موقع مصرنا الإخباري:
في رقعة الشطرنج الواسعة للسياسة العالمية، تم صقل موقف روسيا الاستراتيجي تحت توجيهات الرئيس فلاديمير بوتین، فبرز كعنصر أساسي في موازنة النفوذ المتوسع للقوى الغربية. ويتجلى هذا بشكل خاص في الرد على تصرفات الدول الأميركية والأوروبية، وأبرزها فرنسا وبولندا، التي أعربت صراحة عن اعتزامها تعزيز الموقف العسكري المتراجع لأوكرانيا من خلال نشر قوات حلف شمال الأطلسي في المنطقة.
وينظر الكرملين إلى مثل هذه التصرفات باعتبارها إهانة مباشرة لسيادة روسيا ونطاق نفوذها. علاوة على ذلك، فإن حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة والدعم الغربي غير المشروط لهذه الجرائم، عززت التصور السائد بين الرأي العام الروسي والحكومة الروسية حول تحالف إسرائيل مع الغرب. ومما يعزز هذا الرأي الدعم العسكري واللوجستي والمالي الكبير الذي قدمته إسرائيل لأوكرانيا، مما يوضح الشبكة المعقدة من التحالفات. وهو يسلط الضوء على ضرورة وجود قيادة فعّالة في روسيا من أجل تطوير استراتيجية شاملة للسياسة الخارجية في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية.
الوحدة ضد الغرب: قصة الانتخابات والتضامن
إن الإجماع بين الشعب الروسي بشأن الحاجة إلى استجابة متماسكة وقوية للتهديدات الغربية واضح للعيان. ويعكس هذا الوعي الجماعي فهماً للتهديدات الجيوسياسية الوشيكة التي تواجه روسيا ويعترف بأهمية التمسك بإرث بوتن الناجح. لقد اتسمت رئاسة بوتین بالمساعي الرامية إلى تعزيز موقف روسيا العالمي في مواجهة الأهداف الغربية. ولم تشهد السنوات التي شهدت قيادة بوتين أن تتبنى روسيا موقفاً مرناً وفعالاً ضد العقوبات والعزلة الدبلوماسية فحسب، بل شهدت أيضاً توسيع نفوذها استراتيجياً.
وعلى خلفية هذه التعقيدات السياسية والتحالفات العسكرية، تتعاظم أهمية الانتخابات الرئاسية الروسية الوشيكة. ومع نسبة مشاركة متوقعة تبلغ 71% من الناخبين، فمن المتوقع أن تعكس الانتخابات ثقة الناخبين الروس في قيادتهم. ويمثل فلاديمير بوتين، إلى جانب المرشحين من الحزب الشيوعي، وحزب الشعب الجديد، وحزب الديمقراطية الليبرالية، طيفاً واسعاً من الأحزاب السياسية في روسيا. ويتوقع مركز أبحاث الرأي العام الروسي فوز بوتين بنسبة 82% من الأصوات، وهو ما يعكس رغبة الناخبين في الاستمرارية والاستقرار في الأوقات المضطربة. ولا يرمز هذا النصر المتوقع إلى مجرد حدث إجرائي، بل إلى تأييد قوي من جانب الناخبين الروس لجبهة موحدة ضد التدخلات الغربية. ويؤكد وجود ما يقرب من 200 مراقب دولي التزام الكرملين بالشفافية، بهدف إضفاء الشرعية على نتائج الانتخابات وسط التدخلات الغربية.
إن التقاء أولويات روسيا الاستراتيجية وديناميكياتها الانتخابية يرسم صورة حية لأمة تقف عند مفترق طرق حاسم. وبينما تستعد روسيا لإجراء الانتخابات الرئاسية، يراقب المجتمع الدولي باهتمام شديد، مدركاً التداعيات الأوسع نطاقاً التي قد تترتب على إعادة انتخاب بوتن المحتملة. وتشير النتائج المتوقعة إلى استمرار سياسة روسيا الخارجية الحازمة وموقفها الحازم في مواجهة الضغوط الغربية.
تراجع أم انهيار الشراكة مع إسرائيل؟
إن الدعم اللوجستي والعسكري والمالي الذي قدمته إسرائيل لقوات النازيين الجدد الأوكرانيين وسط الصراع مع روسيا يمثل نقطة خلاف مهمة بالنسبة للكرملين. ويُنظر إلى هذا الدعم على أنه توافق واضح مع المصالح الغربية، ولا سيما مصالح الولايات المتحدة، مما يضع إسرائيل بشكل فعال داخل الكتلة الغربية.
وزودت إسرائيل أوكرانيا بنظام إنذار مبكر للصواريخ مصمم لتنبيه الأوكرانيين بشأن الصواريخ الروسية القادمة. وقد تم دمج هذا النظام مع شبكات الرادار والدفاع الجوي العسكرية الأوكرانية، مما يتيح تنبيهات أسرع وأكثر دقة. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت إسرائيل بمساعدة كبيرة في مجالات الطائرات بدون طيار والدفاع السيبراني لمواجهة الهجمات الروسية. كما قدمت الدعم اللوجستي للقوات العسكرية الأوكرانية، لا سيما في العمليات الاستخباراتية، وتحديد الأهداف، وإحباط الضربات العسكرية الروسية.
وقد دفعت هذه التصرفات التي اتخذتها إسرائيل روسيا إلى إعادة النظر في دور إسرائيل ونفوذها في الشرق الأوسط والتفكير في اتخاذ تدابير من شأنها تقويض هذا الدور. إن المشاعر الحالية في روسيا تساوي بين نتنياهو وزيلينسكي باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، وكلاهما متورط في ارتكاب الجرائم، وإدامة الحروب، والعمل ضد المصالح الروسية.
إن تورط روسيا في معالجة الصراع في غزة، من خلال عملها كوسيط وانتقاد سياسة الولايات المتحدة، يوضح محاولتها موازنة النفوذ الغربي وإعادة التأكيد على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. أدان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ووصفها بأنها انتهاكات للسياسة الداخليةالقانون الوطني. كما حذر لافروف من أن تدمير غزة وتهجير سكانها سيؤدي إلى كارثة طويلة الأمد. علاوة على ذلك، انتقدت روسيا الولايات المتحدة علناً لعرقلتها المبادرات الدولية لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن.
نحو تخفيف النفوذ الأمريكي المدمر في الشرق الأوسط
لقد أنشأت روسيا ببراعة وجودًا كبيرًا في الشرق الأوسط، بهدف تعزيز التعاون في التجارة الخارجية والنفط والغاز، ووضع نفسها استراتيجيًا كقوة موازنة للنفوذ الأمريكي في المنطقة. ومن المتوقع أن تؤدي الفترة الرئاسية المقبلة إلى تعزيز هذه الاتجاهات، بما يحمل من آثار كبيرة على الجغرافيا السياسية الإقليمية والعالمية.
وكانت روسيا سباقة في تعزيز علاقاتها التجارية مع دول الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران ودول الخليج. وغالباً ما يعتمد أساس هذه العلاقات على التعاون في مجال الطاقة، حيث تعتبر الطاقة ركيزة أساسية لانخراط روسيا في الشرق الأوسط. ونظراً لثروة المنطقة من النفط والغاز، شرعت روسيا في ممارسة ما أطلق عليه دبلوماسية الطاقة. يستخدم هذا النهج موارد الطاقة الهائلة والخبرة القطاعية لتكوين تحالفات وتأمين الصفقات الاقتصادية وتعزيز مكانتها الجيوسياسية وتوسيع الأسواق والشراكات في الشرق الأوسط.
كان أحد الجوانب الأساسية للسياسة الخارجية الروسية على مدى العقد الماضي هو جهودها الرامية إلى موازنة النفوذ الأمريكي على مستوى العالم، وخاصة في الشرق الأوسط. وتشمل هذه الاستراتيجية المبادرات الدبلوماسية والدعم العسكري للحلفاء والاتفاقيات الاقتصادية. دفع الدور المدمر الذي تلعبه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قوى إقليمية كبيرة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والأردن ومصر، إلى الدعوة إلى تعزيز الوجود الروسي، معتبرة ذلك أفضل من التدخل الأمريكي الاستغلالي في المنطقة. .
في الختام، فإن الانتخابات الرئاسية المقبلة في روسيا ليست مجرد مسألة داخلية، بل هي حدث محوري له تداعيات بعيدة المدى على الجغرافيا السياسية العالمية. إن النصر المحتمل لبوتين من شأنه أن يدل على استمرار السياسة الخارجية الروسية الحازمة، والتأثير على مختلف الديناميكيات الجيوسياسية، بدءاً من العلاقة بين إسرائيل وغزة وحتى الصراع في أوكرانيا، وإعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط.