الإنسان أم الخرسانة؟ إعادة التفكير في سياسات التنمية في مصر
في السنوات الأخيرة، شهدت مصر تحولات كبيرة على مستوى البنية التحتية، كان أبرزها مشروع تفريعة قناة السويس الجديدة. المشروع الذي رُوِّج له على أنه نقلة نوعية ستُحسن من الأوضاع الاقتصادية، قوبل بترحيب كبير في البداية، لكنه أثار مع مرور الوقت الكثير من الانتقادات والأسئلة حول جدواه الحقيقية.
التفريعة الجديدة لقناة السويس، التي كلفت مصر مليارات الدولارات، كان من المفترض أن تضاعف من إيرادات القناة وتعزز مكانتها كممر ملاحي دولي. ومع ذلك، لم تحقق التفريعة النتائج المرجوة بالقدر الذي تم الترويج له. في الوقت نفسه، ازدادت ضغوط الحياة على المواطن المصري، في ظل تراجع مستوى الخدمات العامة، وخاصة التعليم.
في هذا السياق، تتجلى مقارنة مثيرة بين مصر والنرويج. النرويج، الدولة التي لا تمتلك قنوات مائية كبرى مثل قناة السويس، تعتمد على استثماراتها في قطاعات أخرى لتحقيق إيرادات ضخمة. أحد أبرز هذه القطاعات هو تربية الأسماك، حيث تصدر النرويج سنويًا كميات هائلة من سمك السالمون المستزرع، محققةً إيرادات تقدر بنحو 11 مليار دولار. هذه الإيرادات تفوق بكثير ما تجنيه مصر من قناة السويس، مما يطرح تساؤلات حول الأولويات الاقتصادية والسياسية في مصر.
يبرز هذا المثال كيف يمكن للاقتصادات الصغيرة نسبياً أن تنجح من خلال استثمارها في التعليم والابتكار. في النرويج، تم بناء قطاع تربية الأسماك على أسس علمية وتعليمية قوية، مما أتاح لها أن تصبح من رواد العالم في هذا المجال. في المقابل، يعاني الاقتصاد المصري من اعتماد مفرط على مشاريع البنية التحتية الكبرى، مثل تفريعة قناة السويس، دون أن يكون هناك استثمار كافٍ في رأس المال البشري.
النقد الموجه إلى الحكومة المصرية هنا ليس مجرد انتقاد للبنية التحتية، بل هو اعتراض على الفلسفة الاقتصادية والسياسية التي تعطي الأولوية للأصول المادية والخرسانة على حساب الاستثمار في الإنسان. التعليم، الذي يُعتبر الركيزة الأساسية لأي تنمية مستدامة، لم يحظَ بالاهتمام الكافي في مصر خلال السنوات الأخيرة. بدلًا من ذلك، تم توجيه الموارد نحو مشاريع قد لا تحقق العائدات الاقتصادية المرجوة.
في ظل هذه الأوضاع، يشعر المواطن المصري بالإحباط والخيبة. ففي الوقت الذي تُبنى فيه المشاريع الضخمة، تظل المدارس والمستشفيات تعاني من نقص التمويل والتطوير. بينما يركز النظام الحاكم على البنية التحتية كرمز للتقدم، يتجاهل أن الإنسان، بتعليمه وتطوير مهاراته، هو العامل الحقيقي لتحقيق التقدم والازدهار.
تجربة النرويج تقدم درسًا مهمًا: الاستثمار في الإنسان وتعليمه يمكن أن يكون أكثر ربحية وفائدة من أي استثمار في الخرسانة والبنية التحتية. وفي الوقت الذي تستمر فيه الحكومة المصرية في الانشغال بالمشاريع الضخمة، يظل التعليم وتنمية الإنسان على هامش الأولويات، مما يثير تساؤلات حول المسار الذي تسلكه مصر لتحقيق التنمية المستدامة.
في النهاية، يجب على النظام المصري أن يعيد التفكير في أولوياته. لا يمكن تحقيق التنمية الحقيقية من خلال التركيز على المشاريع المادية فقط، بل يجب أن يكون الاستثمار في الإنسان هو الأساس. حينها فقط، يمكن لمصر أن تحقق التقدم والازدهار الذي يتطلع إليه شعبها.
بقلم أحمد آدم