ثورة غضب على الفضاء الأزرق، مع بدء امتحانات الثانوية العامة السبت الماضى، وقد انهال أولياء الأموربالاتهامات لوزارة التربية والتعليم، ويعتبرونها السبب في ضياع مستقبل أبنائهم وبناتهم، دون اعتبار الهدف الأساسى من الامتحان وهو فرز العناصر الجيدة من الضعيفة، والتأكد من استيعاب الطالب للدروس، وقياس نواتج التعلم، فالامتحانات ليست النجاح أو الرسوب فقط، لكنها مقياس علمى يوضح مستوى الفهم، ويختبر قوة الملاحظة والتركيز.
امتحان اللغة العربية للشعبتين العلمية والأدبية كان نموذجاً للثانوية العامة التي افتقدناها منذ أكثر من 20 عاماً، فهناك جزئيات من الأسئلة تقيس مستوى الفهم والإدارك لدى الطالب، فالأمر لم يعد مجرد الحفظ والتلقين والنماذج التي يقدمها المدرسون في مراكز الدروس الخصوصية، التي كانت تدمر مستوى العملية التعليمية، فقد باتت الآن من الماضى ولم تعد لها قيمة، خاصة أن الامتحان لا يمكن توقعه، وسينجح في حله من يستذكر دروسه جيداً ويفهمها دون التوقف عند الحفظ والتلقين.
أتذكر الحيل الرديئة التي كان يلجأ إليها بعض الأساتذة في الدروس الخصوصية، مع منهج النحو في اللغة العربية، فقد كان بعضهم يقدم وصفة أشبه بالمعادلات الرياضية، من عينة نكرة + نكرة = صفة، معرفة + معرفة = صفة، وهكذا قواعد يحفظها الطالب دون أن يفهمها فتكون النتائج كارثية، وتقوده إلى كم هائل من الأخطاء، نتيجة أساليب الفهلوة والحداقة التي يتم اتباعها، حتى مع اللغة، لذلك كان مهماً أن تكون امتحانات البابل شيت مختلفة، وتقيس وعى وإدارك الطالب وتختبر ما تعلمه وفهمه بصورة علمية سليمة.
أتصور أن جزء كبير من حالة السيولة القائمة على السوشيال ميديا، من امتحانات الثانوية العامة، مرتبطة بـ “البابل شيت” فقد تصور الطلاب من نماذج الاختبارات التجريبية أن الامتحانات ستكون سهلة وفى مستوى أي طالب، إلا أنهم فوجئوا بنمط مختلف من الأسئلة يعتمد بصورة مباشرة على قواعد الاستذكار الجيد، والفهم السليم للمناهج، فليس معنى أن الأسئلة في صورة اختيار من متعدد، أو أكمل الفراغات أو صحح الخطأ أنها ستكون سهلة، وفي متناول الجميع، لكن يؤكد أنها ستكون خادعة وتعتمد على الفهم والتعلم.
محركات البحث على الانترنت لم تتوقف خلال الأيام الماضية عن جمع حليب ونعناع وأخطبوط، وغيرها من الكلمات، تحت دعوى أنها كانت ضمن أسئلة امتحان اللغة العربية للثانوية العامة، في حين أنها لم تكن ضمن الامتحان فعلياً، بل ساهمت وسائل الواصل الاجتماعى، وعمليات السعي خلف الترافيك “الحرام”، في الترويج لهذه الكلمات باعتبارها جزء من الامتحان، لدرجة أن وزير التربية والتعليم خرج بنفسه لينفي وجود هذه الأسئلة ضمن الامتحان!!
السؤال: لماذا يتدخل أولياء الأمور في سير العملية التعليمية، وأساليب وضع الامتحانات، وشكل المناهج، ولماذا نضيع وقت وزير التربية والتعليم، ونشغل الرأي العام بالرد على التفاهات التي تثار بين الحين والآخر، دون أن يكون لها سند أو أساس من الصحة؟! في اعتقادي يجب أن نتخلى عن فكرة التدخل في كل شيء ونعطى الأمور قدرها، ويكون دورنا فقط توفير المناخ الملائم للطلاب، وتشجيعهم على الاستذكار ومراجعة الدروس، ونترك الامتحان يقيم بصورة علمية مستوى الطالب.
في اعتقادى أن مستوى أسئلة امتحان اللغة العربية للثانوية العامة جيد جداً، بل ممتاز، وسوف يقدم فرز حقيقى للطالب الفاهم من “الفهلوى”، الذى يحفظ لينقل ما لديه في ورقة الإجابة، وليس معنى أن الامتحان مركب أو به جزئيات تحتاج إلى التركيز، أننا لن نجد من يحصل على الدرجات النهائية، بالعكس سوف نفاجأ بعشرات الطلاب على مستوى الجمهورية حصلوا على الدرجات النهائية في امتحان اللغة العربية، وغيره من الامتحانات المقبلة، فالشكاوى الصادرة من الامتحانات تخرج دائماً من الطلبة ضعاف التركيز، ومن تغيب عنهم أساليب التعلم الصحيحة في الاستذكار والمراجعة.
بقلم محمد أحمد طنطاوي