عرفت المخرج الراحل محمد خان منذ بداية عملى بالصحافة الفنية فقد كنت متدربًا في إحدى الصحف الكبرى واتصلت به على منزله وطلبت منه إجراء حوار تزامنًا مع عرض فيلمه وقتها “أيام السادات” فقال لي: تعالي بس ذاكر كويس أفلامي قبل ما تعمل الحوار ولازم تكون شايف فيلم “أيام السادات” اللي هنتكلم عنه طبعًا، وبالفعل شاهدت أغلب أفلامه وشاهدت أيام السادات وذهبت إليه في منزله بالمعادي الذي كان يسكن فيه وقتها.
استقبلني هذا العظيم وكان في قمة تواضعه وسألني: تشرب قهوة ولا نسكافية ولا شاي ولا تحب أعملك ساندويتش، فضحكت وقلت له: اللي حضرتك تحبه، (وكنت أتوقع أن ينادي على خادمة أو أي أحد يساعده ويصنع المشروبات) لكنه ذهب بنفسه وصنع المشروبات وجلس أمامي وبدأ الحوار.
للحق كان الحوار ممتعًا لأنه تحاور مثقفًا ومحبًا وعاشقًا للسينما وأتذكر كل كلمة وكل إجابة علي سؤالي له كأنه أمس، فهو وحوار آخر أجريته مع المخرج داوود عبد السيد كانا من أمتع ما كتبت وحاورت في الصحافة الفنية، واليوم تمر ذكري هذا العظيم محمد خان واخترت أن اكتب عنه لإيماني بأنه من أهم مخرجي السينما المصرية برغم أنه لم يكن مصريا لكنه حصل علي الجنسية في نهاية حياته.
كان الراحل هو الأكثر شهرة فى قائمة مخرجى السينما المصرية ومعروفًا على المستوى العربى فى كل المهرجانات فلا يخلو مهرجان سينمائى إلا ويسأل عن سينما محمد خان وعن فيلمه الأخير وعن مشاريعه القادمة وكان الراحل محبًا للحياة جدًا ومتفائلاً لأقصى درجة وفى نفس الوقت مهموما بقضاياها خاصة البسطاء والطبقة الفقيرة ودائمًا كان يتناول همومها ومشاكلها وأحلامها ولو بحثنا عن لقب نمنحه للمخرج محمد خان فلن نجد أفضل من العاشق الأصيل المهموم بالسينما والشغوف بها فهو أحد أبرز الذين جددوا وغيروا فى السينما المصرية شكلاً وموضوعًا، ودائمًا تجده يعيش فى بحث دائم عن إطار وشكل جديد لأفلامه.
المتأمل لمسيرته السينمائية أيضًا لن يجد فى سلسلة أفلامه فيلما يشبه الآخر، ومجرد مشاهدة جزء من مشهد لأى فيلم من أفلامه سنعرف أننا أمام سينما محمد خان مثله مثل الموسيقار عمر خيرت، فمجرد سماع مقطع من موسيقاه تتأكد أنك أمام موسيقى عمر خيرت، فبصمة محمد خان موجودة فى كل فيلم يقدمه، فهو مخرج صاحب كادر سينمائى مميز لا يسمح لك بالرؤية خارج إطاره فترى العالم من منظور خان نفسه.
سينما محمد خان ومع كل فيلم كان يطرحه تجد النقاد والجمهور فى حالة جدل دائم ومناقشات حول الفكرة التى يطرحها، والشكل السينمائى والرؤية التى رسمها لموضوع فيلمه، وبغض النظر عن مدى إعجاب أو عدم إعجاب المتناقشين فى سينما محمد خان فإن الجميع يحترم تلك السينما، لأنها سينما تخاطب عقلك وتجعلك تفكر فور خروجك من الفيلم وتعيش مع شريط خان السينمائى حالة تختلف عن مشاهدتك لأى فيلم آخر.
وللمرأة دائما فى سينما محمد خان نصيب كبير من الاهتمام بقضاياها ومشاكلها، فخان يؤرخ للمرأة ومسيرتها الاجتماعية فى سينماه منذ أن قدم “زوجة رجل مهم” لميرفت أمين، و”أحلام هند وكاميليا” لنجلاء فتحى وعايدة رياض، ومن بعدها أفلام “سوبر ماركت” لنجلاء فتحى، و”بنات وسط البلد” لمنة شلبى وهند صبرى، و”شقة مصر الجديدة” لغادة عادل، و”فتاة المصنع” لياسمين رئيس ومؤخرا فيلمه الأخير “قبل زحمة الصيف” الذى استكمل به رحلة البحث عن حرية المرأة.
كل فيلم من أفلام خان ستجده يناقش ويحلل ويستعرض قضية وهم من الهموم وقد اهتم أكثر فيما يخص المرأة بفكرة الحرية المسلوبة دائما منها والتى دائما ما تبحث عنها ولن تجدها إلا نادرا كما كان للتفاوت الطبقى نصيب كبير فى سينما محمد خان مثل “أحلام هند وكاميليا” و”مستر كاراتيه” و”سوبر ماركت” و”فتاة المصنع” وفى فيلمه الأخير كان ذلك التفاوت واضحا جدا.
بقلم جمال عبد الناصر