يكابد المواطن الغزي عبد ربه عدوان مشاق شديدة لتوفير المياه لأسرته ولأسرتين لجأتا إلى منزله في مدينة رفح جنوب قطاع غزة يوم الجمعة الماضي بعد نزوحهما من مدينة غزة إثر إنذار وتهديد إسرائيلييْن لسكان مدن شمال القطاع تدفعهم للنزوح إلى المدن والمخيمات في نصفه الجنوبي. ويقيم حاليا نحو 50 فردا في منزل عدوان، بينهم أسرته المكونة من 24 فردا، جلهم من النساء والأطفال، ويواجهون مع نحو مليوني فلسطيني في القطاع الساحلي الصغير مخاطر العطش لعدم توفر مياه الشرب جراء قرار اتخذته إسرائيل مع بدء عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري بقطع إمدادات الكهرباء والمياه والوقود. وتوقفت السلطات المحلية في غزة عن ضخ المياه (المالحة) من الآبار إلى المنازل بسبب نفاد الوقود، ولم يبق لدى الأسر في أغلبية مناطق القطاع أي مصدر للمياه، سواء للشرب أو للاستخدامات المنزلية الأخرى. وأعلنت وزارة الداخلية -التي تديرها حركة حماس في غزة- أمس الاثنين أن القطاع يعاني أزمة حادة جدا في توفير مياه الشرب في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي، ودحضت مزاعم الاحتلال باستئناف ضخ مياه الشرب للمنطقة الجنوبية من القطاع. وقال الناطق باسم الوزارة إياد البزم إن الاحتلال لم يضخ أي لتر من مياه الشرب إلى أي من محافظات القطاع لليوم العاشر على التوالي، مما دفع المواطنين إلى شرب مياه غير صالحة تجعلهم عرضة لأزمة صحية خطيرة تهدد حياتهم. يذكر أن وزير جيش الاحتلال الاسرائيلي يوآف غالانت قرر في 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري (ثالث أيام العدوان الإسرائيلي على القطاع) فرض حصار شامل ومشدد على القطاع بقوله “لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود”، وبموجب ذلك أوقفت شركة إسرائيلية إمدادات مياه الشرب التي تصل إلى بعض مناطق القطاع، خاصة في المنطقة الوسطى وشرقي مدينتي رفح وخان يونس جنوبي القطاع. أغلبية الآبار الجوفية لا تصلح للاستخدام البشري لكن أهل غزة لا يملكون ترف اختيار مصدر المياه (رويترز) حصار مائي مطبق بدوره، يقول المواطن عبد ربه عدوان للجزيرة نت إن أزمة انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود تسببا بإحداث خلل في برنامج توزيع المياه من الآبار الجوفية إلى المنازل، بتزامن مع توقف شبه تام لسيارات نقل وبيع مياه الشرب من محطات التحلية الخاصة بفعل نفاد الوقود ومخاطر التجول في الشوارع، ومياه الآبار الجوفية مياه مالحة تستخدم للاستخدامات المنزلية والنظافة الشخصية. وبحسب عدوان، منذ بداية العدوان الإسرائيلي الذي دخل يومه الـ11 وصلت المياه المالحة منزله مرتين فقط، آخرها أمس الاثنين، ولم يستطع تعبئة الخزانات المنزلية لضعف المياه في الخطوط الرئيسية وعدم توفر الكهرباء أو الوقود من أجل تشغيل مولد سحب وضخ المياه إلى الخزانات على سطح المنزل. وبصعوبة بالغة ومعاناة شديدة وبسعر مضاعف تمكن عدوان من توفير كمية من المياه تكفي أسرته والنازحين في منزله ليومين فقط، ولا يعلم هل سيتمكن من ذلك مرة أخرى. ويتزاحم المواطنون على آبار للمياه المالحة والقليل من محطات التحلية التي لا تزال تعمل بالحد الأدنى، لتعبئة “غالونات” بلاستيكية بالكاد تفي باحتياجاتهم اليومية، والبعض منهم اضطروا إلى شرب المياه المالحة وغير المعالجة، بحسب رئيس بلدية خان يونس المهندس زهدي الغريز. وأكد الغريز للجزيرة نت أن أغلبية سكان غزة لم يعودوا في حالة ترف للسؤال عن نوعية المياه في ظل انقطاع كل مصادر المياه عن 90% من المنازل، حتى اضطر كثيرون إلى شرب مياه مالحة وغير معالجة، مما ينذر بأزمة صحية خطيرة. أزمة حادة تنذر بكارثة بدورها، حذرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) السبت الماضي من أن أكثر من مليوني شخص في القطاع يواجهون خطر نفاد المياه بسبب الحصار الإسرائيلي المطبق. بالمقابل، يرى رئيس بلدية خان يونس زهدي الغريز أن أزمة المياه ليست وليدة هذا العدوان، لكنه زاد حدتها، معتبرا أن القطاع يعاني عبر سنوات طويلة من ندرة المياه الصالحة للشرب والاستخدام البشري. وقال الغريز -الذي يشغل أيضا منصب مساعد رئيس “لجنة الطوارئ” الحكومية في غزة- إن المدينة تواجه أزمة جفاف حقيقية، وأكثر من مليوني فلسطيني معرضون للموت بالصاروخ أو بالعطش، مؤكدا غياب أي نوع من المياه متاح للبشر والشجر، وحتى المياه المالحة المستخدمة للنظافة الشخصية والعامة. وفي وصفه للأزمة الإنسانية الحادة التي تعصف بالقطاع، يقول المتحدث ذاته إن كل شيء يموت في غزة شيئا فشيئا، وكافة مرافق الحياة وقطاعاتها في حالة شلل تام، منذرا بقرب انتهاء وقود الطوارئ لسيارات الإسعاف والدفاع المدني أيضا. وبشأن ما تبقى من محطات مياه محلاة لا تزال تعمل بالحد الأدنى وبواسطة الطاقة الشمسية، يقول الغزير إنها تنتج من 10 إلى 15 ألف كوب يوميا، في حين يحتاج سكان القطاع لنحو 300 ألف متر مكعب، أي ما يعادل 3 ملايين لتر يوميا. وللمياه ثلاثة مصادر رئيسية في القطاع، هي: الآبار الجوفية، لكن ما نسبته 97 إلى 99% منها غير صالحة بالمطلق للاستخدام البشري نظرا لشدة ملوحتها. مياه الشرب عبر الخطوط الإسرائيلية، وتضخ 18 مليون متر مكعب بالسنة. محطات التحلية الثلاث في شمال القطاع ووسطه، وتنتج مجتمعة من 4 إلى 5 ملايين متر مكعب بالسنة. وقال رئيس البلدية الغريز إن 22 مليون متر مكعب تنتجها المصادر الثلاثة لا تفي بحاجة سكان القطاع الذين يسدون النقص باستخدام مياه غير صالحة من الآبار الجوفية، وجميع هذه المصادر متوقفة تماما منذ 10 أيام. وللتخفيف من وقوع الكارثة اضطرت بلدية خان يونس وغيرها من بلديات القطاع إلى تسيير سيارات تابعة لها على متنها مولدات، لتعبئة خزانات المنازل في الأحياء المكتظة من آبار خاصة لمواطنين مياهها مالحة وغير معقمة ولا تصلح للاستخدام البشري، وأصبح العثور عليها بالنسبة للأغلبية في زمن العدوان “مهمة مستحيلة”.
المصدر : الجزيرة