استقبل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون نظيره الأميركي جو بايدن في فيلا بونابارت حيث سفارة فرنسا لدى الكرسي الرسولي. واستهل ماكرون اللقاء بالقول “علينا أن ننظر إلى المستقبل”، مشيدا أمام بايدن بـ”قرارات ملموسة” تعيد “الثقة” بين فرنسا والولايات المتحدة.
هذا الاجتماع هو الاول بين الرئيسين الاميركي والفرنسي ايمانويل ماكرون في ايطاليا على هامش قمة العشرين بعد الفتور بين باريس وواشنطن اثر الغاء استراليا صفقة غواصات فرنسية لحساب اخرى اميركية وانشاء تحالف (aukus ) الاستراتيجي العسكري بين اميركا وبريطانيا واستراليا الذي رأت فيه باريس وعدد من الدول الاوروبية انه استهداف لحلف شمال الاطلسي (الناتو).
ومن المتوقع ان يعقد لقاء اميركي فرنسي جديد في باريس، حيث تلتقي نائبة الرئيس الاميركي كامالا هاريس مرة جديدة على هامش المؤتمر الدولي حول ليبيا الذي سيعقد في باريس في 11 و12 الجاري الرئيس ماكرون وكبار المسؤولين لتوطيد العلاقة الثنائية وتعزيز الشراكة والعلاقات الاطلسية بعد ازمة الغواصات.
وبعيداً من “الاطلسي” تواجه فرنسا أيضاً مشكلة في “المانش”، بعدما دخلت العلاقات بين فرنسا وبريطانيا مرحلة جديدة من التوتر اثر خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي (بريكست) وخلاف سياسي بعد دخول بريطانيا في حلف (aukus) الذي وجدت فيه فرنسا واوروبا استهدافا للحلف الاطلسي. لقد فجرت احقية صيد السمك في جزيرة جرسي التي تقع في القنال البريطاني شمال غرب اوروبا وتبعد عن جنوب بريطانيا 150 كلم وعن سواحل فرنسا الشمالية 22 كلم ازمة بين البلدين يسعى اصدقاء مشتركون لتطويقها. فهل بدأ العد العكسي لإنهاء حلف شمالي الاطلسي؟ وما هو مستقبل العلاقات الاميركية – الاوروبية؟
رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والابحاث العميد الركن الدكتور هشام جابر أوضح لـ”المركزية” “ان العلاقة الاطلسية اهتزت منذ زمن، لأن اوروبا اكتشفت، بعد انسحاب الولايات المتحدة من افغانستان، أنها لم تأخذ علما بهذا الامر وصُدِمت، خاصة فرنسا والمانيا”، لافتاً الى ان “الخناق بدأ يضيق حول الحلف الاطلسي منذ سنوات عدة حتى الالغاء. وامس قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان “حلف الاطلسي اصبح ضدنا بعد عملية طرد المندوبين الروس من بروكسل”.
وأكد جابر ان “حلف شمال الاطلسي تم إنشاؤه في مواجهة حلف وارسو، ومع تفكك الاتحاد السوفياتي تفكك حلف وارسو. كما ان حلف الاطلسي قائم على اساس مبدأ “من هو العدو المحتمل”. وهنا يجدر السؤال عمن هو عدو الحلف الاطلسي؟ من دون ان يكون معلنا، هو روسيا واستطرادا الصين. واليوم، بعد ان أقام بايدن حلفا مع استراليا وبريطانيا الى جانب الحلف الاطلسي، انزعجت اوروبا ورفعت الصوت، وتساءلت عن ماهيته وضد من هو موجّه؟ وفضّلت اوروبا تأسيس قوة اوروبية للاستغناء عن الحلف الاطلسي، بعدما تبين ان هدفه حماية مصالح الولايات المتحدة في اوروبا وليس للدفاع عن اوروبا”.
وأشار جابر الى ان “بايدن وماكرون بحثا، على هامش قمة العشرين، التوتر بين فرنسا والولايات المتحدة، وتطرقا بالطبع الى قضية حلف الاطلسي ومحاولة انقاذه. من الجانب الاميركي، تقول الولايات المتحدة انها تتحمل 80 في المئة من نفقات حلف الاطلسي، ومنذ زمن دعا الرئيس السابق دونالد ترامب الدول الاوروبية الاعضاء في الحلف الى إنفاق المزيد من الأموال بدلا من ترك الولايات المتحدة تأخذ على كاهلها تحمل العبء الأكبر في ميزانية الحلف”.
أما بالنسبة للعلاقات الفرنسية – البريطانية، فرأى جابر ان “هناك حتما ملفات كثيرة عالقة بينهما بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، يجب حلّها، أهم من الحلف الذي أقامته مع استراليا والولايات المتحدة. فهما دولتان تجمعهما حدود بحرية مشتركة عبر بحر المانش، وبالتالي تربطهما مسائل التجارة والصيد والتنقلات اليومية للاشخاص بين البلدين. واعتقد ان الاجتماع بين ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون كان ايجابيا”.
وعن دور فرنسا في الشرق الاوسط وعما اذا كان بايدن اعطى ماكرون دوراً اكبر في المنطقة تعويضا عن صفقة الغواصات، أجاب: “الرئيس الاميركي أعطى الرئيس الفرنسي دوراً في سوريا والعراق ولبنان قبل صفقة الغواصات، لأن الولايات المتحدة لم يعد لديها الوقت للاهتمام بمنطقة لم تعد على لائحة الاولويات الاميركية، اذ ان بايدن يصبّ اهتمامه على الداخل الاميركي أولاً ومن ثم على الصين، وثالثا ورابعا يأتي الشرق الاوسط. هذا لا يعني طبعا انه سمح له بالحلول مكان الولايات المتحدة بل أعطاه دورا كحليف ودعمه لحل مشاكل الشرق الاوسط عموما ولبنان خصوصاً، على ان يطلع منه على المستجدات”.
وختم جابر: “بايدن وماكرون تصالحا، لكن لا اعتقد ان هناك ثقة بينهما، تبقى فرنسا حليفة اميركا الى حين. وحلف شمال الاطلسي بدأ العد العكسي لإنهائه”.