في الوقت الذي تتزايد فيه العطاءات الإسرائيلية لبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية وشرق القدس، بدأت تظهر أصوات إسرائيلية مفادها أن هذه الطريق لتأمين مستقبل المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين، صحيح أنها لم تولد بعد بسبب العديد من الاعتبارات الإسرائيلية الداخلية والخارجية، لكن من المتوقع أن يكون وضع المستوطنات على طاولة المفاوضات في ضوء أي ضغوط أمريكية متوقعة.
صحيح أن العديد من الإسرائيليين كانوا واثقين حتى قبل إعلان الحكومة الحالية أنها لن تنهض، أو تبقى على قيد الحياة، لكن ذات الإسرائيليين مقتنعون بأنها قد تفعل الشيء الصحيح في المستقبل، من أجل إخراج كتلة المعارضة اليمينية بزعامة الليكود من عملية صنع القرار، والتفرغ للمعارك والاتهامات والمشاجرات.
ران أدليست الكاتب الإسرائيلي في صحيفة “معاريف”، ذكر في مقال ترجمته “عربي21” أن “المعطيات القائمة في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل قد تشير إلى تقدم، ولو كان مترددا، في العلاقات مع الفلسطينيين، رغم أن الشروط الأساسية لتلك التحركات المجردة كي تبقى في الاتجاه الصحيح تتمثل في إقرار الموازنة العامة للدولة، وهو ما تم فعلا، والموافقة على الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما لم يحصل حتى الآن”.
وأضاف أن “الحكومة الإسرائيلية السابقة سبق أن زعمت أن القضية الفلسطينية لا تهم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ودول الخليج العربي، لكن سرعان ما أصبح واضحًا أن هذا كان تمرينًا للنعامة، وتضليلًا للجمهور الإسرائيلي بغرض البقاء السياسي، وتشكيل الكتلة اليمينية الدينية المسيحية، لأن الموقف الحقيقي للعالم والولايات المتحدة تجاه علاقتنا مع الفلسطينيين يلزم الحكومة الحالية بالعمل بجدية، وبشكل مكثف في الجولات القادمة”.
مع العلم أن نفتالي بينيت رئيس الحكومة سبق أن أعلن أن حكومته لن تضم أراضي من الضفة الغربية، وفي الوقت ذاته لن تقيم دولة فلسطينية، ويمكن فهم هذه المواقف بأنها تمهيد لمعركة حزبية على نتائج الانتخابات المقبلة، وربما يتم العمل على تأمين طريق المفاوضات مع الفلسطينيين، رغم أنها لم تولد بعد، وهي من مسؤولية طاقم سياسي يعرف كيف يعالج مسألة كيف ستكون المستوطنات جزءًا من هذه المفاوضات.
في الوقت ذاته، فإن هذا السلوك قد يثير غضب “مرتدي الكيباه وأنصار الجماعات اليمينية”، ممن أرادوا السماح للمستوطنين بشراء الأراضي، حيث وافق وزير الحرب بيني غانتس قبل أسبوعين على بناء المستوطنين لآلاف الوحدات السكنية، رغم أن رد فعل الولايات المتحدة وأوروبا جاء كلاسيكياً وغاضبًا، ولذلك تم منح الفلسطينيين حزمة تسهيلات من 1300 تصريح بناء شامل في المنطقة (ج)، وتوسع كبير في تصاريح العمل الشاملة في مجال التكنولوجيا والخدمات العالية.
الغريب أنه رغم الأجواء اليمينية السائدة في الحكومة الحالية، لكن ذات الأصوات الإسرائيلية تتحدث عن تمهيد الطريق لمفاوضات قد تخرج إسرائيل من الحلقة الدموية، وفقدان الهدوء العسكري الناجم عن حكومة بنيامين نتنياهو، فيما يساهم نفتالي بينيت بدوره من خلال عدم منع تحركات غانتس وميرتس للتعاون مع أبو مازن وممثلين آخرين عن السلطة الفلسطينية في طريق إضفاء الشرعية على المفاوضات المستقبلية.
وكما هو متوقع، فإن المفاوضات المتوقعة قد ترافقها استفزازات المتطرفين اليهود، فيما ستحاول السلطة الفلسطينية الإثبات أنها قادرة على التغلب على حركات المقاومة لديها، من خلال ملاحقتها، وإحباط مخططاتها لتنفيذ عمليات مسلحة ضد جيش الاحتلال والمستوطنين.