موقع مصرنا الإخباري:
أحب السينما وظهر فى أكثر من فيلم وبعد عرض أحد الأفلام أرسل شيخ الأزهر مصطفى عبدالرازق خطاب شكر على ما قدمه من دور مميز أثبت فيه مدى ثقافة واستنارة رجل الدين فى العصر الحديث.
حكاية الأستاذ منير جرجس ناظر المدرسة المسيحى الذى شجعه على حفظ وقراءة القرآن.
أكثر من لقب ناله الشيخ أبو العينين شعيشع.. فهو ملك « الصبا» – مقام الصبا عند قراءة القرآن وهو المقام الموسيقى الذى يحوى الشجن فى مقامات النغم – وأشهر من قرأ به طوال 70 عاما، وهو كروان القرآن.. مالك الحزين.. وهو آخر جيل العمالقة من قارئى القرآن من الجيل الذهبى الذى رافق أسماءه وأعلامه بداية من الشيخ محمد رفعت وعبدالفتاح الشعشاعى ومحمود على البنا وعبدالباسط عبدالصمد وصديق المنشاوى ومصطفى إسماعيل.
حياة الشيخ شعيشع مزيج مدهش ومثير من العلاقات بين القرآن وأهله والموسيقى ومبدعيها والسياسة وقادتها. ربطته علاقات قوية مع الشيخ محمد رفعت وأم كلثوم والموسيقار محمد عبدالوهاب، وكان شاهدا على بداية تكوين تنظيم الضباط الآخر قبل قيام ثورة يوليو، فقد حضر اجتماعا للضباط الأحرار ولكنه لم يكن يعرف بطبيعة التنظيم، وكان أيضا محبا للسينما فأحبته أيضا وظهر فى أكثر من فيلم.
ولد الشيخ أبو العينين شعيشع فى 22 أغسطس 1922، فى مدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ شمال مصر، حفظ القرآن، وذاع صيته صبيًا من خلال حفل أُقيم بمدينة المنصورة سنة 1936. توفى يوم الخميس 23 يونيو 2011 عن عمر يناهز 88 عامًا.
كانت أسرة الشيخ أبو العينين شعيشع تؤهله ليكون ضابطًا فى الجيش المصرى، ولكنه اختار طريق القرآن الكريم، وحفظ الشيخ كتاب الله فى عام 1934، وكان حريصًا أشد الحرص على الاستماع إلى الشيخ محمد رفعت وهو فى قريته وقبل أن ينتقل إلى القاهرة.
ناظر المدرسة المسيحى الذى شجعه على حفظ وقراءة القرآن
وفاة والده حولت طموحه من الجيش إلى القرآن الكريم وكانت المفارقة أن أول من اكتشف صوته فى تلاوة القرآن، الأستاذ منير جرجس ناظر المدرسة القبطى أول من شجعه على التلاوة، وطلب من عائلته تحفيظه القرآن. الأستاذ منير جرجس لم يكن ناظر المدرسة فقط بل كانت المدرسة ملكه لأنها خاصة، وكان يداوم على استمرار قراءة القرآن وحفظ التلاميذ للقرآن «وفى يوم سمعنى وأنا أقرأ ونادى علىّ وقال يا ابنى أنت صوتك جميل لازم تحفظ القرآن. وبعدين حكاية المسيحى والمسلم لم توجد فى أيام زمان الأسرة واحدة مسيحية ومسلمة عايشين مع بعض، والدليل أننى كنت باروح جرجا فى احتفال شهر رمضان كنت أحيى شهر رمضان فى بيت مسيحى وهو فخرى عبدالنور من أقطاب الوفد، وكان يأتى بى بالطائرة من الشام كنت فى فلسطين ومرتبطا بإذاعة الشرق الأدنى التابعة للجيش البريطانى وكانت عنده سجادة صلاة فى بيته لم أر لها نظيرا فى مكان آخر فى الدنيا عند مسلم أو غيره.
وفى المدرسة كان الشيخ أبو العينين شعيشع القارئ المعتمد للمدرسة فى قراءة القرآن الكريم كل صباح وفى الحفلات. وفى كتاب القرية تعلم القرآن وحفظه فى عامين فقط على يد الشيخ يوسف شتا.
وبدا فى قراءة القرآن فى المدينة والقرى المجاورة وكان أول أجر حصل عليه 50 قرشا، ووصل أجره بعد ذلك الى أربعة جنيهات.
وفى القاهرة كان بيت الشيخ أبو العينين مجاورا لبيت الموسيقار رياض السنباطى، وكانا يتزاوران ويتدارسان معا القرآن والموسيقى. كان الشيخ يعلم رياض السنباطى القرآن ويتعلم هو من السنباطى القواعد الفنية للموسيقى.. وتعلم منه فنون عزف العود والغناء.
وكما ذكر الشيخ شعيشع فإن أثر فى السنباطى أيضا وظهر المذاق الدينى فى كثير من ألحانه لأم كلثوم. كل هذا لا شك ترك أثره فى نفس رياض السنباطى ووجدانه وهو ما انعكس على ألحانه الدينية، فأنتج كمًّا كبيرًا ومميزًا من القصائد والأغنيات الدينية، كانت بدايتها قصيدة «ولد الهدى» عام 1944م، التى لحنها للسيدة أم كلثوم، وهى من كلمات أمير الشعراء أحمد شوقى احتفاء بالنبى، صلى الله عليه وسلم، وبمولده، وكان مطلعها:
ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناء
الشيخ القادم من كفر الشيخ لم يحرم الموسيقى ولم يعتبرها من المحرمات أو «صوت الشيطان» ولكنه تعلمها لأنه كما كان يقول فإن تعلمها يهدف إلى عدم وقوع القارئ فى النشاز عند انتقاله من مقام إلى مقام ومن طبقة صوتية إلى أخرى. وليس ضروريًا أن يتمكن القارئ من كل المقامات الموسيقية، فالشيخ عبدالباسط عبدالصمد كان من أعلام القراء، ولم يكن يعرف هذه المقامات، ولكن الشيخ مصطفى إسماعيل كان على علم بها، ولا ينبغى فى رأى الشيخ أبو العينين أن تطغى المقامات الموسيقية والاهتمام بها على الأداء القرآنى السليم أو قواعد التلاوة وأحكامها، كما يجب أن تتسم التلاوة بالخشوع.
المفارقة أن صوت الشيخ شعيشع تميز بالحزن ولذلك أطلق عليه ملك مقام الصبا سر الصوت الحزين فى قراءته، والسر فى ذلك هو حبه الشديد لوالده الذى توفى وعمره، أى الشيخ، 9 سنوات فأقر ذلك فى نفسه تأثيرا شديدا فاكتسا صوته بالحزن عند القراءة طوال 70 عاما هى رحلته مع القرآن.
وكان الشيخ أبو العينين شعيشع أحد المعاصرين للشيخ زكريا أحمد، الذى دعا فى فترة من الفترات إلى تلحين القرآن الكريم، إلا أن الشيخ شعيشع كان يرى أنه أمر لا يمكن تحقيقه. فمن الناحية الفنية تختلف أصوات القراء، فمنها صوت ضعيف ومنها صوت قوى، ومنها صوت يستطيع القراءة فى طبقات الصوت المرتفعة كالجواب، وآخر لا يستطيع. فكيف يمكن لهؤلاء جميعًا التلاوة طبقًا «لنوتة» موسيقية واحدة، ولهذا السبب رفض الشيخ أبو العينين شعيشع دعوة الشيخ زكريا أحمد، وماتت الدعوة فى مهدها.
كان الشيخ شعيشع يستمتع بالاستماع إلى الموسيقى العالمية والموسيقى العربية القديمة.
حكايته مع أم كلثوم وعبدالوهاب
شهرة الشيخ أبو العينين شعيشع وانتشار صيته فى عمر صغير لم يتجاوز الـ17 عاما جعلته يرتبط بعلاقات ثرية وقوية مع الكبار فى دولة التلاوة، ودولة الموسيقى والسينما أيضًا.
علاقته بموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب بدأت من خلال معرفته بالشيخ على محمود أستاذ عبدالوهاب ومعلمه، وكان عبدالوهاب يقول له دائما إن صوته قريب الشبه جدا بصوت الشيخ محمد رفعت. وكان دائم الحديث مع عبدالوهاب عن الشيخ على محمود. فى تلك الفترة لم يكن الشيخ شعيشع قد استقر فى القاهرة بل كنت متنقلا بينها وبين بيلا وكان عبدالوهاب دائم السؤال عنه، وفى إحدى المرات تحدث الأستاذ عبدالوهاب مع أحد الصحفيين عنى وعن صوتى وهذا الصحفى – كما يحكى الشيخ شعيشع لصحيفة الأهرام – قابلنى فى الإذاعة وقال لى أنت فين يا أبو العينين شعيشع الأستاذ عبدالوهاب بيسأل عنك وعاوز يشوفك ضرورى ووصانى أن أول ما أقابلك تتصل به لأنه يرغب فى رؤيتك ولا توجد وسيلة اتصال بينك وبينه ولا يوجد معه رقم تليفونك فقلت له وعبدالوهاب عاوزنى فى إيه؟
عاوزنى أغنى معاه ولا أطلع معاه فى فيلم، فقال لى مش عارف بس هو معجب بصوتك واحنا فى الإذاعة اتصلنا بالأستاذ عبدالوهاب وأخذت منه ميعادا، وذهبت له فى منزله المهم أنا ذهبت للأستاذ عبدالوهاب وكان يسكن فى العباسية ودخلت عليه فى الصالون وجلسنا نحكى معا وظل يحدثنى عن المقامات الموسيقية.
وقلت له للأمانة أنا لا أفهم فى المقامات ولكنى أؤدى القرآن بهذه الطريقة ولا أعرف نهاوند سيكا ولا صبا ولا قصة المقامات هذه.. ولكنه قال لى إنك أفضل من تخرج منه مقامات الصبا لأن الشجن طبيعى فى صوتك، ولم أسمعه من قبل من أى صوت آخر وظللت أحكى معه وطلب من الخادم عنده أن يحضر لى ليمونا وقعد يحكى معايا مين اللى علمك القراءات؟ ومين اللى وجهك؟ أنا باستمع له وبعدها طلب منى أن أستمع معه لبروفة أغنية جديدة كان يلحنها وهى أغنية الجندول.
«أما الست أم كلثوم فكانت لى معها قصص كثيرة وكانت صاحبة جمايل علىّ وكانت دائمة السؤال عنى، وأنا كنت أحب الاستماع لأم كلثوم وعبدالوهاب، كما كانت تستمع لقراءتى وفى مرة سألها الإعلامى وجدى الحكيم أنت بتحبى تسمعى مين فقالت له أنا باسمع الشيخ محمد رفعت وأبو العينين شعيشع، وكانت بيننا صداقة من زمان وكانت الست أم كلثوم دائمة السؤال عنى وتتصل بى وأى مشكلة تواجهنى تقف معى، وفى مرة حدث أننى اختلفت مع الإذاعة قبل الثورة لأنى كنت داخل الإذاعة من زمان وعندما ظهر الشيخ مصطفى إسماعيل أنا كنت بأخذ أجرا 7.5 جنيه من الإذاعة عن كل مرة بقرأها ولكنى عرفت أنهم يعطون الشيخ مصطفى إسماعيل 12 جنيها، فأنا اعترضت وامتنعت عن القراءة وتوقفت عن البث ولم تبث الإذاعة قراءتى وظللت كذلك مدة فاتصلت بى السيدة أم كلثوم وقالت لى أنت مش بتقرأ ليه يا شيخ أبو العينين؟ فحكيت لها القصة وأنه بيميزوا الشيخ مصطفى إسماعيل عنى وقلت لها معقولة أنا بادئ معاهم من سنين ولم أتأخر عنهم.. فتدخلت أم كلثوم لدى رئيس الإذاعة.
أم كلثوم وقفت بجوارى أيضًا عندما تعبت وحدث لصوتى مشكلة وتوقفت عن القراءة فى الخمسينيات حتى عدت مرة أخرى، وتدخلت معى أيضًا عندما وشى البعض بى.
وفعلا أم كلثوم وأمثالها كانوا يحبون الأداء الجميل وأنا أتذكر كانت بتحبنى جدا وعلاقتنا مع بعض كانت كويسة الله يرحمها، وأنا بافتكر الأيام دى والألحان الجميلة لأنى أنا مفتون بكل لحن جميل وصوت جميل، وكنت دائم الاستماع للألحان بتاعة فريد الأطرش وعبدالوهاب ومحمد فوزى.
بداية الشهرة من القاهرة
كانت بداية الشهرة الحقيقية فى عام 1939، فى سرادق عزاء أحد كبار شيوخ الأزهر الشريف وهو الشيخ الخضرى والذى ارتبط بعلاقة نسب بعائلة الشيخ شعيشع. وبعد أن دخل السرادق دعاه أحد أقاربه للقراءة فى المآتم، وكان المشهد مهيبا وكان السرادق ممتلئا بوزراء ومشايخ وكان أيامها الشيخ الخضرى أحد الشيوخ الكبار فى الأزهر ولكن يبدو صغر السن يجعل الإنسان لا يدرك مواقف معينة، وجلس شعيشع على دكة القراء وراح يقرأ «ربع» وانفعل المعزون معه.
بعد القراءة ذهب إليه الشيخ عبدالله عفيفى بك، وكان يعمل إماما للملك فاروق، وقال له «أنت لازم تقرأ فى الإذاعة يا ابنى أنت صوت لا مثيل له»، وطلب منه الحضور فى اليوم التالى لمكتب سعيد باشا لطفى مدير الإذاعة وقتها ووقفت أمام لجنة الاختبار وعمرى 17 عاما وقرأت لما يزيد عن الساعة، وكانت اللجنة مكونة من كبار العلماء منهم: الشيخ أحمد شوريت، وإبراهيم مصطفى عميد دار العلوم، والشيخ المغربى ومصطفى رضا مدير معهد الموسيقى، وفى ذلك الوقت كانت الإذاعة متعاقدة مع الشيخ محمد رفعت، والشيخ عبدالفتاح الشعشاعى، وتم التعاقد معه أيضًا، وازدادت شهرة الشيخ حتى أصبح من أعلى القراء أجرًا، إذ بلغ أجره 25 جنيهًا فى العام 1948، عن كل قراءة فى الإذاعة، ومائة جنيه عند إحيائه الليلة الواحدة، وهو أجر كبير لم يصل إليه فى تلك الأيام سوى 3 من الكبار.
لم يكن أمرا عاديا أن يلتحق الشيخ أبو العينين شعيشع كقارئ بالإذاعة وعمره17 عاما وكان الحدث غريبا لأن أثناء الاختبار أبهر صوته المشرف الإنجليزى على الإذاعة، لأنه كان صوتا جديدا لا يتناسب مع عمره.
وبعد الانتظام فى القراءة بالإذاعة بدأت الدعوات تنهال عليه من كل مكان بسبب صوته وصغر سنه ومنذ ذلك الحين كان الشيخ أبو العينين شعيشع يحيى جميع الحفلات الخاصة بالملك والعائلة المالكة سواء للأميرات أو الأمراء.
ومع استمراره فى القراءة فى الإذاعة جاءت فرصة احتراف التلاوة خارج مصر، بعد أن طلبته إذاعة فلسطين وكانت اسمها إذاعة الشرق الأدنى وهى كانت تابعة للجيش البريطانى فى ذلك الوقت وذاع صيت الشيخ ليس فى مصر وحدها بل فى بلاد الشام وتركيا وكان عمره وقتها 18 عاما، وكانت إذاعة الشرق الأدنى مقرها وكانت فى مدينة يافا وتدار لصالح الجيش الإنجليزى، ووقع عقدا لمدة 3 شهور مقابل 200 جنيه إسترلينى فى الشهر الواحد، لكنه لم يتحمل الغربة وعاد إلى القاهرة رغم رفض رئيس الإذاعة، وبعد أن أصبحت له شعبية كبيرة لدى مستمعى الإذاعة.
وفى القاهرة شارك الشيخ شعيشع فى سهرات القصر الملكى الرمضانية لقراءة القرآن، بعد أن أبلغه ناظر الخاصة الملكية مراد باشا محسن بأن الملك استمع إلى صوته وأعجب به.
وجاءت سهرات القصر الملكى فى وقت خلاف بين القصر الملكى والنحاس باشا رئيس الوفد، وكان الملك يريد أن يجلب شعبية له أمام منافسيه من حزب الوفد فقرر إقامة السهرات الرمضانية وفتح القصر للناس ليفطروا فيه وتوزيع الطعام على المنطقة المحيطة بقصر عابدين.
ويعد الشيخ أبو العينين شعيشع أول قارئ مصرى يدعى للقراءة فى الخارج فى فلسطين ودمشق وإسطنبول، وكانت شركات الأسطوانات تصنفه ضمن أفضل عشرة أصوات فى مصر، ولذلك منذ تلك الأثناء بدأت عدة دول تطلب القراء المصريين لإحياء الليالى سواء فى رمضان أو غيره ولذلك أطلق على البعض سفير القراء المصريين.
علاقة شعيشع بثورة يوليو
المفاجأة أن الشيخ أبو العينين شعيشع ربطته علاقة بالزعيم الراحل جمال عبدالناصر ورفاقه قبل ثورة يوليو، وحضر دون أن يدرى اجتماعاتهم السرية التى كانوا يخططون فيها للثورة.
وكان أول من قرأ فى الإذاعة بعد قيام ثورة يوليو وأول حفل للاحتفال بها حضره عبدالناصر فى مدينة بيلا فى بداية عام 53، وقرأ فيه الشيخ شعيشع لكن قصة حضوره اجتماعات الضباط الأحرار تعود إلى أحد أقاربه من الضباط واسمه محمد المنشاوى، وكان ساكنا بالقرب منه وخلال زيارته كان يجد عنده مجموعة من الضباط فى البيت وكان من بينهم جمال عبدالناصر وأنور السادات وعبدالحكيم عامر ولم يكن يعرف وقتها ماذا يفعلون واكتشف بعد ذلك أن الاجتماع كان لتنظيم الضباط الأحرار، وكان جمال عبدالناصر يسكن بالقرب من بيته فى نفس الشارع.
لكن حدث الثورة أن قام بعض أهل الشر بالوشاية بالشيخ أبو العينين لدى قادة الثورة، وبأنه كان مقرئ الملك ويسهر معه فى قصوره فندرت إذاعة قراءاته للإذاعة وهو ما جعله يشعر بالضيق الشديد، خاصة أنه كانت تربطه علاقات جيدة بهم وأول من قرأ للثورة بعد نجاحها وكانت له علاقة جيدة بالصاغ صلاح الدسوقى. وتأثرت صحة الشيخ شعيشع وتعب صوته بسبب الوشاية لكن أولاد الحلال مثل بعض الضباط وأم كلثوم تدخلوا لدى رئيس الإذاعة وعادت الأمور إلى طبيعتها وبسبب هذه القصة السخيفة قابله الرئيس جمال عبدالناصر خلال استقبال الرئيس الصومالى الذى أراد رؤيته وتكلم معه الزعيم الراحل عبدالناصر فى قصة منعه من الإذاعة، وأكد له أن الأمر لم يكن مقصودا.
كان الشبه البديع بين صوت الشيخ أبو العينين والشيخ محمد رفعت هو الذى جعل رئيس الإذاعة أمين حماد، أن يطلب منه المشاركة فى مشروع ترميم تسجيلات الشيخ محمد رفعت بعد رحيله فوافق على الفور وبدون مقابل.
وذهب مع أمين حماد للإذاعة وشرح له مهندسون فى الإذاعة كيفية ترميم المناطق التى تحتاج لعملية ترميم فى التسجيلات، وكان أحيانا الحرف الواحد يأخذ منا ساعتين أو أكثر حتى أتمكن من تقليد صوته بالضبط، وكانت هناك آيات ضائعة بالكامل، وقامت الإذاعة ببث تلك التسجيلات التى مازلنا نستمع إليها حتى الآن.
الشيخ أبو العينين شعيشع والسينما
شارك الشيخ شعيشع فى عدة أفلام بتلاوة القرآن الكريم وأداء الأذان كاملا فى كثير من مشاهدها منها فيلم المرأة عام 1949مع الفنانة أحلام وكمال الشناوى ومحمد توفيق وفيلم بلد المحبوب عام 1951مع الفنان إسماعيل يس، وأيضا فيلم فى صحتك عام 1955مع الفنانة حورية حسن وحسن اتله وحمدى غيث وغيرها من أفلام أخرى.
وكان أبو العينين شعيشع من أكثر المقرئين ظهورًا بالسينما المصرية، نظرًا لتمتعه بصوت خاشع فى تلاوة القرآن وأداء الابتهال، مع وجود صيغة أذان بصوته اتسمت بالشجن العميق والخشوع المتناهى، وهو ما يناسب الأفلام الميلودرامية.
فى علاقته بالسينما لم تقتصر على صوته فقط، وجاء الظهور الأول للشيخ أبو العينين شعيشع بالسينما المصرية، فى العام 1946 بأحد أهم مائة فيلم فى السينما المصرية، وهو «النائب العام» للمخرج أحمد كامل مرسى وبطولة: حسين رياض، زكى رستم، عباس فارس، مديحة يسرى، زينب صدقى، زوزو حمدى الحكيم، إبراهيم عمارة، سراج منير.
ظهر شعيشع فى دور طالب بالأزهر ومقيمًا للشعائر، استُخدم أذانه كإشارة درامية لتصاعد الأحداث الجسام بالفيلم، عبر تذكِرة أبطال الفيلم بأعنف الذكريات فى حالات الاسترجاع.
بعد عرض الفيلم أرسلت له مشيخة الأزهر برئاسة الشيخ مصطفى عبدالرازق خطاب شكر، على ما قدمه من دور مميز أثبت فيه مدى ثقافة واستنارة رجل الدين فى العصر الحديث.
توالت الأيام، وجاء العام 1947 بخطوة جديدة للشيخ الجليل عبر مشاركته بفيلم «ابن عنتر»، بطولة وإخراج أحمد سالم وشاركه فى البطولة: مديحة يسرى، سراج منير، إسماعيل يس، إستيفان روستى، سعاد مكاوى، السيد بدير.
ظهر شعيشع مؤذنًا وتاليًا للقرآن الكريم فى الأجواء الصحراوية، المليئة بالأحداث الساخنة والملتهبة مع أجواء شجية، تتماشى مع صوته المعانق لمقام الصبا، الحاوى للشجن فى مقامات النغم، ولذلك أطلق عليه من قِبل الموسيقيين لقب «ملك الصبا».
تكرر معه دور المأذون مجددًا فى العام 1951، من خلال فيلم «بلد المحبوب» للمخرج حلمى رفلة وبطولة: سعد عبدالوهاب، تحية كاريوكا، إسماعيل يس، سعاد مكاوى، حسن فايق، زينات صدقى، عبد السلام النابلسى.
وانتشرت موجة الميلودراما فى السينما المصرية منذ مطلع الخمسينات، وهو ما دُشن من مخرج الروائع حسن الإمام الذى استعان بملك الصبا فى العام 1952 من خلال فيلم «غضب الوالدين» بطولة: محسن سرحان، حسين رياض، شادية، شكرى سرحان، زوزو حمدى الحكيم، سميحة توفيق، أحمد علام.
استعان الإمام بصوت الشيخ الحزين المناسب لميلودرامية الفيلم، وذلك فى لقطة عودة بطل الفيلم لبيت والديه عقب خروجه من السجن، وصوت شعيشع يتلو كخلفية موظفة لندم الإبن العاق الآيات التى دعت لبر الوالدين فى سورة الإسراء.
استثمر المنتج والمخرج الفنان محمود ذوالفقار، نجاح فيلم الإمام من خلال صوت الكروان الباكى، ليستعين به فى فيلم «آمنت بالله» بطولة: عزيزة أمير، مديحة يسرى، كمال الألفى، إستيفان روستى، محمود المليجى، ثريا فخرى، زهرة العلا.
كان صوت الكروان مؤازرًا على الدوام للبطلة فى محنتها بفقد ابنها، ولجوئها للصبر والإيمان بما قسمه الله وهو ما جسده الشيخ بتغريدة للقرآن عبر الآيات الدالة على هذه المعانى.
ظهر الشيخ أبو العينين شعيشع آخر مرة فى السينما، فى أحداث فيلم «فى صحتك» للمخرج عباس كامل، وإنتاج حسين فوزى والذى أطلق عليه «فيلم الوجوه الجديدة» لحداثة التجربة لشباب التمثيل الواعد وهم: حمدى غيث، محمد قنديل، سلوى جلال، هيرمين.
لعب شعيشع دور واعظ وإمام مسجد يسعى عبر الحكمة والموعظة الحسنة لتغيير مسار بطل الفيلم، الذى انحرف عن الاستقامة بمعاقرة الخمر من خطوات أصدقاء السوء.
أُصيب صوت الشيخ أبو العينين شعيشع بمرض فى مطلع الستينيات، غير أنه غلبه وعاد للتلاوة، وعُيّن قارئًا لمسجد عمر مكرم سنة 1969م، ثم لمسجد السيدة زينب منذ 1992. ناضل فى السبعينيات لإنشاء نقابة القُرّاء مع كبار القراء وقتئذ مثل محمود على البنا وعبدالباسط عبدالصمد انتُخبَ نقيبًا لها سنة 1988.
نال الشيخ وسام الاستحقاق من سوريا ووسام الرافدين من الدرجة الأولى من العراق، وحصل على وسام الأرز من لبنان وغيرها من الأوسمة فى الأردن والصومال وتركيا وباريس، وظل يعمل كمستشار لوزير الأوقاف لشؤون القرآن الكريم حتى وفاته فى 23 من يونيو عام 2011.
بقلم
عادل السنهورى