مساء الأربعاء الماضي، في “ميدفيست نايت”، كان وسط البلد في موعد خارج نطاق الجدول اليومي العادي، ومع أنه تعذر حضوري لأسباب تخص عملي، لكن ظل بداخلي هذا التلهف لخطوات مختلفة عن خطواتنا اليومية في الشوارع والأمكنة، تلهف يساوي حماسي نحو تظاهرة نوعية مثل “ميدفيست”، ورهاني على حيويتها، رهان باحث عن بعض الجديد في المشهد الثقافي.
كل شيء ممكن في التجديد والبحث عن فضاءات تتسع للتنوع، أتصور أن هذا كان منطلق المصري مينا النجار (طبيب، ممثل، مخرج) حين اتفق مع صديقه السوداني خالد علي (طبيب، ناقد) على نقل تجربة ميدفيست الانجليزية التي تقام في لندن، إلى مصر بما يتيح لمشاركة طازجة، نابعة من روح المجتمع وقضاياه الخاصة، هذه القضايا التي تتشارك موضوعاتها مع القضايا الإنسانية العامة في كل مكان، لكنها في ذات الوقت تتميز بملمحها الاجتماعي، وربما الجغرافي المتعلق بالمكان وناسه.. التجربة الانجليزية تهتم بعرض الأفلام التي لها بعد خاص بالصحة النفسية، ليشاهدها طلاب كليات الطب، بينما ميدفيست مصر الذي تأسس منذ العام 2017، فإنه يعد أول ملتقى عربي يكترث للسينما والطب، يجذب أفلامًا تبحث عن نقاط الالتقاء وتخرج عن مسار الانحناءات التقليدية.
ولأن الجواب يبان من عنوانه، سواء كان العنوان هو موضوع الملتقى (الطب والسينما) أو أن القائمين عليه أطباء بمبادرة تطوعية منهم وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، ففي رأيي أن تكرار السؤال عن العلاقة بين الطب والسينما أو الإبداع بكافة أشكاله، هو تكرار لا معنى له وأن السؤال ذاته يعتبر حماقة، خصوصًا وأن لائحة الإبداع المصري تشمل أسماءً كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر: إبراهيم ناجي، يوسف إدريس، يحيي الفخراني، عزت أبو عوف، نوال السعداوي، محمد المنسي قنديل، أحمد خالد توفيق، فؤاد خليل، سمير الملا (أشهر طبيب في الدراما المصرية).
وبهذا الوعي فإن ميدفيست مصر لا يستهدف فقط الأفلام الخاصة بالطب والصحة النفسية، وإنما يتسع الملتقى لأشكال إبداعية أخرى وبرامج موازية تتضمن ورش العمل، المحاضرات، معرض صور فوتوغرافية كما حدث ليلة الأربعاء الماضي، حيث تم عرض أعمال المصورين المشاركين والفائزين في مسابقة التصوير الفوتوغرافي التي أطلقها الملتقى بعنوان “لحظات”.
بينما بدأت الفعاليات بثلاثة أفلام قصيرة: “”شِفَّة- عيني- لا أهتم- من جوة”، أعقبها جلسة نقاش في مبنى لافينواز، ينتمي إلى معمار عصر النهضة الإيطالي ويقع في تقاطع ٧ شارع شامبليون و١١ شارع محمود بسيوني، كما تم عرض ما تم إنجازه في برنامج “من النص إلى الشاشة” الذي افتتحت فعالياته في يوليو 2020 والقائم على دعم الاتصال بين الصحة وصناعة الأفلام وأهميتها بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وبحضور الأطباء وصناع الأفلام المشاركين في البرنامج.
وفي إطار الوعي ذاته بأهمية الإبداع في صناعة الجمال والنفوس السوية، فإن ميدفيست مصر تسعى لتطوير تيماتها والوصول إلى قطاع أكبر من الناس، هذا كان سببًا مهمًا في الخروج من القاهرة إلى الإسكندرية في الشمال والصعيد في المنيا وأسيوط وسوهاج والأقصر، ما يشير إلى أنها تظاهرة مبشرة ودؤوبة، نرجو لها الحضور الأقوى في السنوات المقبلة، بما يليق بمساعي التنوير وتوهج الإبداع الذي يحمي المجتمع والبشر.
بقلم ناهد صلاح