حدّد الرئيس اللبناني ميشال عون، يوم الخميس المقبل، 23 يونيو/حزيران الجاري، موعداً لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليفِ رئيسٍ لتشكيل الحكومة، وذلك بعد انتقادات طاولت تأخير خطوته بذريعة إجراء انتخابات اللجان النيابية وانتهاء جولة الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية جنوباً آموس هوكشتاين.
ونفت مصادر في قصر بعبدا الجمهوري، في حديث لـ”العربي الجديد”، الاتهامات التي تطاول رئيس الجمهورية بالمماطلة بناءً على رغبة رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل (صهر الرئيس عون) وحتى الاتفاق على شخصية معينة، مشيرة في المقابل إلى أهمية إفساح المجال أمام القوى السياسية للمناقشة والتشاور ودراسة مقترحاتها لاختيار الاسم المناسب لمرحلة مهمة ومصيرية في تاريخ البلاد.
ورُبِط التأخير بالدعوة للاستشارات النيابية، التي كان من المفترض أن تحصلَ هذا الأسبوع، برئيس التيار الوطني الحر الذي يرفض عودة نجيب ميقاتي لتولي رئاسة الحكومة، الذي لم يوافق على شروطه الوزارية، ولكنه يواجه رغبة “حزب الله” و”حركة أمل” (بزعامة نبيه بري) بتسميته، ما يضمن أقله الحصول على الغالبية المطلقة، كالتي حازها بري عند انتخابه رئيساً للبرلمان، أي 65 صوتاً لتعبد له الطريق إلى السرايا الحكومية.
يأتي ذلك وسط استغلال الرئيس عون لعدم وجود موعد ملزم للدعوة إلى الاستشارات، مع الإشارة إلى أن ميقاتي حاز في آخر الاستشارات 72 صوتاً، مع حصوله على دعم كتلة المستقبل النيابية (بزعامة سعد الحريري) التي باتت خارج الكادر النيابي لعام 2022.
ومعلومٌ أنّ وصول الرئيس المكلّف غير مرتبط بعدد أصواتٍ محددٍّ، لكن هناك بدعة الميثاقية، التي يلعب باسيل على وترها للقول إن ميقاتي وصل من دون أصوات الطائفة المسيحية، باستثناء قلة من المستقلين و”تيار المردة” (بزعامة سليمان فرنجية حليف حزب الله)، في ظل معارضة التيار وحزب “القوات اللبنانية” (بزعامة سمير جعجع) لتسمية ميقاتي.
ووزعت دوائر القصر الجمهوري الكتل النيابية المؤلف منها البرلمان، وكان لافتاً أن النواب التغييريين لم ينضووا رسميّاً في كتلة رغم أنهم يجتمعون معاً وينسّقون مواقفهم سوياً ويتحدثون باسم كتلة تجمعهم، فأتت أسماؤهم منفصلة وبتواقيت مختلفة لتسمية رئيس الحكومة.
وتبدأ الاستشارات مع نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب (ضمن كتلة تكتل لبنان القوي برئاسة النائب جبران باسيل)، ومن ثم نواب “اللقاء النيابي الشمالي” التي تضمّ 7 نواب، وفيها غالبية من قدامى “تيار المستقبل” (بزعامة سعد الحريري)، كتلة نواب “الكتائب” وتضمّ 4 نواب، برئاسة النائب سامي الجميل، “التكتل الوطني المستقل” المحسوب على “تيار المردة” برئاسة سليمان فرنجية، ويضمّ 3 نواب، “كتلة اللقاء الديمقراطي” (تمثل الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة وليد جنبلاط)، وتضمّ 8 نواب.
وكذلك، “كتلة جمعية المشاريع” تضم نائبين مقربين من حزب الله، “كتلة الوفاء للمقاومة” التي تمثل حزب الله نيابياً وتضمّ 15 نائباً، “كتلة الجماعة الإسلامية” تضم النائب عماد الحوت، و”كتلة حركة الاستقلال” تضم نائبين من خانة المعارضة.
ومن ثم “كتلة الجمهورية القوية” التي تمثل “حزب القوات اللبنانية” برئاسة سمير جعجع، وتضم 19 نائباً، “كتلة التنمية والتحرير” برئاسة نبيه بري وتضمّ 15 نائباً، “تكتل لبنان القوي” وتضم 17 نائباً، و”كتلة نواب الأرمن” وتضم 3 نواب، إلى جانب النواب المستقلين والتغييريين الذين يتوزعون في فترات قبل الظهر وبعدها، مع الإشارة إلى أن الاستشارات تجري في يومٍ واحدٍ.
التكتم سيّد الموقف بالنسبة للمعارضة
إلى ذلك، تسعى القوى المعارضة وعلى رأسها “القوات اللبنانية” للتوافق مع أكبر عددٍ من الكتل التي تصبّ في خانتها “السيادية” لإيصال شخصية غير ميقاتي ولا تصب في دائرة ما يُعرَف بقوى 8 آذار، خصوصاً بعد الضربة التي تلقتها في انتخابات رئاسة البرلمان ونيابتها، وهما الموقعان اللذان بقيا في ملعب التيار الوطني الحر – حزب الله – حركة أمل، ولإدراكها أهمية وصول رئيس حكومة على هواها بعيدا عن “منظومة العهد” في هذه المرحلة الدقيقة اقتصادياً، مع العلم أن القوات وغيرها من “المعارضين” توافقوا على التحاصص في انتخابات اللجان النيابية مع الخصوم.
وعلى الرغم من تكثيف المشاورات والاتصالات بين اللوبيات السياسية النيابية وقرب الموعد المرتقب للاستشارات، فإن التكتّم سيّد الموقف حول الشخصية التي يريد فريق المعارضة أو حتى “النواب التغييريون” التصويت لها، والتي قد لا يُعلَن عنها إلّا في اللحظات الأخيرة.
وبرزت في الفترة القليلة الماضية حركة للنائب فؤاد مخزومي الطامح منذ سنين لتولي رئاسة الحكومة، والذي يرفع خطاباً معارضاً لحزب الله، وكان لافتاً لقاؤه النائب أشرف ريفي، وإعلانه الاتفاق على تشكيل كتلة سيادية تغييرية وطنية تتطلع إلى جمع قوى التغيير والقوى السيادية والمستقلين الرافضين لـ”منطق الدويلة” ومن خلفها منظومة الفساد والتخريب، على حدّ تعبيره، مؤكداً أن هذه الكتلة ستشكل مدخلاً للتعاون مع مختلف القوى السيادية والتغييرية.
كذلك، تتردّد أسماء شخصيات سنية عدة لتسميتها، منها السفير نواف سلام، الذي كان خياراً للقوات سابقاً، وهو اسم حاز أيام انتفاضة 17 تشرين دعم الشارع اللبناني، بيد أن حظوظه تراجعت بعد الانتخابات النيابية التي سحب نفسه منها.
تبقى حظوظ ميقاتي الأعلى حتى من قبل دار الفتوى بذريعة إمساكه بالملفات الاقتصادية
كما برز اسم النائب المستقل عبد الرحمن البزري، في حين تبقى حظوظ ميقاتي الأعلى حتى من قبل دار الفتوى بذريعة إمساكه بالملفات الاقتصادية، التي يفترض متابعتها، ولا سيما على صعيد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، علماً أن وصوله لن يكون إلا بناءً على تسويات مسبقة على الطريقة المعتادة بتحاصص الوزارات الأساسية أو السيادية، في ظل تمسك حركة أمل بوزارة المال بالدرجة الأولى، والتيار الوطني الحر بشكل أساسي بوزارتي الطاقة والخارجية.
يقول النائب في التغييريين رامي فنج، لـ”العربي الجديد”: “إننا ككتلة نتحضّر للمشاركة في الاستشارات النيابية عند الدعوة إليها، ونأمل عدم الإطالة بها والتأخير في الإقدام عليها، لأن البلد لم يعد يحتمل مماطلة وهدرا للوقت بينما الانهيار لا ينتظر أي استحقاق”.
ويفضّل فنج عدم الكشف عن الأسماء التي تتصدر لائحة النواب التغييريين، لكنه أكد أن هناك شخصيات كثيرة قيد التداول، والمهم هو المعايير المطلوبة والمواصفات التي يقتضي وجودها في الرئيس، الذي سيتولى تشكيل الحكومة وترؤس السلطة التنفيذية، مشدداً على “أننا سنسعى بكل قوتنا لمنع التعطيل أو التأجيل والدفع باتجاه الإسراع أيضاً في تشكيل الحكومة”.
ويؤكد فنج ضرورة أن يكون هناك فصل بين النيابة والوزارة، و”قريباً سيصدر بيان عن النواب التغييريين يتطرق إلى الملف الحكومي والمواصفات المطلوبة في الشخصية التي ستُسمَّى من قبله، والأساس بالنسبة إلينا عدم إعادة إنتاج السلطة نفسها ونأمل هذه المرّة أن يكون هناك تنسيق أكثر مع القوى التي تشبهنا لإحداث الفرق على مستوى رئاسة الحكومة، وأن يكون التوافق لمصلحة البلد والقوى السيادية”.
في المقلب الآخر، تبرز أيضاً حركة “القوات” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” (بقيادة وليد جنبلاط)، والاجتماعات التي تخرج عنها تأكيدات بتوحيد الموقف والمقاربة بشأن الملف الحكومي، علماً أن كتلة التقدمي الاشتراكي النيابية، أي “اللقاء الديمقراطي”، كانت قد صوّتت بخلاف “القوات” لبري لرئاسة البرلمان أخيراً، كما منحت صوتها لميقاتي لتولي رئاسة الحكومة في الاستحقاق الماضي.
لا لـ”الهرطقات”
وقبل إعلان عون عن موعد الاستشارات، أكد النائب عن اللقاء هادي أبو الحسن، لـ”العربي الجديد”، أن الحزب لم يحسم موقفه حول الشخصية التي سيسمّيها وسيعلن عنها في الوقت المناسب، مؤكداً أن “المهمّ ليس اسم الشخص، بل طريقة العمل وشكل الحكومة والبرنامج الذي ستعمل وفقه، ولا سيما في ظل الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد وتتطلب معالجة سريعة وشاملة”.
ولفت أبو الحسن إلى أن “يدنا ممدودة للجميع لما فيه مصلحة البلد”، مشدداً على أن “تأجيل الاستشارات غير مبرّر، فإذا كان السبب انتخابات اللجان النيابية فقد انتهت وكذلك انتهت جولة الوسيط الأميركي وعلى الرئيس عون أن يدعو فوراً للاستشارات، ونخشى أن يكون هناك ربط للتأليف بالتكليف وهذا غير جائز دستورياً والبلد لا يحتمل أي عملية تأخير، فلتتم الدعوة ولتتحمّل كل كتلة نيابية المسؤولية”.
ودعا أبو الحسن إلى الابتعاد عن “هرطقات لا قيمة لها، كالتذرع بالميثاقية والتوافق قبل موعد الاستشارات من تحت الطاولة، وغيرها من الأساليب المعهودة التي لا تساهم إلا في غرق البلاد أكثر”.
المصدر: العربي الجديد