نشر موقع دويتشه فيله الألماني تقريرا عن توجيه انتقادات حادة لمرشح إماراتي لرئاسة منظمة الشرطة الجنائية الدولية “الإنتربول” بما في ذلك التورط في انتهاكات تعذيب.
وأصدر ثلاثة أعضاء في البرلمان الألماني، هم كاي غيرينغ من حزب الخضر، وبيتر هايدت من الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، وفرانك شفابه من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بياناً مشتركاً أعربوا فيه عن قلقهم من ترشيح اللواء أحمد ناصر الريسي من دولة الإمارات لمنصب رئيس (الإنتربول)، وعما وصفوه بـ”شكوك أساسية في انتهاكات لحقوق الإنسان” بحق المرشح القادم من أبو ظبي.
ويشار إلى أن انتخاب رئيس جديد للإنتربول سيجري بين يومي 23 و25 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري في مدينة إسطنبول التركية. وفي حال انتخاب اللواء الريسي، سيكون خلفاً للكوري الجنوبي كيم جونغ يانغ، الذي ترأس المنظمة منذ عام 2018.
ويخشى أعضاء البرلمان الألماني الثلاثة أن انتخاب مرشح الإمارات لهذا المنصب الرفيع سيؤثر بشكل كبير على ثقافة سيادة القانون في الإنتربول، حيث يذكر البيان: “بالنظر إلى الميزان المريع لحقوق الإنسان في الإمارات العربية المتحدة، فإن تسمية السيد الريسي لمنصب الرئاسة سيتعارض بشكل فاضح مع الإعلان العام لحقوق الإنسان ومع الهدف الأساسي للمنظمة … هذا سيجازف بسمعة الإنتربول الدولية”.
وبالإضافة إلى انتقادات البرلمانيين الألمان، هناك أيضاً انتقادات من منظمات حقوقية دولية، ففي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول، أعربت منظمة “هيومن رايتس ووتش” و17 منظمة حقوقية أخرى عن قلقها إزاء ترشيح اللواء الريسي. كما طالب 35 عضو برلمان فرنسيين الرئيس إيمانويل ماكرون بالتصدي لترشيح الريسي.
ويتهم أعضاء البرلمان الألماني الريسي بأنه “متورط في انتهاكات لحقوق الإنسان في سلسلة من القضايا عالية المستوى”.
كما يرى البرلمانيون اللواء أحمد الريسي، الذي عُين عام 2005 مديراً عاماً لقسم “العمليات المركزية”، وفي عام 2015 مفتشاً عاماً لوزارة الداخلية، ممثلاً مباشراً للنظام السلطوي في الإمارات.
ويضيف البيان بالقول: “كممثل حكومي لدولة الإمارات، فإن السيد الريسي جزء من المؤسسة الأمنية، التي تقمع بشكل ممنهج من يتبنون بطريقة سلمية فكراً مغايراً”.
كما أشار البرلمانيون الثلاثة إلى أن الإمارات تفرض قيوداً كبيرة على الحقوق المدنية والسياسية، بالإضافة إلى قمع الناشطين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بشدة، وغالباً من خلال تطبيق قوانين مكافحة الإرهاب المجحفة، والتي تشمل الإخفاء القسري والتعذيب والاعتقالات التعسفية.
من جهتها، رفضت الإمارات بشدة هذه الاتهامات، وذلك على لسان سفارتها في برلين، التي صرحت لـ DW بالقول: “كعضو حالي في اللجنة التنفيذية للإنتربول، فإن اللواء الريسي متخصص ممتاز يمتلك أربعين عاماً من الخبرة في العمل الشرطي المحلي والوطني”.
ويتابع بيان السفارة بالقول: “كرئيس للإنتربول، سيعمل (الريسي) على حماية الناس ورفع مستوى الأمن في المجتمعات وتزويد سلطات إنفاذ القانون حول العالم بأحدث الأدوات اللازمة في المعركة مع شبكات الإجرام التي تتطور باستمرار”.
وأعربت الإمارات، عبر سفارتها، عن اعتزازها بكونها واحدة من أكثر الدول الآمنة في العالم، وأنها “أكثر قوى التغيير الإيجابي تطوراً في هذه المنطقة الصعبة من العالم (الشرق الأوسط)”. وبالإضافة إلى كونها “عضواً منتخباً في مجلس الأمم المتحدة لحقوقفإن الإمارات
تركز على حماية حقوق الإنسان داخل الدولة وخارجها، بما في ذلك تعزيز حق تقرير النساء لمصيرهن، والتعايش بين الأديان، وتقبل الآخرين من ذوي الميول الأخرى”.
والانتقادات لترشيح اللواء أحمد الريسي لم تأت فقط من ساسة أو حقوقيين، بل تأتي أيضاً من مواطنين غير إماراتيين كانوا معتقلين في سجون الدولة الخليجية، مثل أستاذ العلوم السياسية وخبير الشؤون الأمنية البريطاني، ماثيو هيدجز.
ففي مايو/ أيار عام 2018، اعتُقل هيدجز في مطار دبي بعد أن قضى أسبوعين لأغراض بحثية هناك، حيث قام – بحسب ما يقول – بإجراء عدة مقابلات في إطار إعداد رسالة الدكتوراة. آنذاك وجهت له السلطات تهمة التجسس لصالح المملكة المتحدة، وحُكم عليه في نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام بالسجن المؤبد، ولكن بعدها بأيام صدر بحقه عفو.
في مايو/ أيار من العام الحالي، رفع ماثيو قضية على أربعة ممثلين للسلطات الإماراتية، ممن كانت لهم يد في اعتقاله وفي ظروف سجنه. من بين أولئك الممثلين اللواء أحمد الريسي.
ويقول ماثيو هيدجز في مقابلة مع DW بأنه تعرض للترهيب النفسي والتهديد: “قالوا لي بأن لا أحد يعلم بمكان وجودي وأن لا خيار آخر أمامي”. كما حرمه سجّانوه من النوم، ما سبب له نوبات هلع ودفع سجّانيه إلى إعطائه مخدر “ريتالين” ممزوجاً بأدوية مهدئة عنوة. وفي نهاية الأمر راودته أفكار بالانتحار.
ويضيف ماثيو: “كل ذلك لم يكن مجرد سلوك غير مقبول، بل كان إساءة ممنهجة لاستخدام السلطة”، معتبراً أن احتمالية انتخاب اللواء الريسي لرئاسة الإنتربول فضيحة بحد ذاتها: “إنه مسؤول عن التعذيب. كيف يمكن لشخص مثله أن يمثل أبرز منظمة شرطية في العالم؟ إنه أمر سخيف!”
مواطن بريطاني آخر، هو علي عيسى أحمد، تحدث لـDW عن فترة اعتقاله في الإمارات. فقد سافر أحمد في يناير/ كانون الثاني عام 2019 إلى الإمارات لحضور كأس أمم آسيا. وخلال مباراة منتخبي العراق وقطر، التي جرت يوم 22 يناير/ كانون الثاني، كان أحمد يرتدي قميص المنتخب القطري.
آنذاك كانت الإمارات تعتبر قطر عدوة لها، بعد حصار بدأته السعودية ضد جارتها الخليجية وانتهى حالياً. أعضاء في جهاز الأمن الإماراتي سحبوا القميص من أحمد.
في اليوم التالي للمباراة، ارتدى أحمد مجدداً قميص المنتخب القطري على الشاطئ، ولم يكن يدري بأن ذلك وقتها كان ممنوعاً، بحسب ما يؤكد.
يروي أحمد أنه تعرض للضرب أثناء اعتقاله وأثناء نقله للسجن. كما وُضع رأسه داخل كيس بلاستيكي لفترة من الوقت، بالإضافة إلى حرمانه من النوم أثناء اعتقاله.
بالرغم من أنه لا يمكن التحقق بشكل مستقل من قصة علي عيسى أحمد، إلا أن ما يرويه يتطابق مع روايات أخرى حصلت عليها منظمات حقوقية دولية.
أحمد، أيضاً، قام برفع دعوى على ممثلي الأجهزة الأمنية الإماراتية، بما فيهم اللواء أحمد ناصر الريسي. حول ذلك يقول أحمد: “عندما سمعت بأنه قد يصبح رئيساً للإنتربول، شعرت بصدمة”.
من جانبه، يعتقدعضو البرلمان الألماني عن حزب الخضر، كاي غيرينغ، بأن “دولة قمعية تنتهك حقوق الإنسان الأساسية ومبادئ سيادة القانون بهذا الشكل لا يجب أن يُسمح لها بامتلاك نفوذ في أهم منظمة للشرطة في العالم”.
وينتقد غيرينغ، في حديث مع DW، بشكل خاص الاستخدام المحتمل لأوامر الاعتقال الدولية، المسماة “الإشعارات الحمراء”، من قبل أجهزة الأمن الإماراتية، إذ يمكنها من خلالها السعي لاعتقال معارضيها السياسيين.
من بين أولئك المعارضين الناشط والمدون أحمد منصور، الذي يقبع في سجن إماراتي منذ سنوات، وتتهم منظمتا “هيومن رايتس ووتش” والعفو الدولية (آمنستي) الإمارات بانتهاك حقوق الإنسان أثناء احتجازها له.
لهذا السبب، رفع “مركز الخليج لحقوق الإنسان” قضية في محكمة فرنسية ضد أحمد الريسي، واتهمه بالمسؤولية عن تعذيب الناشط أحمد منصور.
في مقابل ذلك، تشير السفارة الإماراتية في معرض ردها على أسئلة DW إلى سجلها كعضوة في منظمة الإنتربول منذ عام 1973: “تمتلك الدولة سجل نجاح ممتاز عندما يتعلق الأمر بالتعاون مع الدول الأعضاء في القضاء على الشبكات الإجرامية وإحضار الفارين من العدالة أمام المحكمة”.
فقد نجحت الإمارات بين عامي 2018 و2021 في القبض على أو تسليم 516 هارباً من القانون متهمين بقضايا تتصل بالتشكيلات الإجرامية والسرقة والاحتيال وغسيل الأموال والإرهاب، وجرائم أخرى.
لكن قضايا حقوق الإنسان لم تُذكر على الإطلاق في سياق مباشر.