هل تهدد مواقع التواصل الأمن القومي الاقتصادي للدول؟

موقع مصرنا الإخباري:
لم يتجاوز الحديث عن مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الماضية حد اعتبارها لاعبًا في السياسة الدولية، ومحركًا لثورات هنا أو خامدًا احتجاجات هناك، فكل دولة حسب موقعها في سلم القوي تقوم باستخدام هذه الأداة في تحقيق أجندتها الداخلية والخارجية، فلم تعد مواقع التواصل أداةً للترفيه بقدر ما أصبحت أداةً للتغيير وفرض الأجندات علي العقول.

وبالحديث عن التأثيرات الدولية لهذه المواقع فسوف أقوم بسرد سريع لوقائع وتصريحات مهمة، منذ أيام تتهم الولايات المتحدة روسيا باستخدام مواقع التواصل في ما أطلقت عليه “حملات مضللة” لمحاولة إقناع العالم بأن النظام السوري فرض نفسه وانتصر، ولا تتوقف الولايات المتحدة أيضًا عن اتهام الصين لاستخدامها مواقع التواصل في فرض الأمر الواقع على هونج كونج وإخفاء حقيقة التعامل مع الإيجور بالإضافة إلى السيطرة على بلدان أفريقية، وفي الوقت ذاته وعلي النقيض تمامًا، استغلت الولايات المتحدة مواقع التواصل للاستثمار في الاضطرابات الحالية فى ميانمار، حيث أشاعت بأن الصين هي التي تمول الانقلاب هناك من أجل تأمين خطوط إمداد الطاقة بين البلدين، ونتيجة لتلك الأخبار التي روجت لها الولايات المتحدة، قام المواطنون هناك بحرق المصانع الصينية وتخريبها. كل هذه الوقائع الجديدة تثبت تصاعد دور مواقع التواصل في الصراع العالمي في السنوات القادمة.

هل تحولت مواقع التواصل الاجتماعي من مجرد أداة سياسية إلى قارعة طبول حرب اقتصادية؟

والآن أصبحت القضية أكثر خطرًا، حيث بدأ استخدام مواقع التواصل للتلاعب بالأسواق المالية في العالم، وهو ما يعد خطرًا اقتصاديًا يهدد الأمن القومي، إن ما يجتذب العيون نحو هذه الزاوية الجديدة، هو ما حدث منذ عدة أيام في الأسواق المالية بالصين من اضطرابات كبيرة تسببت في خسائر حتي للصناديق المملوكة للدولة، بدأ الأمر عندما انتشرت أخبار علي إحدى مواقع التواصل الصينية “weibo” تفيد بأن هناك تراجعًا في البورصة الأمريكية، ما تسبب في انتشار الذعر في الصين خوفًا من تكرار مأساة الأزمة المالية ٢٠٠٨، ونتيجة لذلك الخوف بدأ المستثمرون في بيع الأسهم مما أحدث تراجعًا كبيرًا في قيمتها. وهذا ما يجعلنا نتساءل، كيف تتأثر بورصة في الشرق نتيجة اضطرابات في بورصة في الغرب بل وتخسر أكثر منها؟ وهو ما يشير إلي سهولة استخدام مواقع التواصل للإضرار والتلاعب بالأسواق المالية في أي مكان بالعالم.

كيف تستخدم مواقع التواصل في نقل الصراع الاجتماعي إلى الأسواق المالية؟

لم يقتصر الأمر على اضطرابات اقتصادية عابرة للحدود، بل تستخدم أيضًا في اضطرابات اقتصادية داخلية عبر نقل الصراعات الطبقية والاجتماعية من ساحة السياسة إلي ساحة الاقتصاد من خلال الأسواق المالية، هذا ما حدث منذ عدة أسابيع في الولايات المتحدة، مجموعة من الشباب يطلقون علي أنفسهم ال “Redditors” قاموا بعمل ملتقي افتراضي علي الفيسبوك “wall street bets” من أجل القيام بمضاربات جماعية تستهدف الانتقام من كبار المضاربين وتكبيدهم خسائر فادحة، بدأت التجربة مع شركة الألعاب Game stop, حيث ارتفعت قيمة الأسهم بشكل مبالغ فيه وبدون سبب حقيقي، إلا أن ذلك الارتفاع الجنوني كان نتيجة اتفاق هذه المجموعة فيما بينها علي شراء الأسهم بشكل مفاجئ وبكميات كبيرة مما أدى لارتفاع القيمة، وقد فعلوا ذلك لأن كبار المضاربين كانوا يراهنون علي انخفاض قيمة الأسهم عبر صناديق التحوط، وكان ذلك الارتفاع بمثابة خسارة فادحة لهم.

لقد كان ذلك من منطلق صراع مع كبار المتداولين الذين يتحكمون في ال wall street، وهو ما أشعل حماسًا عند طبقات اجتماعية معينة وجدوا في ذلك وسيلةً للانتقام. وهو ما يدفعنا أيضًا للتساؤل عن حدود التأثير المتوقع في المستقبل لمواقع التواصل الاجتماعي، فعلي ما يبدو أن هذه المواقع أصبحت تؤثر إلي الحد الذي يهدد الأمن القومي والاستقرار الاقتصادي لكثير من الدول.

هل يتحرك العالم نحو توطين هذه المواقع أو التحكم فيها وفرض الرقابة عليها ؟

إن التحكم في هذه المواقع وسياستها ليس مقترحًا من دول العالم الثالث كما يطلقون عليها، حتي لا يتسارع البعض إلي اعتبار ذلك مقترحًا ديكتاتوريًا، بل خرج ذلك المقترح من معقل الليبرالية وحصنها المنيع، أمريكا، لقد تحدث بايدن كثيرًا حول هذا التوجه في برنامجه الانتخابي، وبالفعل رأينا حجب لرؤساء وسياسيين ومؤثرين علي هذه المواقع، ولا يحول بين إصدار تشريع عبر إدارة بايدن يُحمل هذه المواقع مسؤولية قانونية عما ينشر فيها إلا معارضة الجمهوريين لذلك، وقد رأينا مؤخرًا الكثير من البلاد التي تسعي لفرض رقابة علي هذه المواقع، آخرهم تركيا التي حصلت على موافقة من تويتر كي يخضع التطبيق بداخل البلاد لمعايير يحددها المجتمع التركي. هذا التوجه يؤكد مدي الذعر المنتشر في جميع أنحاء العالم_ علي اختلاف الأيدولوجيات_ من خطر مواقع التواصل الاجتماعي علي الأمن القومي في المستقبل القريب.

عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين

بقلم أحمد صابر

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى