قال وكيل الأزهر الدكتور محمد الضويني إن الإسلام الذي ينطق باسمه الأزهر هو دين التسامح والمحبة والسلام، دين يدعو للمحبة ونبذ الكراهية بين البشرية جمعاء، ويوضح أن الأصل في العلاقة بين الناس وبعضهم هو السلم والأمان والتعارف والتعاون. وأضاف وكيل الأزهر – في كلمته خلال احتفالية نهضة العلماء بإندونيسيا فرع القاهرة والتي جاءت تحت شعار “الإنسانية والسلام”- إذا رجعنا بالتاريخ للوراء وجدناه حافلًا بالأمثلة والمواقف التي تجسد معنى التعايش السلمي بين الناس جميعًا باختلاف أديانهم وأعراقهم ومذاهبهم وأعرافهم، حتى صار التعايش السلمي ضروريًا لتحقيق التعاون والوحدة والتواصل الفعال الذي يهدف لبناء الأوطان والمجتمعات لا إلى هدمها وتخريبها. وأكد عمق العلاقات بين إندونيسيا والأزهر على المستويين الرسمي والشعبي بكثير من المجالات، حيث أن روح الأزهر تسري بنفوس أبناء إندونيسيا، موضحًا أن مصر من أوائل الدول التي رحبت باستقلال إندونيسيا في 17 أغسطس 1945. وأضاف أنه في 22 مارس 1946 اعتمدت وزارة الخارجية المصرية جمعية “استقلال إندونيسيا” ممثلًا رسميًا عن حكومة بلادها المستقلة، وفي 15 مارس 1947 أعلنت مصر اعترافها الرسمي باستقلال إندونيسيا. وأوضح أن الأزهر اهتم بأبناء إندونيسيا الراغبين في العلم فخصص لهم أحد أروقته ونسبه لـ”جاوة” أكبر جزر إندونيسيا، وما زال هذا الرواق موجودًا حتى اليوم في حرم الجامع الأزهر تحت اسم “الرواق الجاوي”؛ ليشهد بعمق العلاقة العلمية التي استمرت حتى يومنا هذا. وتابع أنه استمرارًا لهذا المنهج الكريم أسس الأزهريين من أبناء إندونيسيا رواقًا جديدًا أنشئ قبل سبع سنوات تقريبا تحت اسم “رواق إندونيسيا”، وهو رواق تشهد فعالياته بحب أبناء إندونيسيا للأزهر؛ بهدف نشر الوسطية والسلم والتعايش ونبذ العنف والإرهاب. وأشار إلى أن ما تقدمه جمعية “نهضة العلماء” من جهود علمية وعملية دليل على أن شعب إندونيسيا قد أحسن فهم قيم الإسلام التشريعية والخلقية، وحولها لسلوك عملي على مستوى الأفراد والمؤسسات، أوجد لها مكانًا في صدارة الدول المتقدمة. ولفت إلى أن هذه الجمعية استطاعت أن ترد على اتهام أعداء الإسلام بأنه دين الكسل والتواكل، وأنه يعيق التنمية الاقتصادية والسياسية الإسلام، كما أكدت بشكل عملي أن الإسلام هو دين عمارة الدارين الدنيا والآخرة، مضيفا “نحن نجتمع اليوم في لقاء حول الإنسانية والسلام، وما أحوج البشرية إلى أن تستلهم قيم السلام وأخلاق السلام”. ونوه بأنه إذا كنا سنحتفل خلال أيام بذكرى الإسراء والمعراج التي خلد القرآن شأنها في قوله تعالى “سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير”، تلك الذكرى الغالية على قلوب المسلمين بمشارق الأرض ومغاربها؛ فإن من الواجب أن نفهم أولًا أن الإسراء والمعراج ليست معجزة كسائر المعجزات إنما هي جزء أصيل من المكون العقدي للمسلم، أيا كان موطنه. وقال “إن ارتباط المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالأقصى والقدس وفلسطين هو ارتباط عقدي إيماني، وليس ارتباطًا انفعاليًا عابرًا ولا موسميًا مؤقتًا، فالقدس بقعة مباركة، من أقدس البلاد وأشرفها، وهي أرض النبوات، وتاريخها مرتبط بسير الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، وهي عزيزة علينا دينًا ودنيا، قديمًا وحديثًا، ولن نفرط فيها أبدًا مهما كانت المغريات، ومهما عظمت التهديدات”. وأضاف وكيل الأزهر أن ذكرى الإسراء والمعراج على ما تحمله من معان روحية سامية فإنها تجدد وتعيد فينا جراحًا لم تلتئم بعد، لأن أرض المسرى اصبحت أسيرة، والقدس مدينة السلام وغزة مدينة العزة والإباء يغتال أبناؤهما برصاصات الغدر، كما أن قوات الاحتلال يعتدون على المسجد الأقصى بالاقتحامات، وينتهكون فيه الحرمات. وأكد أن تحرير المسجد الأقصى وعودته للمسلمين خالصًا وفلسطين كاملة بإذن الله وعد صادق في كتاب ربنا لن يتخلف، حيث يقول الله تعالى: «فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا». وقال “تحرير فلسطين قضية محسومة لا يخفى علينا إلا وقتها، وحتى يأتي هذا الوقت فإنه واجب على المسلمين ألا يخدعوا عن قضيتهم وألا يصابوا في وعيهم، وأن يحسوا بالواقع الأليم الذي يعانيه أهل فلسطين، وأن يدركوا ما يحاك للقبلة الأولى التي لا تقل شرفًا وتعظيمًا عن بيت الله الحرام”. وشدد على أن ما يحدث في غزة اليوم أمر يحتاج إلى وقفة مع عالم اليوم الذي يتغنى بالحرية والديمقراطية، من خلال مؤسسات دولية وهيئات أممية تشهد مواثيقها ومعاهداتها بأن المسجد الأقصى مسجد إسلامي عربي وأن فلسطين أرض عربية تحت الاحتلال، ثم لا يتحرك لهم ساكن وهم يرون هذه الانتهاكات، وما يجرى من اعتداء آثم على الفلسطينيين قتلا وجرحا واعتقالا، كل ذلك يحدث في صمت مخز من المجتمع الدولي الذي لم يكترث لكل هذه الانتهاكات ولم يصدر عنه سوى المطالبة بالتهدئة وضبط النفس. وأضاف “نحن أمة العرب والإسلام.. أمة سلام، ولكنه سلام القوة وليس سلام الضعف والانكسار والانهزام، وإننا نوقن أن هذا السلام هو الخيار الأوحد للعالم ليتجاوز الثمرات المرة للكراهية”. وأوضح الدكتور الضويني أن طريق الأزهر واضح ومحدد، فهو سني يدرس كتب أئمة المسلمين من أهل السنة والجماع عقيدة وشريعة وسلوكًا، وعلى هذا المنهج المتكامل تربية أبناءه؛ لينهض بهم مادة وروحًا، ويحفظهم عقلًا وقلبًا، وهو إنساني دون أن يطغى جانب على جانب. وتابع أن الأزهر مؤسسة تراثية معاصرة فهو يرتكن للأصول والثوابت ولا يلغي العصر أو يتجاوز الواقع، مبينا أن خير دليل على وعي قادة إندونيسيا الذين يدركون مسئولياتهم في ظل وجود كثير من التيارات المنحرفة في ربوع الأرض أنهم يرسلون أبناءهم للأزهر وهم موقنون أنهم سيرجعون إلى بلادهم ومعهم العلم الشريف الذي يصون الإنسان، ويحفظ العمران، ويبعث بمزيد من الصلاح والإصلاح.
المصدر بوابة الأهرام