القدس المحتلة- يبدو أن الإخفاق في إسرائيل في التحذير أو منع عملية “طوفان الأقصى“، لم يقتصر على المستويين السياسي والعسكري، إذ كشف العدوان على قطاع غزة فشلا في تحضير وتحصين الجبهة الداخلية للحرب ولحالات الطوارئ.
وخلصت توصيات تقرير قُدم إلى حكومة الاحتلال في فبراير/شباط 2022، إلى أن إدارة نظام الطوارئ الإسرائيلي “مليئة بالإخفاقات والفشل”، كالافتقار إلى التخطيط المنهجي وتحديد الأهداف والغايات، وأوجه القصور في الهيكل التنظيمي، وعدم توفير أدوات لمنح الصلاحيات وممارسة المسؤولية، وانعدام التنسيق بين الهيئات والوزارات الحكومية ذات الصلة.
وبحسب صحيفة “هآرتس”، بقي التقرير طي الكتمان دون معالجة، حيث قدم إلى مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وهيئة الطوارئ الوطنية في وزارة الأمن، ومكتب رئيس الوزراء.
وكشف أن تلك الإخفاقات شجعت على توسع الخلافات والصراعات بين مختلف الجهات الفاعلة ذات الصلة، وبين المستويات الحكومية والمهنية، وأوجدت ظاهرة عدم الامتثال والتعاون المؤسسي والفشل في تنفيذ الإجراءات لتحصين الجبهة الداخلية.
ورفض مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الإفصاح عما إذا كانت قد جرت مناقشات حول التقرير، وما إذا تم اتخاذ أي خطوات لتنفيذ توصياته، واكتفى بالقول إن “مجلس الأمن القومي درس التقرير بشكل متعمق”.
وبناء على طلب الحكومة، أعد التقرير البروفيسور عيلي زالتسبرغر والدكتور روبرت نيوفيلد، نيابة عن “المركز الوطني للمعرفة والأبحاث في حالات الطوارئ” في جامعة حيفا.
شلل وعجز
يعكس التقرير حقيقة ما حدث في أول أسبوعين بعد عملية “طوفان الأقصى”، حيث شهدت تلك الفترة شللا تاما في عمل مختلف الوزارات الحكومية، وعجزها عن التعامل مع احتياجات “الجبهة الداخلية”، وقصورها في تقديم الخدمات للإسرائيليين في حالة الطوارئ.
وفقط في الأسبوع الثالث للحرب، وافقت حكومة الاحتلال على إنشاء مركز مراقبة مدني لتنظيم عمل الوزارات، وتعيين مدير مشروع لإدارة عمل الوزارات في القطاع المدني، وتشكيل مديرية لإعادة إعمار مستوطنات “غلاف غزة“، وهو ما يشير إلى أن استنتاجات التقرير ما تزال قائمة.
وبحسب الموقع الإلكتروني “كلكليست” الذي يعنى بالشؤون الاقتصادية، فإن تعيين مدير مشروع لإدارة عمل الوزارات بعد نحو 3 أسابيع على الحرب، مؤشر على فشل الحكومة في توفير الحصانة المدنية والاقتصادية والاجتماعية للجبهة الداخلية في إسرائيل.
ليس هذا وحسب، بل استغرق الأمر قرابة أسبوعين، كما تقول صحيفة “يسرائيل هيوم”، حتى صادقت الحكومة على تحويل ميزانيات طوارئ للسلطات المحلية في الجنوب بتخوم جبهة غزة، وعلى الحدود الشمالية مع لبنان.
وحولت وزارة الداخلية ميزانية بقيمة 26 مليون دولار للمجالس والبلديات للتعامل مع حالة الطوارئ ضمن نفوذها، دون تحديد أي خطة لصرفها، وهو إجراء يشير إلى تنصل الحكومة من المسؤولية وتحويلها للحكم المحلي، بحسب الصحيفة.
عدم استخلاص العبر
بعد أيام قليلة من اندلاع العداون على قطاع غزة، طلب مجلس الأمن القومي الإسرائيلي من “مركز المعرفة والأبحاث في حالات الطوارئ” بجامعة حيفا، صياغة وثيقة عن سبل تعزيز ما سمي بـ”الحصانة الوطنية” وتدعيم معنويات الإسرائيليين في الجبهة الداخلية خلال الحرب.
وذكرت وثيقة المركز بضرورة أن تكون القيادة “ذات مصداقية وكاريزما”، وتعزيز الثقة الكاملة للجمهور في الأنظمة والوزارات الحكومية، وهما من المكونات الأساسية التي وردت في تقرير عام 2022. وفي كليهما -أي القيادة والثقة بالوزارات- “هناك عجز كبير”.
وفي غياب الفرصة لإصلاح هذا الأمر بشكل فوري، يوصي الباحثون بالتركيز على عناصر أخرى لتدارك الأوضاع خلال الحرب على غزة، واقترحوا “بناء قصة مشتركة ومصير واحد لجميع السكان، وتشجيع المبادرات المدنية وتدعيمها والامتناع عن التفرقة بين شرائح المجتمع، والكف عن التحريض على المجتمع العربي، الذي هو عنصر أساس في الحصانة واستقرار للجبهة الداخلية” على حد قول الباحثين.
في هذا السياق، يقول البروفيسور زالتسبرغر “منذ 3 أسابيع ونحن في حالة طوارئ دون إدارة وتعامل مرضيين، وهو ما يتأثر بالطبع بنقص الاستعداد وعدم الجهوزية. ومن المثير للدهشة كيف أن الدروس المستفادة من حالات الطوارئ السابقة، بما في ذلك وباء كورونا وحرب لبنان الثانية، لم نتعلمها ولم نطبقها، وهو الأمر الذي أوصلنا إلى أبعاد الكارثة الحالية والفشل الذريع في إدارتها”.
وأشار تقرير عام 2022 إلى مشكلتين أساسيتين في استجابة إسرائيل لحالات الطوارئ:
- الأولى هي “الافتقار إلى مفهوم كامل وواضح للتعامل مع الأحداث الطارئة في جميع مراحلها، بدءا من الاستعداد لها وحتى إعادة الإعمار بعدها”. وتسبب هذا النقص -مرارا وتكرارا- بالفشل في التعامل مع الصراعات بين المسؤوليات القطاعية للوزارات وهيئات الطوارئ وأنظمتها التي تتطلب الإعداد والتوجيه والموازنة، وحتى التدخل في مجالات مسؤولية كل هيئة.
- أما المشكلة الأساسية الثانية -بحسب التقرير- فهي الافتقار إلى الإطار القانوني أو التنظيمي لمنظومة هيئة الطوارئ، وفي غياب مثل هذه البنية الأساسية، فمن الصعب للغاية تحديد مسؤوليات الهيئات المختلفة، لغرض فرض الرسوم ومنح الصلاحيات.
وعلى خلفية الإخفاقات القائمة والصعوبات التنظيمية في المؤسسات الرسمية والوزارات، أوصى التقرير بـ”نموذج طوارئ وطني جديد، ترأسه هيئة طوارئ مركزية، تعمل في مكتب رئيس الوزراء تلعب دور العامل القيادي في الاستعداد لحالات الطوارئ وإدارتها، مع ترسيخ وظائفها وصلاحياتها وتكوينها في التشريعات بالكنيست.
وفي الأسبوع الماضي، طالبت الحركة الديمقراطية المدنية في إسرائيل المستشارة القضائية للحكومة جلي بهاراف ميارا، بفتح تحقيق فوري في شبهات حول قيام ديوان رئاسة الوزراء بتوجيه من نتنياهو بحرق وثائق أو منع تسجيلات في أعقاب “طوفان الأقصى”، وخطوات أخرى من شأنها أن تصعب عمل لجان التحقيق التي ستشكل بعد الحرب على غزة.
واعتبرت الحركة هذه الخطوة محاولة من نتنياهو لحماية نفسه ولتقليص الشبهات التي تحوم حوله بشأن المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه فيما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري. وهو ما عدّه بعض المراقبين عدم ثقة داخل إسرائيل برأس هرم السلطة والمسؤول الأول والأخير عن قيادة الحرب الآن، وهو أمر لم يحدث من قبل.