موقع مصرنا الإخباري:
نشر جهاز الموساد الإسرائيلي، مؤخرا، كتابا يتضمن وثائق تاريخية وصورة يدعي أنها لأشرف مروان، صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. وتظهر الصورة مروان مع ضابط الموساد “دوبي”، مما يوحي بأنه أهم جاسوس لدولة الاحتلال. وبحسب صحف إسرائيلية، فإن الموساد يكشف لأول مرة وثائق واقتباسات من العديد من المصادر والعملاء الذين تم تجنيدهم وتشغيلهم من قبل الجهاز في الدول العربية والذين خدموا في مناصب مختلفة في القيادة العسكرية والسياسية في الدول المعادية لإسرائيل. .
وتوقيتت إسرائيل نشر هذه الوثائق ليتزامن مع احتفال مصر بالذكرى الخمسين لحرب أكتوبر الشهر المقبل. ويؤكدون أن أشرف مروان أبلغ دولة الاحتلال بحرب السادس من أكتوبر قبل يوم واحد من بدئها فعليا، إلا أن وقوعها في عيد الغفران اليهودي أخر استدعاء جنود الاحتياط الإسرائيليين. وشكك بعض السياسيين في إسرائيل في قدرة مصر وسوريا على شن حرب، حيث بذلت مصر جهدا كبيرا لإخفاء استعداداتها العسكرية.
ويعتقد الصهاينة أن تسريب المعلومات بعد ثلاثة عقود عن تجسس أشرف مروان لصالحهم أدى إلى وفاته عندما سقط من شقته في الطابق الخامس في لندن عام 2007، إلا أن مصر أقامته في جنازة بطل قومي. ولم يصدر أي بيان رسمي من القاهرة ينفي أنه يتجسس على بلاده، كما لم يتم دحض الرواية الإسرائيلية رسميا. ورد الموساد يوم الأحد على الادعاءات بأنه عميل مزدوج. ويبدو أن الوكالة استبعدت هذا الاحتمال قبل سنوات من العمل معه.
وتكمن أهمية هذه الوثائق الرسمية بالنسبة لإسرائيل في أنها تدحض ادعاءات البعض منا بأن الكتاب الإسرائيلي عن أشرف مروان «الملاك» محض خيال. والمفارقة أنه لو كان خياليا، فلماذا حكمت محكمة عسكرية مصرية على الناشر خالد لطفي، الذي قامت شركته بترجمة الكتاب، بالسجن خمس سنوات بتهمة إفشاء أسرار عسكرية ونشر أخبار كاذبة؟ في هذه الأثناء، لم يصدر بعد من القاهرة نفي رسمي للوثائق الإسرائيلية المنشورة حديثا.
وكان الصحفي الراحل موسى صبري أول من وصف أشرف مروان بالطفل المعجزة، مستهزئا بصغر سنه والثروة الهائلة التي جمعها والتي تقدر بمئات الملايين من الدولارات، والقوة والنفوذ الذي سمح له بإزاحة أي مسؤول يعرقل له أو شعر بالتهديد من وضعه. ومن المعروف أنه كانت هناك علاقة وثيقة بين صبري والرئيس الراحل أنور السادات؛ لقد كان صحفيًا ومتحدثًا باسمه، لذا لم يكن من الممكن إطلاق لقب “الطفل المعجزة” دون موافقة السادات.
وأعقب ذلك هجوم شرس من كبار الصحفيين في وسائل الإعلام المصرية على مروان؛ سلوكه المشبوه. صفقاته المشكوك فيها؛ والرشاوى التي تلقاها في صفقة سيارة المرسيدس للرئاسة؛ وعمولاته في تجارة الأسلحة، مثل صفقة الطائرات المشبوهة مع شركة بوينغ؛ وعلاقته غير المعلنة برئيس جهاز المخابرات السعودي آنذاك كمال أدهم. وكان ذلك في الوقت الذي انقطعت فيه العلاقة بين مصر والدول العربية بسبب زيارة السادات لإسرائيل، وكان الملك فهد يشن هجوماً عنيفاً على الرئيس المصري. وهذا يوحي بأن الحملة لم تأتي من فراغ، أو أنها حملة تهدف إلى فضح الفساد الرسمي في الدولة. كان ذلك تعبيراً عن غضب السادات من مروان، وأن قراره بهندسة سقوطه من النعمة، وإخراجه من دائرة صنع القرار كان قاب قوسين أو أدنى.
ولمع نجم مروان في عهد السادات، وليس نجم والد زوجته، رغم أنه كان يعمل سكرتيرا في مكتب عبد الناصر. حدث ذلك تحديدًا بعد ما سمي بالثورة التصحيحية في 15 مايو 1971، عندما عينه السادات سكرتيرًا لرئيس شئون الإعلام ومنحه صلاحيات أذهلت وأربكت الكثيرين، حيث تضمن القرار الصلاحيات التالية:
أشرف مروان يمثل جمال عبد الناصر شخصيا أمام كل رؤساء وملوك العالم.
أشرف مروان يمثل جهاز المخابرات المصرية لدى كافة أجهزة المخابرات في العالم.
ولا يمكن للقوات المسلحة المصرية اتخاذ أي إجراء دون موافقة [مروان] الشخصية.
ويشرف مروان على عمل جهاز مباحث أمن الدولة والمخابرات العامة والمخابرات العسكرية فيما يتعلق بأمن وسلامة جمال عبد الناصر.
وهي صلاحيات مطلقة لا تقل عن صلاحيات رئيس الجمهورية نفسه. والسؤال هنا لماذا منحه السادات هذا المنصب والسلطة التي لم يتمتع بها أحد من قبله؟
لقد قيل الكثير عن هذا الرجل الغامض خلال حياته وحتى بعد وفاته. على سبيل المثال، قيل إنه سرق خزنة عبد الناصر بعد وفاة الرئيس وأخذها إلى السادات قبل أن يتمكن أحد من المحيطين بعبد الناصر من الوصول إليها. ويقال أيضًا أنه كان أول من أبلغ السادات بما يجري ضده وبالمؤامرة للإطاحة به، وأعطاه التسجيلات التي تثبت ذلك. وهكذا تحرك السادات على الفور وسبقهم باعتقالهم جميعًا ليلة 5 مايو 1971، وتناولهم طعام الغداء قبل أن يتناولوه العشاء، كما يقول المثل المصري. في 15 مايو، أسس الرئيس أنور السادات نظامه وأركان حكمه.
لنعد إلى الطفل المعجزة الذي حصل على الدكتوراه بين عشية وضحاها وأصبح يعرف بالدكتور أشرف مروان. وأصبح أقوى من أي مسؤول في الدولة بعد السادات. وكان يعطي الأوامر والتعليمات لوزراء الحكومة، فيطيعونه في كل شيء. فأعطوه ما طلب ونفذوا جميع أوامره. لكن السؤال الذي يبقى بلا إجابة يرضي أحدا هو، من أين حصل أشرف مروان على كل هذه القوة والنفوذ، ولماذا أعطيت له هذه الصلاحيات المطلقة؟
سأحاول الإجابة على ذلك في مقال الغد.