من طوفان الأقصى إلى عملية الوعد الصادق.. كيف أسقطت المقاومة تحالفات “إسرائيل” الورقية؟ بقلم توفيق الناصري

موقع مصرنا الإخباري:

إذا قارنت الظروف التي سبقت أكتوبر 2023 مع الظروف الحالية، فإن الاتجاه الذي يتغير فيه الوضع يصبح أكثر وضوحًا، وهذا اعتبار مهم.

هناك أسلوب للسلوك الأمني الإيراني، حيث حافظت إيران وسلطاتها على النظام في البلاد، كما حافظت على الأمن القومي.

ولكي نفهم الأحداث الأخيرة في فلسطين، وما حدث منذ تشرين الأول/أكتوبر، علينا أن نبتعد عن الأحداث المحدودة وننظر إلى الوضع من منظور أوسع.

التقيت ذات مرة بالسيد كيسنجر في نيويورك. وسألني: إذا أردنا إقامة علاقة استراتيجية معك، فهل أنت مستعد لذلك؟

أجبت: في الوقت الحالي لا توجد بيننا أي علاقات، ومع ذلك تتحدثون عن إقامة علاقة استراتيجية؟ ماذا تقصد بهذا السؤال؟

وقال إنه: بعد الحرب العالمية، حددنا حدود الدول على الخريطة بأنفسنا، باستثناء اثنتين: إيران ومصر. لقد كنتم هناك بالفعل مع حضارة صاخبة، وسوف تستمرون في الوجود، ولكن بقية الحدود رسمناها نحن. ولذلك، ليس أمامنا خيار سوى إقامة علاقة مع هذين البلدين.

إيران حالياً في وضع حساس جداً. ولا يقتصر الأمر على إيران فحسب، بل إن الوضع في المنطقة بأكملها حرج.

ولكي نفهم الأحداث الأخيرة في فلسطين، وما حدث منذ تشرين الأول/أكتوبر، علينا أن نتراجع خطوة إلى الوراء عن الأحداث المحدودة وننظر إلى الوضع من منظور أوسع.

علينا أن ننظر إلى الوضع باعتباره سلسلة مترابطة من الأحداث. نحن على أعتاب تحول إقليمي كبير، وهناك فرص لإيران في هذا الصدد.

ولنتذكر الحالة التي كانت عليها “إسرائيل” قبل عملية طوفان الأقصى. وظن هذا الكيان أنه ضمن لنفسه مكانة صلبة وحقق الأمن المستدام نتيجة تواطؤه الدنيء مع عدد من دول المنطقة، ناهيك عن الأنظمة الحقيرة التي اصطفت لتطبيع العلاقات مع هذا الكيان.

علاوة على ذلك، فقد نفذ هذا الكيان عدداً من الهجمات الإرهابية في إيران ليثبت أنه قادر على الهجوم في أي مكان يختاره، ولا شيء يمكن أن يمنعه من ذلك. ويبدو أن الغرب قد قبل أيضاً هذا الوضع.

وبعد عملية طوفان الأقصى، أصبح الاستقرار الوهمي للكيان الصهيوني هشاً.

ولهذا السبب لم تعقد قيادتها اجتماعاً في الساعات الأولى من العملية. وبدلاً من ذلك، تدخلت القيادة المركزية للجيش الأمريكي في الأردن وتولت المسؤولية؛ وكانت هذه هي الدرجة التي انهارت فيها الروح المعنوية الإسرائيلية.

وبعد ذلك شاهدتم كيف يطير المسؤولون الغربيون إلى هذا الكيان وكأنهم يهرعون إلى كيان مرعوب لتضميد جراحه الدبلوماسية.

لقد ظنوا في البداية أن بإمكانهم القضاء على حماس في غضون أسابيع قليلة، وتعاونوا جميعا لتحقيق هذا الهدف.

ومؤخراً، وافق مجلس الشيوخ الأميركي على مساعدات بقيمة 26 مليار دولار للكيان الصهيوني، لكن مع مرور الوقت، تبين أن وحدة عمليات حماس استمرت، ولم يحقق الكيان أي انتصارات في هذا الصدد.

إن الحجم الهائل للعنف، على الرغم من الدعاية واسعة النطاق للتستر عليه، أصبح لا جدال فيه، ووصل الرأي العام ضد الكيان إلى مستويات ملحمية، وكانت احتجاجات الجامعات إضافة قيمة إلى هذا الضغط الذي مارسه الرأي العام.

لقد أخافت موجة الضغط هذه القادة الإسرائيليين. ويخشى أن يؤدي ذلك إلى توقف الدعم الغربي لأن الجيل الناشئ في الغرب يعارض سياسات الكيان الصهيوني.

وهذا يكشف طبيعة مقاومة الشعب الفلسطيني، الذي ظل صامدا رغم كل الجرائم التي ارتكبتها “إسرائيل”.

وقد باءت كل الجهود لطردهم بالفشل، ووجهت ضربة قاتلة أخرى لـ “إسرائيل”.

بمعنى آخر، هناك جيل في فلسطين ضحى كثيراً، من الأعضاء إلى البيوت والعائلات بأكملها. وهذا الجيل يكره “إسرائيل” أكثر، ولهذا السبب طرح البعض حل الدولتين.

وهي خطة سبق أن طرحت في الماضي، لكن “إسرائيل” لم تقبلها في البداية. والآن أعاد الغرب طرح هذه القضية مرة أخرى.

كما أن وجود قوى المقاومة في جميع أنحاء المنطقة هو قضية أخرى. وهذه القوى موجودة في المنطقة كواقع لا يمكن إنكاره ولا يمكن لدول المنطقة التغاضي عنه.

فاليمنيون، على سبيل المثال، وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية الكبيرة التي يواجهونها، يجرؤون على إحداث التغيير، فيقطعون “التحالفات الورقية”، ويقفون في وجه السفن الأمريكية والإسرائيلية. والأمر نفسه ينطبق على حزب الله في لبنان والمقاومة في العراق.

علاوة على ذلك، لا يمكن تجاهل الانقسام الاقتصادي والسياسي داخل “إسرائيل”. لقد أظهر حجم الضغوط الاقتصادية على “إسرائيل” أن الوضع الحالي غير قابل للاستمرار. كان للتغلب عليهاوهذا المأزق هو أن “إسرائيل” قررت مهاجمة القنصلية الإيرانية.

وكانت الفكرة وراء الهجوم هي أن إيران إما سترد أو لن ترد. ولو لم يكن الأمر كذلك لكان الكيان الصهيوني قد استعاد التوازن السابق، وإذا ردت إيران فسوف تتسع الحرب وتنسى غزة.

ولم يكن بوسع الإسرائيليين أن يتوقعوا أن الرد الإيراني يمكن أن يكون ناجحاً وأن يتمكن من منع الحرب من التوسع.

لقد تصرفت إيران بشكل صحيح تماما. وعملياً، جعل “إسرائيل” غير قادرة على الرد، وألحق بها من جديد ضرراً كبيراً.

والآن تعاني إسرائيل أزمة داخلية، وفقدت مصداقيتها في العالم أجمع.

وبمقارنة الوضع الحالي بالماضي نجد أن “إسرائيل” لا تستطيع التغلب على الأزمة الوجودية التي تعيشها حاليا.

وعلى هذا فإن الأمر يتطلب الآن التوصل إلى حل، والغرب يدرك أن هذه المعضلة لا يمكن حلها إلا من خلال بلدان المنطقة. في موازاة ذلك، من غير المرجح أن تكون بلدان المنطقة بعيدة كل البعد عن الواقع لدرجة أنها قد تربط نفسها بحمار أعرج [حمار في ثياب أسد؛ مثل إيراني].

ولذلك، لا أعتقد أن هذه المقترحات الغربية سوف ترى النور أبداً.

وبالتالي، فإن تراجع “إسرائيل” ببعديه الداخلي والخارجي، يشكل عنصراً مركزياً في التحول المستقبلي للمنطقة.

إذا قارنت الظروف التي سبقت أكتوبر 2023 مع الظروف الحالية، فإن الاتجاه الذي يتغير فيه الوضع يصبح أكثر وضوحًا، وهذا اعتبار مهم.

وعلى هذا النحو، نرى أن هناك أسلوبًا للسلوك الأمني الإيراني، حيث حافظت إيران وسلطاتها على النظام في البلاد وحافظت أيضًا على الأمن القومي.

وهذا يمثل فرصة لحماية هذا الوضع، ويجب جعله مستداما.

عملية طوفان الأقصى
إسرائيل
عملية الوعد الصادق
فلسطين
غزة
إيران

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر العناوين

عناوين أخرى