صفقة تحرير أو جحيم.. إسرائيل تهدد غزة بـ”عربات جدعون”

موقع مصرنا الإخباري:

صفقة تحرير أو جحيم.. إسرائيل تهدد غزة بـ”عربات جدعون”

 

في ساحة الدم والمفاوضات، تتأرجح غزة بين كفتيّ نذر حرب كاسحة ومقايضات محفوفة بالغموض، لكن الثابت في المشهد أن غزة تعيش مجددًا على حافة بين الإبادة أو النزوح، وأن موازين الدماء تترنح على أعتاب قرار سياسي وعسكري في آن واحد.

وهذه المرة أعلنت دولة الاحتلال قرارًا مدويًا محاطًا بشعارات دينية وتكتيكات عسكرية، حمل اسمًا مثقلًا بدلالات تاريخية وهو “عربات جدعون”، و في ظل زيارة مرتقبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، تسابق حكومة الاحتلال الزمن بين خيارين إما إتمام صفقة وفق شروطها أو بدء عملية عسكرية هي الأوسع منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023.

خطة موسعة

نقلت هيئة البث العامة الإسرائيلية، اليوم الاثنين، عن مصادر مطلعة أن مجلس الوزراء الأمني المصغر برئاسة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، منح موافقة رسمية على عملية عسكرية جديدة ضد قطاع غزة، تحمل اسم “عربات جدعون”.

ووفقًا لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، فإن هذه العملية ستمضي قدمًا في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المحتجزين قبل انتهاء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، والمقررة بين 13 و16 مايو الجاري.

وبحسب مصدر أمني إسرائيلي رفيع، فإن المناورة البرية لن تبدأ إلا بعد مغادرة ترامب للمنطقة، وذلك لتفادي تعقيدات دبلوماسية مع واشنطن، في المقابل، ستعمل دولة الاحتلال خلال هذه الفترة على استكمال الاستعدادات اللوجستية والعسكرية، وتوسيع نطاق سيطرتها التدريجية في غزة، وفق موقع “واي نت” الإسرائيلي.

تطهير ممنهج وإجلاء قسري

وحسب هيئة البث العامة الإسرائيلية، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي لن يكرر تجربة انسحاب 2005 من غزة، بل سيسعى هذه المرة إلى البقاء في المناطق التي سيتم “تطهيرها”، وفق تعبيره، وسيتعامل الجيش مع تلك المناطق على غرار ما حدث في مدينة رفح الفلسطينية، التي تم تطويقها وتحويلها إلى ما وصفه بـ”منطقة معقمة”، تمنع وجود عناصر من حركة حماس داخلها.

وفي خطوة تهدف إلى تضييق الخناق على الحركة، كشف موقع “واي نت” عن تفاصيل خطة إنسانية وافق عليها مجلس الوزراء الإسرائيلي، تنص على تقديم مساعدات لسكان القطاع من خلال شركات مدنية مستقلة عن حماس، وتحت إشراف مباشر من الجيش الإسرائيلي، وسيتم إنشاء ممرات مخصصة لإيصال المساعدات إلى مناطق جنوب القطاع بعد تنفيذ عمليات الإجلاء القسري للسكان.

صفقة المحتجزين

في سياق متصل، كشف المصدر الأمني أن إسرائيل ترى في الفترة الزمنية التي تسبق زيارة ترامب “فرصة سانحة” لإبرام صفقة مع حركة حماس، تقوم على إطلاق سراح المحتجزين مقابل تهدئة محددة، وجرى تشبيه هذه الصفقة المحتملة بـ”نموذج ويتكوف”، في إشارة إلى صفقات تبادل سابقة أنجزتها إسرائيل مع أطراف معادية.

وأشار إلى أنه في حال لم تثمر الجهود عن نتائج ملموسة، فإن الجيش سيمضي قدمًا في تنفيذ عملية “عربات جدعون”، دون تراجع، وبقوة نارية كبيرة تهدف إلى تفكيك قدرة حماس على الحكم والمقاومة.

تحذيرات عسكرية

غير أن التوجه نحو عملية برية موسعة لم يمر دون معارضة داخلية، خصوصًا من عائلات المحتجزين الذين اعتبروا أن الحكومة “تتخلى عنهم لصالح أراضٍ مدمرة”، ووصفت قيادة منتدى عائلات المحتجزين الخطة بأنها “خطة سموتريتش – نتنياهو”، في إشارة إلى وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، معتبرة أنها تهدد وحدة الشعب وتخالف إرادة أكثر من 70% من الإسرائيليين.

كما حذّر رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية إيال زامير خلال اجتماع أمني رفيع المستوى، من أن التوسع في العمليات قد يؤدي إلى فقدان حياة المحتجزين، وقال في اجتماع مع نتنياهو والوزراء: “ضعوا في اعتباركم أننا قد نخسر المحتجزين في أي مناورة واسعة النطاق”، يأتي ذلك في تناقض مع تصريحات نتنياهو بأن “الهدف النهائي هو هزيمة حماس”.

تعبئة غير مسبوقة للاحتياط

وفي مشهد يعكس جدية التحضيرات، بدأ الجيش الإسرائيلي بتوزيع عشرات الآلاف من أوامر الاستدعاء من الدرجة الثامنة على جنود الاحتياط، بهدف دعم الوحدات البرية في غزة، ومن المنتظر أن تحل هذه القوات مكان الوحدات النظامية المنتشرة على الحدود الشمالية وفي الضفة الغربية، بحيث تتفرغ الأخيرة للقيادة الميدانية للهجوم على القطاع.

وبحسب “بي بي سي”، فإن العملية ستتم على مراحل تمتد لأشهر، تبدأ بالسيطرة على مناطق إضافية من غزة، وتوسيع ما يُعرف بـ”المنطقة الأمنية العازلة”، التي ترمي إلى تأمين التجمعات السكانية الإسرائيلية ومنع تهريب السلاح إلى داخل القطاع.

خطة التهجير الجماعي

الخطة الإسرائيلية، بحسب “بي بي سي”، تتضمن أيضًا تهجير نحو 2.1 مليون فلسطيني من شمال القطاع إلى جنوبه، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة من المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة، فقد اعتبرت الخطة “انتهاكًا صارخًا للمبادئ الإنسانية الأساسية”، وأعلنت رفضها التعاون مع أي آلية تضع توزيع المساعدات تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي.

ووفق فريق العمل الإنساني في فلسطين، فإن الخطة قد تدفع المدنيين إلى “المناطق العسكرية للحصول على الغذاء، وتعرض حياتهم للخطر، بما في ذلك حياة العاملين في الإغاثة”، وأضاف البيان أن هذه الاستراتيجية “تستخدم الجوع والدواء كسلاح في حرب لا تميز بين مقاتل ومدني”.

معادلة الدم

منذ استئناف الهجوم الإسرائيلي في 18 مارس، عقب وقف إطلاق النار الذي دام شهرين، استشهد أكثر من 2,459 فلسطينيًا، وفق وزارة الصحة في غزة، ويصل عدد الشهداء الفلسطينيين الإجمالي منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023 إلى أكثر من 52,567 قتيلًا، في ظل تدهور متسارع للوضع الصحي والإنساني.

وفي المقابل، لم يتم تحرير أي من المحتجزين الـ59 المتبقين، ما يضع مصداقية الحكومة الإسرائيلية على المحك، خصوصًا في ظل التصعيد المستمر وعدم وجود مؤشرات على حل سياسي قريب.

اسم العملية الجديدة

في غضون ذلك، أفادت “القناة 14 الاسرائيلية” بأن “اسم العملية الإسرائيلية الجديدة في غزة التي صادق عليها الكابينيت هو “عربات جدعون”. ولهذا الاسم دلالات دينية وتاريخية وعسكرية مقصودة.

لـ”عربات جدعون” معنى رمزي، فـ”جدعون” هو شخصية توراتية من سبط منسّى، عُرف بأنه قاد مجموعة صغيرة من المقاتلين وانتصر على جيش المديانيين الأكبر عددًا عبر حيلة وخطة عسكرية ذكية، بحسب النص التوراتي (سفر القضاة). في اللاهوت العسكري الصهيوني، يُمثل جدعون رمزًا للنصر من موقع ضعف أو قلة عدد، والاعتماد على “الشرعية الإلهية” في القتال.

وكلمة “عربات” تشير إلى مركبات القتال الحربية القديمة، وهي رمز للقوة والتحرك السريع والانقضاض. وفي السياق الحديث، قد تشير إلى الدبابات أو التقدم التكنولوجي العسكري.

سبق أن أطلقت إسرائيل على إحدى عملياتها في النكبة عام 1948 اسم “عملية جدعون”، التي هدفت إلى السيطرة على منطقة بيسان (بيسان الفلسطينية) وطرد سكانها الفلسطينيين. إطلاق اسم “عربات جدعون” اليوم قد يشير إلى صدى تاريخي مع عمليات الطرد والهيمنة السابقة، ما يعزز الطابع الاستعماري-الإحلالي للاسم.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى