الذي قدم تجربة متماسكة تطرح السؤال: ماذا سيقولون عنا بعد مائة عام؟ وكيف سيكون شكل الأرض، مقارناً الأمر بما حدث في السابق مع الانفلونزا الاسبانية، أما ” في انتظار الشروق” إخراج محمد الطايع، الحاصل على التنويه وشهادة التقدير الثالثة، فإنه تناول هذه اللحظة الكابوسية التي يعيشها العالم بنظرة فلسفية تجمع بين الموت والحياة.
يبقى أن الأفلام الخمسة الفائزة هي جزء من أفلام حاولت أن تحضن فكرتها عن هذه الحياة المثيرة للقلق، بما لا يسمح بغياب الأشياء الجميلة، فكل لقطة بدت كأنها رهان على أمل، لا تيقتله قلق أو خوفوإنما تستدعي المعاني الطيبة والمراهنات والأحلام.
بقلم
ناهد صلاح